لم يمر أسبوع على ارتكابه لجريمة القتل حتى اعتقل (ه.ر) بتهمة اغتصاب الممرضة وسجن سنة حبسا نافذا، وظلت جريمة قتله للضحية الثانية عالقة طيلة مدة سجنه لم يكن ( ه.ر) بالتلميذ النجيب الذي تراهن عليه أسرته من أجل الحصول على شهادة عليا والظفر بوظيفة تنتشلها من الفقر المدقع، بقدر ما كان ذلك الطفل الوسيم المشاكس الذي ستتهافت على مغازلته الفتيات. فبشهادة من تابعوا سيرته، كان (ه.ر)مشروع شاب في مستوى أحلام الأب الكادح والأم المريضة التي تقضي النهار عاملة نظافة في بيتها، وتركن ليلا إلى فراشها البالي تنسج حكايات المستقبل التي تهدئ بها آلام الجسد والنفس. زاغ (ه.ر) عن طريق الأسرة، بعد أن رافق بعض الأشرار، ذاق طعم كل الانحرافات من مخدرات وخمور ودعارة، ليلقي بمحفظة الكتب ومعها أحلام الأسرة في قاع جب لا أول له ولا آخر، ويسلك بذلك سبيل الإدمان والانحراف. ظل (ه.ر) مهووسا بممارسة رياضة كمال الأجسام، إلى درجة الإدمان على مراقبة نمو عضلات جسده أمام المرآة، وهو يتغزل بوسامته التي كان يعتبرها مفتاح سقوط الفتيات بين أحضانه. لم يكن(ه.ر) محظوظا مع الفتيات بالقدر الذي كان ينتظره، نظراتهن له لم تصل إلى حد الاهتمام به، مما جعله يعاني عقدة النقص ويزداد حقده عليهن، إلى أن بات يقضي الليالي في شرب الخمر حتى الثمالة، فتنتابه رغبة جامحة وشعور غريب وجاذبية خارقة نحو الجنس اللطيف، فلا يجد أمامه سوى الخروج إلى الأزقة والشوارع باحثا عن فريسة يقضي معها جزءا من ليلته الصاخبة ويشبع بها رغباته الجنسية. كان رياضيا بارعا في رياضة كمال الأجسام، وكان يعرف أنه وسيم ويمتلك قامة وجسدا رياضيا يستهوي الفتيات، فما إن يلعب الخمر برأسه عند غروب الشمس حتى يسارع لاستدراج الفتاة الأولى الجميلة التي تمر بجواره إلى شارع أو زنقة مظلمة، ليقودها تحت التهديد إلى خلاء، ليجبرها على ممارسة الجنس على نحو شاذ، قبل أن يضع يديه القويتين على فمها وأنفها ويخنقها. عام الاغتصابات استهل (ه.ر) سنة 2007 بتنفيذ مخطط الاغتصاب، فكانت البداية بمطاردة فتاة في العشرينيات من العمر، تتابع دراستها بمدرسة تكوين الممرضين بحي المجازر بسطات، حيث اعترض سبيلها عند المساء ودخل معها في حوار أسر لها فيه بأنه رجل امن مدليا لها ببطاقة تحمل صورته، يتخللها خطين أخضر وأحمر. بطاقة رجل الأمن التي تبين فيما بعد أنها (بطاقة انخراطه في نادي كمال الأجسام)، كانت وسيلة يوهم بها (ه.ر) ضحاياه بأنه رجل أمن يستطيع بواسطتها توفير الحماية لضحيته من كل المخاطر وتفتح له الأبواب الموصدة. صدقت الفتاة رواية (ه.ر) واستدرجها إلى خلاء مجاور لسوق اشطيبة بسطات، بعدما بدء الليل يرخي سدوله على المكان سحبها في جنح الظلام بالقوة إلى عمق الخلاء ومارس عليها الجنس من دبرها تحت التهديد، قبل أن يخلي سبيلها بعد أن سلبها حافظة نقودها. (ه.ر) وبعد أن هربت الفتات وتوارت عن الأنظار، ندم على تركها تنصرف، خوفا من أن تدلي للشرطة بأوصافه، فظل لأزيد من أسبوع ينتظر ما ستبادر إليه الضحية الممرضة. لم يخيب ظن (ه.ر) بالممرضة عندما أبلغت عن حادث الاغتصاب الذي تعرضت له، وأدلت لمصالح الأمن بأوصافه، لينطلق مسلسل أبحاث الشرطة القضائية، في الوقت الذي اعتقد فيه (ه.ر) أن العملية مرت بسلام. بعد هاجس الخوف من الاعتقال الذي أفقد (ه.ر) شهية الخمر والتمارين الرياضية، اقتنع بضرورة تغيير خطته، والعمل على أن تكون الخاتمة جريمة قتل تنهي كل أمل في اكتشاف هويته، هكذا فكر وهكذا قرر. فبعد حوالي شهر من عملية الاغتصاب التي نفذها ضد الممرضة، عاد (ه.