غصت جنبات قصر المؤتمرات بمراكش، صباح السبت، بممثلي الجهة وفنانين ورياضيين وفاعلين من مختلف المشارب، حضر بعضهم لمحاولة فهم برنامج «حركة لكل الديمقراطيين» التي أثار تأسيسها جدلا واسعا داخل المشهد السياسي وخارجه، فيما كان دافع الحضور بالنسبة إلى آخرين هو رؤية «صديق الملك» ومصافحته فقط. وعند حدود الساعة العاشرة، بدأ أعضاء مكتب حركة لكل الديمقراطيين يتوافدون على القاعة التي تتسع لحوالي ألف شخص امتلأت عن آخرها، ولم يبق من بد لبعض الحاضرين سوى الوقوف لتتبع «الوصفات السياسية»، التي أعدتها حركة لكل الديمقراطيين لإصلاح المشهد السياسي، والتي تروجها منذ تأسيسها بمختلف الأقاليم وعبر لقاءات تواصلية متعددة. اللقاء التواصلي بجهة مراكش-تانسيفت، والذي يعتبر الخامس من نوعه في تاريخ الحركة، تميز بحضور لافت لممثلي الجهات الذين فتحوا نقاشا واسعا مع أعضاء المكتب الممثلين إلى جانب فؤاد عالي الهمة، مؤسس الحركة، بكل من أحمد اخشيشن ومحمد الشيخ بيد الله، وصلاح الوديع، والحبيب بلكوش، ورشيد الطالبي العلمي، وعبد العزيز أخنوش، وآخرين... وعبر الحاضرون، الذين ظلت أعينهم مركزة بشكل لافت على الهمة، عن حاجة ورغبة ملحتين في أن تطال التنمية مناطقهم الفقيرة بالطريقة نفسها التي تم التعامل بها مع منطقة بنجرير، التي ينتمي إليها الهمة، داعين إلى أن يحذو ممثلوهم المتراخون حذو «السي فؤاد الذي جلب إلى منطقته زيارة سيدنا، ومشاريع تقدر قيمتها بسبعة ملايير سنتيم»، على حد تعبير أحد المواطنين من منطقة الصويرة. طوال فترة اللقاء، الذي امتد زهاء أربع ساعات، كانت العيون مركزة بشكل لافت على الهمة، كما توجهت مجمل الأسئلة المطروحة، إليه مباشرة. وتوزعت بين ما هو سياسي، من قبيل الأقوال الرائجة بأن عالي الهمة خرج من الداخلية لمحاربة تيار الإسلاميين، ومنهجية الحركة في العمل وسياق تأسيسها، بالإضافة إلى برنامجها وأهدافها، وكلها أسئلة أجاب عنها الهمة بجدية مفرطة مقترنة بحركات دعك يديه المعهودة، إلى جانب أسئلة أخرى شخصية حول «الهمة صديق الملك»، وحادث إحراق الحي الجامعي في فترة الدراسة، وهذا النوع من الأسئلة أجاب عنه بابتسامة عريضة. حاول الحاضرون إلى اللقاء التواصلي معرفة جديد حركة الهمة، حيث خاطبه البعض بصيغة: «لقد سئمنا كل قديم فإن كان لديك من جديد هاته»، فيما اشتكى آخرون من سلوكات ممثلي السلطة والتهميش الذي تعانيه مناطقهم النائية... ولم تخل القاعة من بعض المشادات العابرة، حيث احتج بعض الحاضرين على الطريقة التي سير بها صلاح الوديع اللقاء، متهمين إياه بإقصائهم من طرح الأسئلة التي فاق عددها 33 سؤالا. خلال الكلمة التقديمية التي افتتح بها رئيس الحركة أحمد اخشيشن اللقاء، أكد أن لقاء مراكش يدخل في إطار برنامج تواصلي واسع دأبت عليه الحركة منذ تأسيسها من أجل التواصل المباشر والاحتكاك مع المواطنين. وأشار اخشيشن، موضحا سياقات تأسيس الحركة، إلى أن المغرب دخل منذ 15 سنة نسقا خاصا، حيث أثيرت العديد من القضايا الاجتماعية التي لم يتم الحسم فيها في المرحلة السابقة. وأكد أن هذه القضايا يجب طرحها في الوقت الراهن بشكل واضح، وبالتالي اتخاذ القرار اللازم بشأنها. ومن ضمن هذه القضايا –يضيف- قضية تدبير المشهد السياسي. واعتبر اخشيشن أن عهد الملك محمد السادس طرحت فيه عدة قضايا من نوع جديد، فبالإضافة إلى ترتيب أوضاع الأسرة المغربية من خلال مراجعة المدونة، تم فتح ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مما أفضى إلى إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، إلى