أصبحت جهة سوس ماسة نقطة جذب مهمة بالنسبة للهجرة الداخلية، فمناصب الشغل التي يخلقها قطاع الصيد البحري وقطاع الفلاحة، بما فيه الضيعات الفلاحية ومحطات تلفيف الخضر والفواكه وغيرها من القطاعات، صارت تغري أعدادا كبيرة من اليد العاملة التي تحج إلى أكادير الكبرى، التي تضم مدينة أكادير والدوواير التي ألحقت بها والتي أصبحت تنتمي إلى المدار الحضري لمدينة أكادير لكنها لم تستكمل بعد العناصر التي تؤهلها للحاق بالركب الحضاري، حكاية أكادير لخصها أحد الشيوخ الذين التقيناهم عندما قال إن الصالحين في كل أرجاء المملكة المغربية يرفعون أكف الضراعة إلى الله بأن يحفظ مدينتهم من كل سوء، فلقد تحولت سوس، «العالمة» التي تغنت بأمجادها العلمية لقرون، إلى وجهة تنتج الأطفال المتخلى عنهم والمشردين وتنتشر بها الجريمة بشتى أنواعها، فماذا عن واقع الإجرام والاتجار في المخدرات بأكادير الكبرى؟ وماهي أهم النقط السوداء التي تقف في طريق المدينة كي لا تتحول إلى منطقة سياحية تستحق أن تكون وجهة عالمية؟ عندما تلتحف مدينة أكادير بالظلام، هناك العديد من الأشخاص الذين يبدؤون نشاطهم الليلي، يفرض عليهم نشاطهم أن يختاروا الساعات الأخيرة من الليل بعدما تكون عيون الفضوليين قد نامت. في ليل أكادير يخرج أناس من الجنس الثالث من الشواذ ليأخذوا زاوية في أحد الشوارع المشهورة بالمدينة لا تخطئهم العين بملابسهم الأنثوية وكثرة المساحيق البراقة التي تملأ وجوههم والتي تنعكس عليها أضواء المصابيح العمومية، تتوقف بالقرب منهم سيارات بعض الفضوليين الذين يقذفونهم ببعض الكلمات النابية والسب والشتم، لكن سرعان ما يتحولون إلى زبناء خاصين لهذا الجنس الثالث. وبعيدا، وفي زوايا أخرى من المدينة داخل بعض العلب الليلية، يتم إغلاق الأبواب على عينة من الأكاديريين الذين يفرضون التكتم الشديد على حفلاتهم، الأمر الذي أثار، مؤخرا، جدلا على أعلى المستويات بجهة سوس ماسة، بعد تسرب الأخبار عن الليالي الحمراء التي تشهدها بعض الفنادق والعلب الليلية التي يرتادها نوع خاص من رجال الأعمال والتجار الكبار. كان آخر هذه الحفلات ما شهدته إحدى قاعات الحفلات بأيت ملول، عندما استضاف بعض التجار مغنين شعبيين معروفين وأمضى الجميع ليلة بكل الألوان، ليلة استثنائية تسربت أخبارها في ما بعد رغم التكتم الشديد الذي تم فرضه على الحفلة. قلب المدينة الذي تحول إلى ملتقى للمشردين والعاهرات تبدو من بعيد وقد اختلطت فيها كل الألوان تعج بالحركة تجتمع فيها كل الأجناس البشرية وكل الفئات العمرية من المغرب كله، بل أحيانا من كل قارات العالم، يقصدها المسافرون وعابرو السبيل كما يقصدها اللصوص لاصطياد غنائمهم، وتحج إليها العاهرات للقاء الزبناء، ملتقى كل شيء، إنها قصة ساحة تتوسط قلب مدينة أكادير تسمى ساحة “ البطوار “ التي تعتبر من النقط الصاخبة داخل المدينة. في كل مساء تعيش ساحة «البطوار» على وقع هيمنة شاملة من طرف أعداد كبيرة من المشردين الذين يحجون إلى المحطة مساء كل يوم تتبعهم كلابهم وقططهم وتنبعث منهم روائح «السيلسيون« و «الدوليو». هذا المشهد أصبح مألوفا لدى كل المواطنين الذين يرتادون هذه المحطة، ولا تتوقف سلوكات هؤلاء المشردين عند التسكع وإطلاق الألفاظ النابية والمشاجرات التي تحدث بينهم، بل تعدت ذلك إلى التسابق نحو سيارات الأجرة من أجل توفير أماكن لبعض الزبناء الذين لا