تعالت، في الآونة الأخيرة، الأصوات الداعية إلى ضرورة الانكباب على معالجة مختلف النقط السوداء بالقنيطرة، بعدما أضحت تشكل بؤرا حقيقية لتفريخ الفساد بكل ألوانه، ومرتعا تنتعش فيه جميع مظاهر التخلف والتسيب واللامبالاة، وحاجزا أمام النهوض بأوضاع المدينة، وتحقيق التنمية المنشودة، والمسؤولية طبعا، حسب البعض، تتحملها المجالس المنتخبة والسلطات الولائية. في كثير من الأحيان، يقول مهتم بالشأن المحلي، يصعب على المرء أن يفهم سر بقاء القنيطرة خارج أجندة المسؤولين إلى حد الآن، رغم قربها من العاصمة الرباط، وتوفرها على إمكانيات هائلة. يجد القنيطريون صعوبة بالغة في الحديث عن شيء جميل أنجز بمدينتهم، منذ جلاء الاستعمار عنها، فأغلبهم يكاد يجزم بأن المدينة، التي كانت تحمل لقب عاصمة المغرب الفلاحية، عرفت تراجعا خطيرا على جميع المستويات، إلى الدرجة التي أصابت فيها المعمرين الفرنسيين، ممن رأوا النور بالقنيطرة واختاروا العيش ببلدانهم الأصلية، برعب وذعر شديدين، أثناء قيامهم بزيارات سياحية لها. يحكي أحد المعمرين القدامى، وعلامات الحسرة والأسى بادية على محياه، أن القنيطرة كانت خلال عهدها الزاهر محط إعجاب الجميع، وكان كبار مسؤولي الدولة يفضلون الإقامة فيها، وقضاء أغلب أوقاتهم فيها، شأنهم في ذلك شأن العديد من الأجانب، الذين سحرتهم عاصمة الغرب فاختاروا بكل طواعية العيش بها طوال حياتهم، نظرا لما كانت تتمتع به هذه المدينة من مناظر خلابة ومواقع سياحية مهمة ومساحات خضراء، منتشرة في شكل متناسق، بمختلف التجمعات السكانية، التي كانت تنعم بهدوء تحسد عليه. وبعبارات لا تخلو من التهكم، تساءل المعمر عن الدور الذي لعبته مختلف المجالس المتعاقبة على تسيير الشأن العام المحلي، ومعها ممثلو الوزارة الوصية، في تحقيق الطفرة النوعية التي بإمكانها جعل القنيطرة في مصاف المدن المغربية الكبرى، سيما، يضيف المتحدث، أنها تتوفر على كافة الإمكانيات والوسائل والموارد التي تجعلها في مصاف كبريات المدن. ميناء القنيطرة من قطب اقتصادي إلى نقطة سوداء بعدما كان ميناء القنيطرة، أو ما كان يعرف بميناء اليوطي، المحرك الأساسي لعجلة التنمية الاقتصادية لجهة الغرب الشراردة بني احسن، ولباقي الجهات المرتبطة بها، واحتل على إثرها طيلة سنوات عديدة المراتب الأولى من حيث حجم الرواج التجاري، فقد أضحى صيته الآن خافتا، وأصيبت حركته بشلل تام، إثر صدور قرار يمنع ولوج سفن الشحن إليه، لعدم صلاحية المدخل، بفعل الترسبات الناتجة عن عدم القيام بعمليات الجرف، مما أدى إلى تشريد المئات من العمال، الذين يعتبر هذا الميناء مورد عيشهم الوحيد لهم ولأسرهم. وضع كهذا، حول فضاء الميناء، الذي كان يعج بالحركة وضجيج الرافعات والشاحنات، إلى سكون رهيب، لا تكسره سوى قهقات مجموعة من السكارى، الذين حولوا بعض مرافقه إلى ملاذ لشرب الخمور، فيما اختاره العديد من المتشردين «فندقا» لقضاء لياليهم، بعيدا عن أعين المتلصصين، الذين قد يفوتون عليهم حلاوة النوم الهادئ بالميناء. وتحسر عدد من العمال، الذين أضحوا عرضة لبطالة قاتلة، عن المآل الذي صار إليه وضع الميناء النهري الوحيد من نوعه بالمغرب، وقالوا، إنه من العار أن يتحول إلى نقطة سوداء، بعدما كان نقطة ضوء جذابة للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال ومحركي الاقتصاد الوطني. في حين دعت العديد من الفعاليات، في تصريحات متفرقة، الحكومة المغربية، إلى إعادة الروح إلى هذا الميناء وتأهيله وتجهيزه بكافة الوسائل، سيما، بعد تدشين عاهل البلاد لمشروع المنطقة الصناعية الأطلسية الحرة، وهو ما من شأنه أن يلعب دورا مهما في أن يسترجع الميناء المذكور هيبته الاقتصادية السابقة، ويساهم في إنجاح مشروع المنطقة الحرة، حسب تعبيرهم. مياه نهر سبو..كارثة بيئية خطيرة تهدد الإنسان والحيوان هو أكبر الأنهار المغربية من حيث الحجم، وثانيها من حيث الطول، كان في وقت من الأوقات ملاذا للعائلات والأسر، التي تجلس على جنباته المكسوة بالعشب، لتمتع أعينها بسحر مياهه التي لا تنضب، تنصت إلى خرير جريانها، فيما كان آخرون مهووسون بصيد الأسماك التي كانت تعج بها أعماقه. كل ذلك أصبح في عداد الذكريات، بعدما تحول هذا النهر العظيم إلى مطرح متنقل للنفايات، حيث أضحت أكياس الأزبال تعلو سطحه، في مشهد مقزز، أدى إلى احتقان وغليان وسط دعاة المحافظة على البيئة، الذين أبدوا في مناسبات عدة حسرتهم على هذا المصير. يقول عزيز، فاعل في مجال البيئة، «كان أولى أن يستغل المسؤولون مرور نهر سبو وسط المدينة في خلق نقط جذب سياحية قل نظيرها بالمغرب»، محذرا من مغبة عدم الاكتراث لما يحدث بسبو من فظائع وجرائم بيئية خطيرة، ومشددا على أن مستقبل الآلاف من السكان بات غامضا، خصوصا بالنسبة للفلاحين الذين يعتمدون عليه في سقي أرضهم وماشيتهم. وكشف عزيز أن هناك دراسات عديدة أشارت إلى احتضان سبو للآلاف من الأطنان من الأزبال التي تلقى فيه، أضحت تشكل خطرا على عذوبة مياهه، وتجهض كل الأحلام المعقودة عليه، ليكون رافعة أساسية ومحركا فعالا لعجلة التنمية السياحية بمدينة القنيطرة. المجزرة البلدية ومطرح النفايات بؤرتان تهددان صحة المواطنين فجر تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر مؤخرا، قنبلة مدوية حينما أشار صراحة إلى أن صحة ساكنة القنيطرة مهددة بفعل الأخطار الناجمة عن تردي مختلف مرافق المجزرة البلدية. وكشف التقرير نفسه أن المجزرة البلدية الحالية تعاني من عدم توفر الشروط الصحية الكافية التي من شأنها السماح بعمليات الذبح في ظروف لائقة، كما أن جميع التجهيزات المتعلقة بجر الذبائح تآكلت بفعل الصدأ وجراء غياب الصيانة، مضيفا أن مفتشي المجلس الجهوي لاحظوا، أثناء زيارتهم لهذا المرفق، وجود عدة شقوق بمستودعات التبريد يتسرب عبرها الهواء الساخن إلى داخل هذه المستودعات، وهو ما يساعد، في نظره، على تنامي البكتيريا وتعفن اللحوم. ونفس الخطر أضحى يشكله مطرح النفايات «أولاد برجال» على الصحة العمومية، حسب مفتشي المجلس، على اعتبار أنه قريب من ميناء القنيطرة والمنطقة الصناعية وبعض الأحياء السكنية، ولا يبعد عن مجرى وادي سبو سوى ب250 مترا، ويوجد فوق فرشة مائية لا يتجاوز عمقها 3 أمتار، وعلى بعد أمتار قليلة من قناة للماء الصالح للشرب تتزود منها المدينة، تنضاف إلى كل ذلك طبيعة تربة هذا المطرح غير الرملية التي تسهل، وفق ما جاء في التقرير، امتصاص السوائل وعصارة النفايات وتسربها إلى الفرشة المائية وتلويثها. وكان من المفروض أن تستجيب المجالس المنتخبة، منذ سنوات خلت، لمطالب فعاليات المجتمع المدني، المهتمة بشؤون البيئة وحماية المستهلك، والتي سبق وأن دعت في تقاريرها إلى الإسراع بإيجاد حلول ناجعة لتفادي كارثة بيئية محدقة بالمدينة، وقدمت في هذا الإطار العديد من الأبحاث والدراسات، التي لو تم أخذها بعين الاعتبار، لعرفت نسبة التلوث المرتفعة التي يتسبب فيها المطرح المذكور تراجعا ملحوظا.