أدى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، أمس، صلاة الجمعة بمسجد السنة بمدينة بوعرفة. (ح م) واستهل الخطيب خطبة الجمعة بالتذكير بأن الأمة الإسلامية تحتفل اليوم بذكرى مجيدة من ذكرياتها الخالدة، ألا وهي أول محرم فاتح السنة الهجرية، الذي فتح صفحة جديدة في مسار الدعوة الإسلامية والرسالة الخالدة، التي شاءت الحكمة الإلهية أن تكون آخر اتصال بين الأرض والملأ الأعلى، وأن يكون صاحبها (صلى الله عليه وسلم) خاتم الأنبياء والمرسلين. وأوضح الخطيب أنه بعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة إلى إخلاص العبودية لله، وتنقية التصورات الإيمانية للربوبية والألوهية من كل الشوائب، وبعد معاناة الرسول الكريم من عناد وكفر وكيد كفار قريش، أمر الحق سبحانه وتعالى نبيه بالهجرة من مكة، مسقط رأسه، إلى المدينةالمنورة. وأبرز أن الرسول الكريم هاجر رفقة صاحبه أبو بكر الصديق، وليس معه مال ولا متاع، ويحمل معه فقط إيمانه وعقيدته، التي تعطي للنفس السكينة، وللروح الطمأنينة، ولم يعتره خوف ولا حزن، مصداقا لقوله تعالى: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا". وأكد الخطيب أن العبر التي يمكن استخلاصها من هذا الحدث الفيصل، أن المسلم تنتظره في حياته ومعاشه هجرات كثيرة ومتنوعة، تتمثل في هجرة الشك إلى اليقين، وهجرة الوهم إلى الحقيقة، وهجرة الكسل إلى العمل المثمر، وهجرة الخمول إلى العمل البناء، لعمارة الأرض، وبناء الحضارة، وإسعاد الإنسان، وكذا هجرة البغضاء والكراهية إلى المحبة والألفة، وهجرة الرذيلة إلى الفضيلة، وهجرة التنازع والتطاحن إلى التعاون والتكافل، وإجمالا هجرة سبل الشر إلى مسالك النجاح. وقال إنه يتعين على المسلم أن يخلد حدث الهجرة النبوية بهذه الهجرات، فيضع الموازين القسط والمكاييل العادلة يميز بها بين أسباب البناء وعوامل الهدم، وبين الشر الخفي والمعلن، وبين خير الفرد والمجتمع والأمة، لأنه بذلك سيحقق المعنى الأعم والأشمل للهجرة، كما أشار إليه النبي الكريم في قوله: "المهاجر من هجر ما حرم الله عليه". وفي الختام، ابتهل الخطيب إلى الله عز وجل، بأن ينصر أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصرا عزيزا يعز به الإسلام والمسلمين، ويجمع به كلمتهم على الحق المبين، وبأن يقر عينيه بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، ويشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد. كما تضرع إلى العلي القدير بأن يغدق سحائب مغفرته ورضوانه على فقيدي الوطن والإسلام، جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، ويكرم مثواهما، ويجعلهما في مقعد صدق مع الأبرار والمقربين في جنات النعيم.