سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صاحبة السمو الملكي تترأس بفاس افتتاح الدورة 56 للجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية الأميرة للا سلمى تدعو إلى إنشاء صندوق للتضامن لمحاربة السرطان بشرق المتوسط
دعت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى إلى إنشاء صندوق للتضامن لمحاربة داء السرطان في منطقة شرق المتوسط، من أجل وضع وتمويل برامج وطنية للوقاية والتشخيص المبكر لهذا المرض، وتعزيز قدرات كل بلد على تخطيط البرامج، في هذا المجال، وتنفيذها وتقييمها. كما دعت صاحبة السمو الملكي الأميرة للاسلمى، في كلمة ألقتها أمس الاثنين، بفاس، في الجلسة الافتتاحية للدورة 56 للجنة الإقليمية لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية، إلى ضرورة العمل على انبثاق ميثاق نظام صحي عالمي جديد قائم على التضامن والمسؤولية، بغية اتخاذ مواقف جماعية حازمة لرفع التحديات الصحية، وتمكين الجميع من الولوج العادي للخدمات الوقائية والعلاجية. وأكدت سموها، بالمناسبة، أن محاربة داء السرطان لم تأخذ بعد مكانتها المحورية في سياساتها العمومية الصحية، بل والدولية، على غرار أوبئة حديثة الظهور حظيت باهتمام إعلامي وصحي غير مسبوق. وقالت "في هذا الصدد، وبصفتي سفيرة للنوايا الحسنة لمنظمة الصحة العالمية، أريد أن أوجه من هذا المنبر الرفيع، نداء لكل الحكومات وصناع القرار، ومن خلالهم إلى المنظومة الأممية لأقول: إن على المجتمع الدولي أن يجعل من محاربة داء السرطان، إحدى الأسبقيات الوطنية والدولية، وأن على منطقتنا أن تحمل مشعل النضال من أجل إدماج مواجهته ضمن أهداف الألفية للتنمية". وقالت سموها إن مما يزيد بعض الأمراض استفحالا، كالسيدا والإدمان، بكل أنواعه، هو أن بعض المركبات الثقافية الموروثة تتعامل معها ك "طابو" أو محرمات يتعين التكتم عليها ومن العيب التحدث عنها، مؤكدة أنه لتجاوز هذه العقليات البالية والتحرر منها، لا مناص من مواجهة هذه الأمراض بكل صراحة وجرأة وعقلانية. وأوضحت أن ذلك بالضبط هو "ما تجسده المبادرات الرائدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أيده الله. بإشرافه المولوي، على إحداث عدة مراكز لعلاج هذه الأمراض، مثل الإدمان والسيدا، والوقاية منها، وهو ما مكن المغرب من قطع أشواط بعيدة، حيث أصبح التعاطي مع هذه الأمراض أمرا عاديا، طبيا واجتماعيا وإعلاميا". وشددت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى، بهذا الصدد، على ضرورة الجهر بحقيقة ما تعانيه منطقة شرق المتوسط، وأحيانا في صمت وضعف الإمكانات، من انتشار السرطان، الذي أصبح أحد الأسباب الرئيسية للوفيات في العالم، إذ تجاوز عتبة سبعة ملايين من الضحايا سنويا، أي أكثر مما تسببه أمراض السيدا والسل والملاريا مجتمعة. وأضافت سموها أن مما يضاعف من حدة هذه المخلفات الكارثية للسرطان، كونها "ترهن المسار التنموي للعديد من بلداننا، ولاسيما منها ذات الدخل المتوسط والضعيف، خاصة في غياب محاربة فعالة للتدخين، الذي يتسبب في 30 في المائة من إصابات السرطان. بل إن الاستهلاك الفتاك للتبغ يعرف، للأسف، انتشارا مهولا بمنطقتنا، التي غدت من أكبر الأسواق ترويجا لآفته الخبيثة". وقالت الأميرة للا سلمى "لقد أتاح لي التزامي الإنساني وانخراطي في العمل الجمعوي الجاد، الوقوف الميداني على المآسي الإنسانية المفجعة لداء السرطان"، مشيرة إلى أن جمعية للا سلمي لمحاربة داء السرطان، التي تترأسها سموها، تمكنت، بفضل الدعم الموصول لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، من نهج مقاربة تشاركية متعددة الأبعاد، تقوم على التوعية والوقاية ومساعدة المرضى وأسرهم ودعم البحث العلمي والهيئة الطبية الناهضة به، فضلا عن إحداث المزيد من مراكز مكافحة السرطان بمختلف أرجاء المملكة المغربية. وأبرزت صاحبة السمو الملكي أنه بفضل تضافر الجهود الوطنية والشراكة المثمرة بين الجمعية ووزارة الصحة، وتعاون منظمة الصحة العالمية، أصبح المغرب يتوفر على مخطط وطني عشري للوقاية من السرطان ومراقبته، يروم إرساء نموذج مغربي في محاربة هذا الداء، يقوم على الحكامة الجيدة للمجال الصحي. وعبرت سموها عن استعداد الجمعية لوضع