أعادت الشرطة القضائية بابن سليمان تمثيل جريمة القتل التي راح ضحيتها موظف بوكالة اتصالات المغرب بمنطقة الحي الحسني بمدينة ابن سليمان، بحضور الجاني وخليلته اللذين سبق واعترفا بتفاصيل ارتكابهما لجريمة القتل بعد نزاع مع الضحية الذي كان بدوره عائدا من ليلة صاخبة قضاها صحبة رفيقين له بالغابة المجاورة للمدينة. نزاع وإن ادعى الجاني أنه بسبب تحرش جنسي للضحية بخليلته، فإن أقارب الضحية وزملاءه في الوكالة اعتبروه سببا واهيا بحكم أنه معروف لديهم بسلوكه المتزن وأخلاقه الحميدة وأن عيبه الوحيد كان هو إدمانه على شرب الكحول. وأحالت الشرطة القضائية المدعو (الشاعر) وخليلته (فوزية)، منتصف الأسبوع المنصرم، في حالة اعتقال على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء متابعين بتهم القتل العمد مع سبق الإصرار والعلاقة الجنسية غير الشرعية والسكر. تفاصيل اعتقال الجاني وخليلته توصلت الشرطة القضائية في حدود العاشرة والنصف ليلا بخبر مفاده أن أحد الأشخاص تعرض للضرب والجرح بواسطة سكين، نقل على إثره إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي، حيث وافته المنية داخل المستشفى. انتقلت عناصر من الشرطة القضائية إلى المستشفى لمعاينة الضحية الذي تلقى طعنة قاتلة في القلب بسكين كبيرة الحجم. انطلقت أبحاث الشرطة القضائية طيلة ليلة الجريمة مع أقارب وذوي الضحية وأصدقائه، لتتوصل إلى أن الضحية كان يعاقر الخمر صحبة رفيقين له بفضاء مشروع المنتزه الرياضي بغابة ابن سليمان. حيث تم اعتقالهما. لم يفض البحث مع صديقي الضحية إلى قاتل أو قتلة الضحية، حيث تأكد أنه افترق معهما قبل مدة من تعرضه لطعنة السكين. إلا أن أحد المخبرين أخبر عناصر الشرطة القضائية باحتمال تورط أحد الشبان الملقب (بالشاعر)، والذي علموا أنه فر في نفس الليلة رفقة خليلته (فوزية) من منزله بالحي الحسني في اتجاه منطقة عين الشعرة. ليتم استنفار عناصر الأمن العمومي لدعم الشرطة القضائية وتمت محاصرة منطقة عين الشعرة بهدف اعتقال المتهمين. مرت الساعات دون تمكنهم من الاهتداء إلى مكان اختبائهما بسبب المسالك الوعرة والأعشاب والظلام الحالك. في الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي علمت الشرطة القضائية أن المتهمين تسللا من منطقة عين الشعرة محاولين الفرار إلى مركز العيون عبر الغابة، ليتم اعتقالهما واصطحابهما إلى مركز المداومة الأمنية، حيث تم الاحتفاظ بهما وهما في حالة سكر بين، إلى حين صحوتهما. اعترافات الجاني وخليلته انتظرت الشرطة القضائية طويلا قبل البحث مع المعتقلين، بسبب الكحول التي لعبت بعقليهما. وعندما استفاقا أنكرا كل صلة لهما بجريمة القتل، لكن مع تعميق البحث معهما لم يجدا بدا من الاعتراف بالمنسوب إليهما. واعترف الشاعر بأنه هو من طعن الضحية، موضحا أن الضحية الذي كان مارا بقربهما، راود خليلته وتحرش بها جنسيا، وتلفظ بكلمات جارحة في حقها، وأنه لما عاتبه على ما قام به، ضربه الضحية، وهو ما جعله يتوجه إلى منزله حيث أخذ سكينا كبيرة الحجم، وعاد إلى الضحية وهاجمه بالسكين وطعنه في الجهة اليسرى من صدره، نفس الرواية أكدتها خليلته التي حاولت في بداية الأمر تبرئة عشيقها وادعت أنها هي من قتلت الضحية. اعترافات الجاني وخليلته لقيت معارضة شديدة من طرف أسرة الضحية وبعض زملائه في العمل الذين استبعدوا فكرة أن تكون جريمة القتل، التي نفذها الشاعر بسبب خليلته فوزية بسبب التحرش، وأكدوا أن الضحية وإن كان