جانب تقرير الخمسينية الذي قدم قراءة تقييمية على مستوى السياسات المحلية. وقال اخشيشن إن التفكير في تأسيس حركة لكل الديمقراطيين بدأ منذ سنة 2005، مشيرا إلى أن هذا التفكير تعمق أكثر بعد محطة 2007، التي تميزت برفع الدولة يدها عن العملية الانتخابية بعد تدخلها «المقرف» في هذه العملية في الفترات السابقة. وأضاف اخشيشن أن معالجة ملف الانتهاكات وتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة وكذا التقرير المنجز، أفضت، إلى جانب تقرير الخمسينية، إلى تصورات حول المغرب الممكن، وأردف قائلا إن الاقتراحات المصاغة في إطار تقرير هيئة الإنصاف وكذا تقرير الخمسينية لم يتم التفاعل مع مقتضياتها، كما لو كان الهدف هو صدور التقارير فقط»، وبالتالي فإن تقرير هيئة الإنصاف كان أول جرس بالنسبة إلينا إلى جانب تقرير الخمسينية، يضيف اخشيشن. وأوضح اخشيشن أن حركة لكل الديمقراطيين هي حركة مجتمعية تتوخى الإجابة عن الأسئلة المطروحة وفق أرضية متفق حولها، وأكد أن رهان الحركة هو محطة 2009، التي ستترجم آفاق الحركة الواقعية، واعتبر أن محطة 2009 من ضمن القضايا الأساسية التي تشتغل عليها الجمعية. العديد من الحاضرين حذروا الهمة من تحول حركته إلى حزب سياسي، وذهبت بعض التدخلات إلى تنبيه الهمة من أن تتحول حركته إلى زاوية لها مريدون وشيوخ. وفي هذا الإطار، أكد الهمة أن حركته ليست حزبا سياسيا ولن تكون حزبا مطلقا. وأشار إلى أن استراتيجية عمله تدخل في إطار منهجية العمل المعتمدة في العشر سنوات الأخيرة والتي ترتكز على العنصر البشري والبعد المحلي. وقال في هذا الإطار: «ليست لدينا حلول ووصفات جديدة، وإنما نهدف إلى خلق آليات مع الساكنة من أجل خلق جو ديمقراطي حقيقي، والحركة ستبقى حركة مجتمعية مهامها تتعدى مهام الأحزاب السياسية». وردا على سؤال حول استقطاب أطر الأحزاب الأخرى، قال: «ليس هدفنا هو جمع الجمعيات والأحزاب، وإنما مخاطبة المواطنين بعيدا عن الشعبوية والمحسوبية...». بعض المتدخلين ناقشوا أيضا مسألة خلق الجمعية لأعداء من خلال استقطاب بعض الأطر من الأحزاب، وفي هذا السياق رد الهمة: «نحن لا نريد خلق أعداء، لكن في هذه البلاد السعيدة «إلى خدمتي تتحارب... هاد الشي اللي عطا الله»، وأضاف: «ثم إن جيل مصالحة الماضي ليس على استعداد لخلق عداء وصراع مع أي كان... كلنا مغاربة وحتى حنا كنصليو نهار الجمعة ونلبسو الجلابة... وهذا هو المغربي الحقيقي». مؤسس حركة لكل الديمقراطيين حاول أيضا شرح علاقته بالملك، حيث قال في هذا الإطار: «صداقتي مع الملك عمرها 30 سنة، ومن حق أي أحد في مكاني أن يفتخر بذلك، لكن مسار أي شخص هو عمله ونتيجة هذا العمل ولا شيء غير ذلك». حاول بعض المتدخلين إعادة الهمة إلى لحظة الخروج من الداخلية، واستغرب البعض كيف قبل أن يضع «آلة التحكم من بعيد» التي كان يتوفر عليها ويعود إلى منطقته خالي الوفاض، ورد ابن بنجرير قائلا في هذا الإطار: «كما قبلت المنصب رأيت في لحظة معينة أنني لم أعد قادرا على مواصلة العمل فيه، فالبقاء في منصب معين لمدة طويلة يمكن أن يؤدي إلى وقوع انزلاقات ويبدأ الإنسان غير كيرون»، يقول. ويضيف: «السلطة والحكم ستصبح في المستقبل على المستوى الجهوي والمحلي أكثر منها على المستوى الوطني، والمطالبون بتعديل الدستور وتوزيع السلط بين البرلمان والحكومة وسلطات الملك هم متأخرون جدا، لأن النقاش يجب أن يكون جريئا ويتوجه إلى أبعد من ذلك، فتقسيم السلط بين المركزي والوطني والجهوي المحلي هو ما أشتغل عليه الآن».