يتأخرون بدورهم في إعطاء بعض الدريهمات لهؤلاء المشردين. ساحة المحطة تحولت إلى محج يستقطب معظم المشردين والمختلين عقليا داخل المدينة، ولا تحظى هذه الساحة بكثير من التغطية الأمنية رغم تكرار حالات السرقة والاعتداء التي يتعرض لها المواطنون من طرف هذه العصابات من المشردين الذين أصبحت وجوههم مألوفة لدى كل من يرتاد هذه الساحة. على طول الشارع المحاذي لحي الداخلة مرورا بالكليات والحي الجامعي توجد العديد من الأشجار، تشكل شريطا أخضر يتوسط طريقا سريعا، هذا الشريط يتحول في الساعات الأولى من الليل إلى فخ لاصطياد الضحايا من الطالبات والمارة، كما يتحول إلى طريق مميت بسبب السرعة المفرطة التي تمر بها بعض السيارات. فقد شهدت هذه المنطقة، مؤخرا، حالة اعتداء على طالبتين تم اغتصاب واحدة منهما من طرف أشخاص مجهولين، كما شهدت هذه الطريق حالة وفاة طالب عندما صدمته سيارة كانت تمر من الطريق بسرعة جنونية أدت إلى وفاة الطالب ولاذ صاحب السيارة بالفرار. كما أن الأشجار والنباتات الكثيفة التي توجد بهذه المنطقة سهلت على اللصوص اقتياد ضحاياهم تحت التهديد بالسلاح إلى هذه الأماكن الكثيفة وسلبهم كل ما يملكون. تجار المخدرات يختفون وراء تجار المواشي شهدت منطقة الجرف بمدينة إنزكان، مؤخرا، حملة لتطهير المنطقة من أصحاب “الزرايب” الذين يتخذون من ضفاف واد سوس فضاء لبناء مجموعة من الزرايب من أجل تربية المواشي، ووراء هذه الزرايب توجد مناطق شاسعة ممتدة على طول ضفاف وادي سوس، هذه الأحراش التي تتشكل من بعض الأشجار والقصب الذي يملأ الضفاف تشكل ملاذا لتجار المخدرات الذين يلتقون بزبنائهم بعيدا عن أنظار رجال الأمن الذين لا يستطيعون الوصول إلى هذه المناطق إلا على شكل دوريات، فالمنطقة تعتبر جنة تجار المخدرات، وقد تتحول في أحيان كثيرة إلى مسرح للجرائم، كما حدث، مؤخرا، عندما سقط أحد الشبان بطعنة من سكين بسبب خلاف حول مبلغ عشرين درهما، لتنتهي القضية باعتراف الجاني بعد أن قدم ثلاثة شبان شهادتهم لدى الشرطة القضائية كشهود عيان على الجريمة، كما تم القبض، مؤخرا، على مجرم كان يرابط بهذه الأماكن ويستعمل سيفا لتهديد كل من يقترب منه وقد استمر رجال الأمن في مطاردته لساعات قبل أن يتمكنوا من إلقاء القبض عليه أخيرا. الدشيرة تجمع سكني على وشك الانفجار أغلبية الجرائم المسجلة لدى مصالح الشرطة القضائية بمدينة الدشيرة الجهادية يتصدرها الضرب والجرح بسبب خلافات بسيطة بين الجيران وكذا جرائم الخيانة والسرقة وقليلا ما تسجل جرائم القتل، كما أن السكر العلني والاتجار في المخدرات يتصدر القائمة. وذلك راجع بالأساس إلى كون هذه المدينة الصغيرة بالمقارنة مع المدن الأخرى المجاورة لها تتوفر على أعلى كثافة سكانية بالمنطقة على الإطلاق، فداخل رقعة جغرافية جد محدودة تتجمع العديد من الأصناف من الناس من العمال المياومين في قطاع البناء والنساء العاملات في الضيعات ومحطات التلفيف و اليد العاملة في قطاع الصيد البحري والباعة المتجولين والطلبة وكل باحث عن سكن رخيص، فإنه يقصد مدينة الدشيرة التي تعتبر غرفة نوم كبيرة لكل الذين يشتغلون بأكادير وضواحيها نهارا. هذه الكثافة السكانية والاختلاط الشديد بين كل هذه الفئات ينتج عنه العديد من المشاكل الاجتماعية والجرائم، الأمر الذي حول مدينة الدشيرة إلى نقطة التقاء لكل أشكال الاحتقان الاجتماعي والمشاكل العمرانية.