تحتضن قاعة العروض بمركب سيدي بليوط بالدارالبيضاء، إلى غاية 27 نونبر الجاري، معرضا للفنان التشكيلي المغربي بوشعيب فلكي، تحت عنوان "نوستالجيا وضوء".الفنان التشكيلي المغربي بوشعيب فلكي(خاص) يضم المعرض، الذي ينظم برعاية النقابة المغربية للتشكيليين المهنيين وبمساعدة مقاطعة سيدي بليوط، مجموعة من الأعمال الجديدة، التي حاول فلكي من خلالها تجاوز أدواته التعبيرية، بالاشتغال على ثنائية الحنين إلى الماضي، والضوء. وقال الفنان بوشعيب فلكي إنه يحرص في كل معرض، على تجاوز ذاته، حتى لا يسقط في الاستنساخ، وأضاف في حديث إلى "المغربية" أنه اشتغل في أعماله الجديدة، على الضوء، الذي يميز الفضاء المغربي، الغني بالضوء الطبيعي، الذي يمتلك قوة وسحرا، ويجعل من المشهد الواقعي لوحة معبرة. وأبرز فلكي أن حرصه على التعامل مع البيئة المغربية، من خلال أعماله نابع من طفولته، التي عاشها في أماكن شعبية، تمثلت فيها الحومة بكل مكوناتها (الفرن التقليدي، والمسيد، والسوق، والحمام البلدي...)، مشيرا إلى أنه يمتلك خزانا وذاكرة للأماكن والوجوه والأشياء، التي يحاول إعادة إحيائها، من خلال أعمال فنية، تخرج من عالم الظلمة، الذي يستوطن الذاكرة، إلى عالم الضوء، الذي يجسد أحاسيس الفنان، التي يحركها الحنين إلى الماضي. وفي السياق نفسه، أوضح فلكي أن علاقته بالشخوص الحاضرة في لوحاته، علاقة متجددة، إذ يحاول منحها فرصة أخرى للحياة، كما يسعى إلى توثيق وحفظ الذاكرة من التلف والنسيان، فالملابس التقليدية والمشغولات اليدوية، في طريقها إلى الانقراض، لذلك فهو يعمل على إعادة منحها الاستمرارية، من خلال تخليدها في اللوحة. في معرضه، فرصة لاكتشاف عوالم فنان يحلم بواقع أفضل، فنان نجح من خلال لوحاته في إبراز المعيش اليومي لسكان المدن العتيقة، والبوادي والقصور، لهذا السبب ظل فلكي يشدد على ضرورة تجديد الروح، وتجديد المعارف بين الفينة والأخرى، من خلال زيارة القصور، والمدن التقليدية مثل فاس ومراكش، التي تعبر عن أصالة المغرب وحضارته الضاربة في القدم. في هذه العوالم تمكن فلكي من تكوين شخصيته، والتعرف على تاريخ المغرب، تعايش فلكي مع وادي درعة والقصور المحيطة به، التي أفرد لها مكانا خاصا في لوحات، تحدث من خلالها عن الأودية، وقدمها على شكل أعمال فنية لاقت الكثير من الاهتمام. إنه لا يسعى، فقط، إلى حفظ الذاكرة الجماعية، لكن إلى تقديم هوية لهذه الأماكن، إنه نوع من الهوس الفني، الذي يقدمه فلكي على شكل قصائد تنبع من اليومي بكل تعقيداته. يقول الناقد الجمالي، لحبيب لمسفر، إن "رومانسية وشاعرية فلكي، تحكي بكثير من الحنين، عن الحياة الزاهرة للزمن الماضي، الذي عاشه، منذ طفولته، فهو يتحدر من مدينة الجديدة، التي تغذى من جمالها، وزرقة سمائها وبحرها المتحولة، التي ما فتئت تقلقه وتثير فضوله. في لوحاته انعكاس بكثير من الحنين، لجمالية الأسواق والأزقة والرجال والنساء، في بهائهم، بعيدا عن أي عجائبية منبهرة بالشرق". ويضيف لمسفر في الكلمة التقديمية للمعرض، "سلك فلكي الطريق الصعب لفن الرسم بالزيت ونزواته، فعلى امتداد مساره المهني الطويل، لم يكف عن ملاحظة واقتفاء أثر الضوء، ودراسة اختلافاته الطفيفة الهاربة التي تسكنه". في المعرض، يستعرض فلكي مسارا فنيا، ينبني على الحياة، من خلال عرض صور محفورة في الذاكرة الجماعية، ما يجعل الخطاب، الذي يستعمله الفنان فلكي يتمازج مع كل ما يحيط بنا في هذا العالم، ويأخذ بعين الاعتبار أيقونة الحضارة تيمة أساسية للاشتغال، إذ من السهل أن نقرأ في مقال نقدي عن الفنان ورود هذه الأيقونة، التي تعمل كمرجعية من أجل منحنا فرصة اكتشاف "حدائق الروح" كما يسميها فلكي، التي تؤخذ غالبا من سياقها. في أعمال الفنان فلكي، تظهر لنا بجلاء استقلاليته الفنية، إذ يسيطر عليها التمازج والارتياح، بإجماع من جميع المتلقين، ما أكسبه شخصية خاصة، تمتاز بالانطباعية في كثير من الأحيان. إن أهم ما يميز لوحات فلكي، هو ذلك الاختلاف في التناول بين لوحة وأخرى، فلكل واحدة طابعها الخاص، انطلاقا من الاختلاف في الديكور، إذ لا يمكن أن نتعامل مع الديكور نفسه، في كل مرة، لأن المواضيع تختلف اختلافا كليا، وبالنسبة لفلكي، المهم هو الوصول إلى اكتشاف عمق اللوحة، وخصائصها الذاتية. الخلاصة أن المتلقي يمكن أن يكتشف بكل سهولة طابع الفنان فلكي، وطريقة أدائه بالألوان.