تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - تبلغ والدتي من العمر 60 سنة. تعاني من فرط ضغط الدم. مؤخرا، أخذت تشكو من نزيف تناسلي، في حين أنها بلغت سن اليأس، منذ عشر سنوات. لقد طلب منا الطبيب ألا نستهين بالأمر وأخضعها لعدة فحوصات أسفرت عن تأكيد إصابتها بسرطان بطانة الرحم (Cancer de l'endometre). لقد خضعت والدتي للجراحة فقط.. ويقول هذا الطبيب إن هذا السرطان ليس خطيرا تماما، خصوصا عندما يُشَخَّص في بدايته. أرجو أن تزودني بكل المعلومات عن هذا السرطان، أسبابه علاماته، وطرق علاجه ومآله؟..
الأسباب سرطان بطانة الرحم سرطان ينشأ انطلاقا من الغشاء المخاطي لتجويف الرحم، وهو سرطان شائع الانتشار وذو مآل ألطفَ إذا ما قارناه بسرطانات الجهاز التناسلي الأخرى للمرأة، كسرطان عنق الرحم وسرطان الثدي وسرطان المبيض.. يعلن هذا السرطان عن نفسه من خلال نزيف يعقب سن اليأس ويتم تشخيصه عبر الفحص بالصدى وكحت الرحم(Curtage) كما أن علاجه يكون جراحيا في أغلب الأحيان. يصيب هذا السرطان 10 إلى 40 امرأة من كل 100.000 كل سنة وتتجه هذه النسبة نحو الارتفاع المُطَّرِد، بسبب طول أمد الحياة لدى النساء، نظرا إلى تحسن ظروف العيش وتلقيهن الرعاية الصحية في عدد من دول العالم وللجهود التي تبذل الآن لأجل رصده واكتشافه في بدايته. إنه سرطان المرأة المسنة بامتياز، حيث إنه يبلغ ذروة انتشاره بين 60 و70 سنة. فعند تشخيصه تكون 75 % من المصابات قد بلغن سن اليأس و15 % يهممن بولوج هذه السن و10 % فقط في سن الشباب بعادة شهرية منتظمة. ويكتشف هذا السرطان في حالات جد نادرة بل واستثنائية قبل 35 سنة. تزداد خطورة الإصابة بهذا السرطان كلما تقدمت المرأة في العمر، لكن هناك عوامل أخرى أفرزها الأطباء، إذ يظهر من خلال دراسة الحالات أنه يفضل النساء اللائي تنخفض خصوبتهن. ف20 إلى 40 % من ضحاياه لم يسبق لهن الإنجاب أو أنجبن فقط طفلا واحدا. ومنهن من شرعت في حملها الأول بعد سن ال30 أو عانت مرارا وتكرارا من مشاكل الإجهاض التلقائي. كما تلعب الوراثة دورها في الإصابة بهذا السرطان، وإن كان دورا ملتبسا غير واضح، كما هو الأمر في سرطان الثدي، إلا أنه ينبغي أخذه في الحسبان. فالخطورة تتضاعف في حالة وجود سوابق عائلية سواء بالنسبة إلى الإصابة بهذا السرطان أو بسرطان المبيض أو الأمعاء الغليظة. وتشي الأبحاث كذلك بحضور لافت النظر لعامل السمنة في توفير ظروف نشأة هذا السرطان. حيث نجده لدى 80 في المائة من المصابات اللائي يفقن النساء العاديات بفائض وزن يناهز 25 كلغ. ومع تنامي المعرفة بهذا السرطان، أجهد الاطباء أنفسهم في رسم ملامح المرأة المرشَّحة للإصابة به ليخلصوا إلى أنها امرأة بلغت سن اليأس، سمينة وطويلة القامة، تعاني من السكري وفرط ضغط الدم. فهناك إذن بيئة ينشدها سرطان الرحم لينمو ويكبر. ولكننا نريد أن نزيد في شرحنا فلا نتوقف عند سرد العوامل التي تزودنا بها الإحصائيات والأرقام، بل نرجو أن نبلغ بكم إلى معرفة علة الإصابة، كما تنشط حقيقة على مستوى الخلايا... إن سرطان بطانة الرحم هو عبارة عن تكاثر فوضوي لخلايا الغشاء المخاطي لتجويف الرحم، يتم بتحفيز من الهرمون الأنثوي «الأستروجين»، الذي تنقطع