مدمنا على شرب الكحول فإن سلوكه حسن ويستحيل أن يتحرش بأية فتاة. وبين تصريحات أسرة الضحية والمتهمين بالقتل، كانت هناك إشارات أخرى غير رسمية أكدت أن النزاع الذي دار بين الضحية والجاني بسبب هاتف نقال في ملكية الضحية حاول الجاني السطو عليه. من الحب ما قتل أنهت جريمة القتل قصة الحب التي نسجتها مشاعر وأحاسيس الشاب الشاعر وخليلته فوزية، وأغلقت بذلك كتاب العاشقين، وتركت معظم أوراقه عذراء لم يلمسها مداد الحياة. لينقل كل واحد إلى غرفة بعيدة عن غرفة الآخر. وتضيع أحلام الخليلين والتي لم تكن في مجملها صعبة التحقيق. لم يكتب لفوزية أن تضمن مستقبلا أفضل من باقي أفراد أسرتها بالجماعة القروية بئر النصر، أفقر جماعة بجهة الشاوية ورديغة، فقصة فوزية تحتاج لمن يحولها إلى عمل تلفزيوني درامي. بعد أن عرفت نشأتها اليتم والتشرد والانحراف وانتهت رفقة حبيبها في المحطة تنتظر الحكم بسجنها لسنوات طوال. فالطفلة التي فضل والداها الفقيران تسليمها وهي في ربيعها الثاني لسيدة عجوز بمدينة ابن سليمان، بهدف التكفل بتربيتها وتعليمها، شاءت الأقدار أن تعرج بها بعيدا عن كل ما تبيحه الحياة الكريمة، حيث فشلت في إتمام دراستها الابتدائية، وظلت بين مطرقة الأم (بالتبني) التي تمتهن بيع الأواني المستعملة في الأسواق الأسبوعية، وسندان الصبية المنحرفين الذين يدورون في فلكها الضيق. انحرف مسار الطفلة فوزية، وسلكت كل المسارات الممنوعة، أدمنت على شرب الكحول وكل ما جاد به عباقرة المخدرات من قرقوبي وماحيا و... لتحصل بعد سنوات البراءة على دبلوم الانحراف في أعلى درجاته. وتصبح من تجار المخدرات وباعة السجائر (بالديطاي) وهي في سن السادسة عشر. لينتهي بها المطاف بعيدا عن حاضنتها، مشردة تبحث عن ملجأ يؤويها، ولتجد بديلا لحضن الأم المستعارة، داخل منزل للدعارة تشرف عليه إحدى بائعات الهوى، التي دربتها على عملها الجديد في ممارسة الدعارة مقابل أجور زهيدة. قبل أن تلتقي عشيقها الذي أصبحت تحبه حبا خالصا، جعلها تفضل الموت أو السجن في سبيل إسعاده، ولو أنه هو الآخر ابن أسرة فقيرة حوله الإهمال و(قلة ذات اليد) إلى شاب مدمن على شرب الكحول، وظل وفيا لها يؤنسان وحدتهما بمعاقرة الخمر والمخدرات، ويعيشان على أمل مستقبل يعيشانه في فترات اللاوعي على أمل أن يتحقق جزء منه. لكن تشاء الأقدار أن يقودها حبها لحبيبها إلى ارتكاب جريمة قتل دون وعي، وتنتهي حكايتهما في سجن عكاشة في انتظار حكم محكمة الاستئناف. إعادة تمثيل جريمة القتل تحول الحي الحسني إلى تجمع بشري غير مسبوق بعد انتشار خبر قرب مجيء عناصر الشرطة القضائية إلى مكان الجريمة من أجل إعادة تمثيل جريمة القتل. الأطفال والنساء يهرولون في كل مكان يبحثون عن مكان الجريمة، وحالة استنفار كبرى من طرف السلطات المحلية والأمن الوطني، خصوصا بعد أن بلغ إلى علمهم أن أسرة الجاني ترفض تصوير ابنها وهو يعيد تمثيل جريمة القتل، وأن بعضهم هدد بالقيام بأعمال عدوانية في حالة إعادة تمثيل الجريمة، وتزامن موعد إعادة تمثيل الجريمة مع الحملات الانتخابية التي يقوم بها المرشحون للانتخابات الجماعية، مما زاد من حدة الوضع، وهو ما جعل الشرطة القضائية تنجز عملية إعادة التمثيل في وقت وجيز، وسط حراسة أمنية مشددة. فوزية التي تم إنزالها من سيارة الأمن الوطني مصفدة اليدين، ظلت تصرخ وتسب كل الذين حضروا لمشاهدة إعادة تمثيل الجريمة، وظلت وفية بنظراتها لخليلها الذي كان على بعد أمتار منها يعيد تمثيل جريمة القتل.