ر) إلى سوق اشطيبة باحثا عن ضحية ثانية، حيث التقى بالصدفة فاطمة الزهراء ابنة الأربعة والعشرين سنة، والتي كان يعرفها بحكم سكنها بجوار منزل احد أقربائه بحي بام. كانت هاته العلاقة سببا في استدراجها إلى الحوار واصطحابها إلى منطقة خالية مظلمة خلف مدرسة بئر انزران، لينقض عليها كالفريسة، إذ لم يكتف بممارسة الجنس عليها من دبرها، بل كمم فمها وأنفها بكلتا يديه حتى فارقت الحياة، وتركها شبه عارية، دون أن يترك أثرا يدل عليه، ما حير البوليس. اعتقال السفاح لم يمر أسبوع على ارتكابه لجريمة القتل، حتى اعتقل (ه.ر) بتهمة اغتصاب الممرضة وسجن سنة حبسا نافذة، وظلت جريمة قتله للضحية الثانية عالقة طيلة مدة سجنه. فمن حسن حظه وسوء طالع الشرطة القضائية أن تاريخ سبعة فبراير 2007 الذي صادف إلقاء القبض عليه غير متزامن مع اكتشاف جثة الضحية الثانية، حيث قدم إلى استئنافية سطات بتاريخ تسعة فبراير وجثة الضحية كانت حينها لازالت في موقع الجريمة. ظل (ه.ر) يتابع تطورات الأحداث من خلف القضبان ويسترق الأخبار من زوار السجن، حيث لم يهدأ له بال إلا عندما علم باكتشاف الجثة وتسجيلها ضد مجهول. بعد عام على سجنه أفرج عن السفاح يوم سبعة فبراير 2008، وبعد أسبوع من تذوقه طعم الحرية ورؤية نور الشمس راودته فكرة ممارسة الجنس على الطريقة القديمة، حين لعبت الخمر بعقله، فخرج يتجول بالقرب من محطة للبنزين بطريق الدارالبيضاء بحثا عن ضحية ثالثة. التقى (ه.ر) نزهة (22 سنة)، فتاة كان يعرفها وتعرفه، كانت خارجة من محطة البنزين في حالة تيهان رفقة فتاة أخرى، فانتظر حتى افترقتا، ليهم بمطاردة الفتاة وتمكن من استدراجها إلى حديقة مجاورة لخزانة البلدية، حيث شغلها بالحديث إلى أن غربت الشمس، وقادها بالقوة إلى حديقة مظلمة بالجوار ومارس عليها الجنس من دبرها تحت التهديد بالقتل، وعمد إلى خنقها بيديه وتركها ملقاة بين الأغصان والأوراق. جثة نزهة اكتشفت في اليوم الموالي، وانطلقت أبحاث الفرقة الجنائية للوصول إلى السفاح الذي حصد قتيلتين دون أن يترك دليلا على فعلته. كان السفاح من بين المشتبه فيهم، فتم استدعاؤه، وبكل ثقة حضر تلقائيا إلى المصلحة الأمنية المعنية رفقة جده، وتم عرض صورة الضحية عليه فأنكر معرفته بها وتم رفع مستخلص من لعابه لم يستوعب الجدوى منه وأخلي سبيله في انتظار التوصل بنتيجة التحاليل المخبرية. الإفراج عن السفاح من طرف الشرطة القضائية زاده ثقة بأنه صاحب الجريمة الكاملة، وأن طريقة اغتصابه وقتله للفتيات فاقت قدرة الأبحاث الأمنية على اكتشاف جرائمه. دفعه وازعه الإجرامي إلى الاستمرار في سلسلة تصفياته للفتيات، وخلال الأيام الأولى من شهر مارس 2008 خرج كعادته ثملا بعد الغروب للبحث عن ضحية جديدة، فصادف وسط المدينة نوال (22 سنة) التي تقطن بجواره، تبادل معها التحية ودعاها إلى القيام بجولة بمحيط الحي الصناعي فوافقت على الفكرة. استقلا سيارة الأجرة الصغيرة وذهبا إلى مكان قرب مقر تعاونية الحليب، وتمكن من استدراجها إلى حديقة مظلمة، مرغما إياها على ممارسة الجنس معه، وعمد إلى هتك عرضها وافتضاض بكارتها وأنهى ليلته بخنقها، وأخذ هاتفها النقال وانصرف. الحمض النووي يفك اللغز بوادر لغز السفاح المجهول بدأت تلوح في الأفق بعد أن توصلت الشرطة القضائية بتقرير مفصل عن نتيجة التحاليل البيولوجية التي باشرها المختبر الوطني للشرطة القضائية بالدارالبيضاء، والتي همت مستخلصات الحمض النووي الذي تم تشخيصه إثر استقدام مجموعة من الأشخاص المشتبه فيهم (50 شخص) وضمنهم السفاح (ه.ر)، الحمض النووي لعينة من لعاب السفاح جاء مطابقا لعينة أخرى من لعابه رفعت من فم الضحية نزهة. أحالت الشرطة القضائية بولاية الأمن الوطني لسطات أخيرا المدعو (ه .ر) ذا الثانية والثلاثين سنة على الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بسطات بتهمة تعدد جرائم القتل مع سبق الإصرار والترصد، المسبوق بهتك العرض بالعنف والاغتصاب الناتج عنه افتضاض البكارة والسرقة مع حالة العود.