إمداداته عادة عن جسم المرأة عند بلوغها سن اليأس. ولكن قد يحدث في بعض الأحيان أن يستمر هذا الإمداد بعد هذه السن، فكلما كثرت كتلة الشحوم لدى المرأة كلما أمكنها تصنيع هذا الهرمون، انطلاقا من هذه الشحوم وكلما اقتربت أكثر من هذا السرطان، وخصوصا بعد سن اليأس. لكن المرأة أحيانا قد تدفع لاحقا ضريبة أوضاع مرضية وحتى غير مرضية كان جسدها مسرحا لها خلال فترة الخصوبة. فإذا «بلغت» مبكرا أو وصلت سن اليأس متأخرة، فطالت مرحلة ما قبل سن اليأس لديها أو إذا كانت تشكو طيلة حياتها من تكيس المبايض ببدانته وندرة العادة الشهرية فيه وارتفاع نسب الأستروجين لغياب التبويض، فإنها قد تصاب بهذا السرطان، لأنها قضت ردحا من عمرها مع فائض من هرمون الأستروجين. لكن هذا كله يَهون، لأنه قضاء وقدر. فلا امرأة تتحكم في موعد بلوغها أو يأسها، ولكن الإصابة التي تنجم عن سوء تقدير لا تستسيغها المرأة أو «تبلعها» أبدا، كأن يأتيها فائض الأستروجين من خارج جسمها. فالتناول المستمر لمستحضرات هذا الهرمون لوحدها ترفع نسبة الإصابة عند المرأة بعد سن اليأس. حيث تضاعف الخطر 5 مرات بعد 5 سنوات و 14 مرة بعد 7 سنوات من العلاج. لكن تناول مستحضرات البروجسترون بتزامن مع العلاج الهرموني المعوض خلال سن اليأس يذهب هذا الخطر. كما تعرف المصابات بسرطان الثدي اللائي يتناولن مستحضر «الطامكسيفين» (Tamoxifine) أنه يتعين عليهن مراقبة بطانة الرحم دوريا. فهذا الدواء قد يسبب سرطان الرحم. وقد أحصينا إلى حد الآن 350 حالة أخد بتلابيبهن هذا السرطان عبر هذا المنفذ. إنه يضاعف خطر الإصابة مرتين. الأعراض يرسم هذا السرطان لوحة سريرية واحدة. فيكون نزيف الجهاز التناسلي عقب سن اليأس وراء اكتشاف 95 % من الحالات. ينتبه الطبيب ويتجه بتفكيره نحو هذا الداء كلما لاحظ ارتفاع سن المرأة، ذلك أن العادة الشهرية إذا اختفت وتوارت عن الأنظار لا تعاود الظهور، إلا إذا كان هناك مرض مستتر وراءها. يكون هذا الدم أسود أو أحمر قانيا، ينزف تلقائيا وأحيانا بعد اتصال جنسي. وهو نزيف قليل الكمية ومتكرر إلا أنه كاف لكي تنطلق الفحوصات. فكل نزيف بعد سن اليأس يفرض بيانا تشخيصيا. غير أنه في بعض الأحيان قد يغيب الدم ويحضر السيلان. وهو سيلان يميل إلى اللون الوردي، وقد يأخذ مرات عديدة شكل ماء لزج أو صديد. أما بالنسبة إلى آلام الحوض فتظل نادرة ولا تأتي إلا متأخرة وتشير إلى استشراء السرطان محليا أو إلى وقوع تعفن بسبب احتباس الإفرازات داخل الرحم. في أغلب الأحيان يكون الفحص السريري طبيعيا، فعنق الرحم يبدو أمام ناظري الطبيب سليما، بينما يكون الرحم خلال اللمسة المهبلية رخوا غير مؤلم إلا أنه قد يكون ذا حجم أكبر قليلا من المعتاد، لذلك يكون لا مناص أمام ما تذكره المرأة بلسانها من أعراض وعلامات أن ندعم الكشف بالفحوصات التكميلية. وهكذا يُظهِر الفحص بالصدى صورا غير طبيعية لتجويف الرحم، لكن هذه الصور ليست مقتصرة على سرطان الرحم، وهذا ما يمنع اعتمادها للجزم بالإصابة، لكنها مع ذلك تنير طريق التشخيص، ويعول الأطباء كثيرا على قياس سمك بطانة الرحم للانتقال إلى فحوصات أخرى أكثر حسما للموضوع. قبل سن اليأس تظهر بطانة الرحم أكثر تضخما وأكثر التقاطا للصدى، ومع ذلك فإن حسابها ليس بنفس أهمية الحساب الذي يتم بعد سن اليأس. في هذه المرحلة وفي غياب العلاج الهرموني إذا فاق سمك بطانة الرحم 5 ملمترات، ينبغي مواصلة البحث عن السرطان. أما إذا كانت المرأة تتناول العلاج الهرموني فينبغي أخذ هذا بعين الاعتبار حين الشك في تضخم بطانة الرحم. لكن لماذا لا نقوم بتصوير هذا التجويف والسرطان يجري في تجويف الرحم؟ هذا بالضبط ما يسعى إليه التصوير الإشعاعي للرحم الذي يستعمل مادة موضحة فيظهر السرطان على شكل ثغرة غير منتظمة كأنه موجة بحر بأطراف ممزقة ومبتورة، هذه حيل وتوصيفات توافق عليها أخصائيو الأشعة للتخمين أيضا في سرطان عنق الرحم، لكن مادام العلم يتيح اليوم إمكانيات أفضل، فإن الأطباء بدؤوا يلجؤون إلى السير نحو بطانة الرحم هذه، فيرونها بالعين المجردة عبر منظار دقيق يولجونه عبر المهبل أولا، وعبر عنق الرحم ثانيا. إن هذه التقنية تمكن من رؤية السرطان مباشرة، فهو عبارة عن نتوء مترام ينبجس دما متفتتا ومتقرحا وشديد التروية الدموية. وهكذا نحدد مكانه وانتشاره ووقوفه بعيدا أو قريبا أو ملتصقا بعنق الرحم فنستطيع اقتطاف خزعة أو جزء صغير منه للفحص التشريحي. ومع ذلك تظل تقنية كحت الرحم القديمة جدا محافظة على تفوقها، فعندما نقوم بإزاحة هذه البطانة، بِكَحْتِها نستطيع بعد الفحص النسيجي الجزم أخيرا بأن المرأة مصابة بسرطان عنق الرحم. كلما حاكت هذه الخلايا المجمَّعة عن طريق الكحت هندسة البناء الخلوي لبطانة الرحم واقتربت منها كلما كان الأمر هينا. وكلما ابتعدت كثيرا عن استنساخ هذا الشكل أو البناء، كلما كان الأمر أخطر وأشق. تطور سرطان بطانة الرحم ينطلق سرطان بطانة الرحم من بطانة متضخمة أو متورمة في 95 % من الحالات. فيكون ذا مآل حسن. لكنه قد ينبثق من بطانة ضامرة في 5 % فيكون ذا مآل سيئ، لأنه ينتقل في هذه الحالات بسرعة إلى عضلة الرحم. ينتشر هذا السرطان ليعم تجويف الرحم أولا وتبدأ خطورته عندما يقتحم الحد الفاصل بين هذا التجويف وعنق الرحم. كما أنه يغوص ويعود إلى الوراء ليتغلغل في عضلة الرحم. فيصل آنذاك إلى العروق اللمفاوية. ثم بعد ذلك ينتقل إلى الأعضاء المجاورة والبعيدة، كالمهبل والكبد والرئة... إن ما يجعل هذا السرطان أهون شرا من السرطانات الأخرى هو كونه يفعل هذا ببطء فيكون هناك وقت لتدارك الموقف وتقديم العلاج. ونُقَيِّم درجة انتشار سرطان بطانة الرحم من خلال عدة فحوصات استكشافية كتنظير المثانة أو تنظير الشرج وتصوير الجهاز البولي بالأشعة أو تصوير الحوض بالرنين المغناطيسي فنرتبه في 4 مراحل، فيكون في مرحلة النشأة مقتصرا على البطانة وفي الطور الأول محصورا في جوف الرحم وعضلته، ويكون في الطور الثاني إذا ضم إليه عنق الرحم، ويصبح في المرحلة الثالثة إذا خرج عن الرحم، وفي المرحلة الرابعة إذا خرج عن حوض المرأة. العلاج يعتمد العلاج أساسا على الجراحة. لكنها قد تكون مستحيلة أحيانا، لأن السرطان استشرى أكثر من اللازم. أو لأن المرأة وقد شاخت تكون منهكة، حاملة لأمراض أخرى مستعصية. يتمثل هذا العلاج الجراحي في استئصال الرحم والمبيضين بطرق ومسالك جراحية شتى، مع استئصال الغدد اللمفاوية للحوض ثم إخضاع كل هذه القطع للتحليل التشريحي.