فنان موهوب ومتحرر إلى أبعد الحدود.. خلال مسيرته، التقي مهدي قطبي بالملوك والرؤساء والمثقفين الكبار، لكن الحياة لم تبتسم في البداية للطفل غير المرغوب فيه بحي التقدم في الرباط.. مسيرة استثنائية من حي شعبي إلى أرقى الأحياء الباريسية - بعد إقامة طويلة بفرنسا تعود للاستقرار بالمغرب. هل أدركت بحسك المتحرر أن هناك فرصا أصبح يوفرها بلدك الأصلي؟ < كنت دائم التنقل بين فرنسا والمغرب، إنني أروي في الكتاب الذي سينزل قريبا إلى الأسواق «Palettes d’une vie» أنني كنت أحس بالخوف كلما عدت إلى المغرب. كنت أخاف أن يمنعني الشرطي وموظف الجمارك من مغادرة البلاد. الآن تغيرت الأمور كثيرا.. إنني مرتاح في بلدي.. - هذا غريب لأنك كنت تزور القصر الملكي في عهد الحسن الثاني وكنت مقربا من عدة شخصيات نافذة. ألم يكن ذلك مبعث ثقة بالنسبة إليك؟ < لا، لقد كنت دائما أحس بالخوف. كان يذكرني شرطي المطار بقسوة وصرامة والدي وهو أمر أثر في بشكل عميق، وكنت دائما ثائرا ضد السلطة وهي الأسباب التي جعلتني أحس بالخوف كلما زرت المغرب. - مررت بطفولة قاسية ونشأت داخل حي شعبي بالرباط لتخالط بعدها ملوكا وزعماء الدول. هل تحس بالاطمئنان الآن؟ < أنا الآن مرتاح وأحس بالسعادة والأمان. لدي مبدأ يومي وهي أن أردد يوميا كم أنا محظوظ بالحصول على شقة وعلى حديقة جانبية صغيرة.. لن أنسى أبدا أين ترعرعت. قبل أربعين سنة، لم يكن لدي ما أرتديه ولعابي يسيل عند مروري أمام واجهات محلات الحلويات. أصبح اليوم بمقدوري مجازا شراء أية حلوى أرغب بها أو محل الحلويات بكامله.. إنني أشكر الله الذي خلقني فقيرا لأنه أصبحت الآن قادرا على إدراك قيمة الأشياء ولدي ما أحتاجه بعد أن كنت متسولا بتولوز.. - عندما يولد المرء فقيرا فإنه يظل كذلك طيلة حياته، هل هذا ما تقصده؟ < لا، ولكن نحس بالرضى أكثر من الذين وفرت لهم الحياة كلما يحتاجون إليه ودائما أضع نفسي مكان الآخر. كنت مستخدما لدى عائلة ثرية في الرباط وأدرك جيدا معنى أن تأكل من البقايا التي يتركها لك مشغلوك، لهذا أعتني جيدا بأي شخص يعمل لدي. - بما أنك قد تصالحت إلى هذا الحد مع ذاتك، لم لا تستعيد اسمك الحقيقي محمد؟ < في بطاقة التعريف الوطنية ستجدين أن اسمي هو محمد مهدي قطبي. في الواقع أريد تغيير اسمي الشخصي دون التنكر لجذوري لأن التنكر للأصل فقر يصعب استحماله. - بماذا يذكرك محمد قطبي بالضبط؟ < إنه اسم مثل باقي الأسماء ولم أختره لكنني استفدت من فرصة تغييره. لقد فررت في الحقيقة من الماضي، من بلدي، من تاريخ، فررت من بيئتي ومن أسرتي.. لقد هربت من بلد لم يمنحني سوى الحياة. مررت بطفولة مليئة بالفوضى ولم أكن أبدا طفلا مرغوبا فيه. - هل هذا معناه أنك لم تنعم بالوالدين اللذين تستحقهما؟ < كنت مدعوا ذات يوم إلى تناول وجبة الغداء عند إحدى العائلات بتولوز، أصبت بالصدمة عندما شاهدت أفراد تلك العائلة يتناقشون في ما بينهم. في أحد الأيام، عدت من المدرسة ورأيت سيدتين تتحدثان عني، كانتا معجبتين بأدبي ولطافتي وتمنيتا لو كنت ابنهما. تساءلت حينها عن سبب رفض والدي أن أكون ابنهما. - واليوم، هل قطعت علاقتك بوالديك؟ < توفيت والدتي ولم تكن أبدا محظوظة في حياتها.. أقابل والدي بين الحين والآخر. لكن علاقتنا مضطربة وغير طبيعية. إنه يعتقد أنه قد أتم واجبه نحوي بأن وضعني في هذا العالم. لم استطع أبدا أن أتجاوز هذا الأمر، وحاولت أن أكلمه وأشرح له تصرفاته لكنه كان يرفض ليظل الحوار بينما مستحيلا. أتمنى أن يغفر الله لكلينا لأن كل واحد منا يتقاسم جزءا من المسؤولية.. ترجمة سعاد رودي