الخبرة، التي راكمتها في هذا المجال، رهن إشارة جميع الهيآت ذات الاختصاص في بلدان المنطقة، مناشدة وزيرات ووزراء الصحة في هذه المنطقة، وكذا منظمة الصحة العالمية، تقديم الدعم اللازم لدولها ليتمكن كل بلد من التوفر على مخططه الوطني الخاص في هذا المجال. من جهة أخرى، أبرزت صاحبة السمو الملكي أن اجتماع فاس يكتسي أهمية خاصة، بالنظر للمواضيع المدرجة في جدول أعماله، التي تشمل مختلف القضايا الصحية الأساسية، التي تحتل مكان الصدارة في الانشغالات العالمية، وتشكل جوهر التنمية البشرية، ولاسيما بمنطقة شرق المتوسط. وأكدت سموها أن نجاعة معالجة هذه القضايا رهينة باعتماد مقاربة جديدة، وخطة عمل مقدامة وفعالة ترتكز على أربعة محاور أساسية، أولها تعميق التضامن واعتماد مختلف أنواع الشراكة بين دول المنطقة وبين فعالياتها الجمعوية، مبرزة أن "مواجهة المعضلات الصحية تظل رهينة بانتهاج التعاون والانفتاح على بعضنا البعض، في تكامل يمنحنا قوة في التعامل مع الآخر، وإن في معاناة بلداننا من الإشكالات الصحية نفسها، وتقاسمها لنفس القيم الدينية والاجتماعية والحضارية، لخير ضمان للنجاح". وأضافت سموها أن المحور الثاني يتمثل في التركيز على دعم البحث العلمي مع إعطاء الأولوية لبرامج تقوية أنظمة الاستشعار المبكر للأوبئة، واستباق انعكاساتها، في حين يتمثل المحور الثالث في وجوب اعتماد التخطيط الاستراتيجي الوطني لمواجهة شتى التحديات، ذات الطابع الشمولي، التي تهدد الأمن الصحي للأجيال الحاضرة والمقبلة، بسبب الأمراض المنقولة والأوبئة الفتاكة والكوارث الطبيعية والتغيرات البيئية والنزاعات المسلحة والأزمات الاقتصادية، موضحة أن الإنسانية في أمس الحاجة اليوم إلى صحوة أعمق، يستشعر فيها كل ضمير حي أن صحة الأم والطفل هي الضحية الأولى لهذه الأوضاع الصعبة. وأبرزت سموها أن المحور الرابع يتمثل في ضرورة إيلاء عناية قوية لأمراض ومعضلات لا تحظى ومصابوها بالاهتمام نفسه المخصص لبعض الأمراض الشائعة على الصعيد الإقليمي، معربة عن أسفها لما تعرفه المنطقة من ارتفاع مهول في عدد ضحايا حوادث السير، بمآسيها الإنسانية وخسائرها المادية، علاوة على تزايد الإصابات بالتهاب الكبد الفيروسي "بي" و "سي"، وغيرها من الأوبئة الفتاكة. من جانب آخر، جددت صاحبة السمو الملكي تأكيد دعمها الكامل لأعمال المكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية، مشيدة بما تقدمه المديرة العامة للمنظمة، مارغريت تشان، من خدمات جليلة للقضايا الصحية العالمية، خاصة في الدول النامية، وكذا بالجهود الخيرة التي بذلها كل من عبد الكريم يحيى راصع، رئيس الاجتماع الخامس والخمسين، والدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري، المدير الإقليمي للمنظمة، من أجل النهوض بالشؤون الصحية، في شموليتها، بمنطقة شرق المتوسط. وعبرت صاحبة السمو الملكي الأميرة للا سلمى عن ارتياحها لتطابق وجهات النظر بخصوص أهمية اجتماع فاس، سواء من حيث ظرفيته الدقيقة وقضاياه الحيوية، أو من حيث المنتظر منه، لبلورة إجابات ملموسة، لا سيما أن هذا الاجتماع المهم، يأتي في ظرفية دولية، مشحونة بالانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية والمالية العالمية على الأوضاع الاجتماعية، والصحية منها بالخصوص، وكذا بخطر انتشار فيروس أنفلوانزا "إيه إتش1 إن1"، وما يتطلبه من مجهودات وطنية ودولية لمواجهته. وقالت إن من تداعيات هذه الأزمة، بروز تحول نوعي متميز بعولمة الأمن الصحي، وإفراز "وعي متزايد بوجاهة ما فتئنا ندعو إليه في جهتنا، وعلى مستوى بلدان الجنوب، من ضرورة العمل على انبثاق نظام صحي عالمي جديد، نظام منصف، يقوم على التضامن والمسؤولية، بغية اتخاذ مواقف جماعية وحازمة لرفع التحديات الصحية، وتمكين الجميع من الولوج العادل للخدمات الوقائية والعلاجية"، لتخلص سموها إلى أن إيلاء الأسبقية للصحة لم يعد مجرد شعار، بل هو حق أساسي من حقوق الإنسان، يجب صيانته على اعتبار أن الصحة نعمة إلهية، وأفضل شكر للخالق سبحانه عليها هو الحفاظ عليها. وتحتضن مدينة فاس، ابتداء من أمس الاثنين، إلى الثامن من أكتوبر الجاري، أشغال الدورة 56 للجنة الإقليمية لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية.