تجد الحكومة السويدية نفسها في موقف حرج، بعد نشر مقال في صحيفة سويدية يندد بتصرفات الجيش الإسرائيلي، وبات عليها أن تختار بين الرضوخ للضغوط الدبلوماسية التي تحثها على إدانة هذا المقال، وبين تمسكها برفض هذه الإدانة، دفاعا عن قدسية حرية التعبير.فلسطينيون يشيعون شهيدا بسبب غارة إسرائيلية جديدة (أ ف ب) وأفاد استطلاع للرأي نشر الأربعاء الماضي، أن غالبية كبيرة من السويديين تعارض قيام الحكومة أو جريدة افتونبلاديت، التي نشرت المقال، بتقديم اعتذار إلى إسرائيل. وكانت هذه الصحيفة نشرت تحقيقا في السابع عشر من غشت الحالي يتهم من دون أدلة الجيش الإسرائيلي بتغطية تجارة أعضاء يجري انتزاعها من جثث فلسطينيين. وأفاد استطلاع للرأي نشره موقع صحيفة سفينسكا داغبلاديت على الأنترنت وشارك فيه أكثر من 24 ألف شخص، منذ الأحد الماضي، أن 65 في المائة من السويديين يعارضون تقديم اعتذارات لإسرائيل. ومع أن وزير الخارجية السويدي، كارل بيلت، يمكن أن يقوم بزيارة قريبة إلى إسرائيل، فإن الحكومة السويدية ما تزال ترفض إدانة نشر هذا التحقيق كما تطالب إسرائيل. والسبب، حسب الحكومة السويدية، هو التالي: أن الصحافة الحرة هي أحد أعمدة الديمقراطية السويدية، إذ يعود إقرار أول قانون حول حرية التعبير إلى العام 1766 . وقال رئيس الحكومة السويدية، فريدريك رينفيلت، الأحد الماضي، في تصريح صحفي "من المهم بالنسبة إلي أن أقول إنه لا يمكن التوجه إلى الحكومة السويدية والطلب منها بأن تخرق الدستور السويدي". والإدانة الرسمية الوحيدة، التي صدرت من السويد جاءت على لسان السفيرة السويدية في تل أبيب. ومما قالته السفيرة، إليزابيت بورسين بونييه، في بيان سحب من على موقع السفارة بعد ساعات على نشره "لا نستطيع إلا أن نعارض هذا المقال، الذي يصدم ويجعل السويديين والإسرائيليين على حد سواء يشعرون بالتقزز". وفي الوقت نفسه، كانت الحكومة السويدية اختارت عدم تغطية بيان السفارة السويدية في إسرائيل، وقالت إن "السفارة في تل أبيب أصدرت رد فعل أخذ بالاعتبار الرأي العام المحلي". وكانت السفارة السويدية في المملكة العربية السعودية قدمت اعتذارات رسمية في سبتمبر2007 إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، بعد نشر صور كاريكاتورية للنبي محمد صل الله عليه وسلم في صحيفة سويدية. وطلب النائب السويدي الاشتراكي الديمقراطي، أوربان أهلين، الذي يعتبر هذه المسالة "فضيحة دبلوماسية صغيرة بين السويد وإسرائيل"، مثول بيلت أمام البرلمان ليشرح تعليق السفيرة في إسرائيل "لأنه لا يحق للحكومة أن تعلق على ما يجب وما لا يجب نشره". وعلى بيلت أيضا أن يوضح ماهية التعليمات المعطاة إلى السفارات حول كيفية التصرف في حالة وجود جدل له علاقة بحرية التعبير في السويد، وإذا كان جرى التقيد بهذه التعليمات في هذه الحادثة. إلا أن مثول بيلت أمام البرلمان لن يجري قبل الربيع المقبل، ولن يكون له تأثير على الحكومة. وقررت وزارة الخارجية السويدية عدم الإدلاء بأي تعليق له علاقة بهذه المسألة.وأمام هذا المأزق السياسي، يحاول البعض نقل الملف إلى المستوى القضائي. وتلقى وزير العدل، غوران لامبرتز، الثلاثاء الماضي، شكويين تطلبان منه الرد على السؤال التالي: "هل يعتبر مقال صحيفة افتونبلاديت استفزازا عنصريا وخرقا لقانون حرية التعبير؟". ولامبرتز هو الشخص الوحيد في السويد القادر على فتح تحقيق قضائي له علاقة بحرية التعبير. إلا أنه من المستبعد جدا أن يفصل في هذه القضية قريبا. في هذا الوقت، تواصل وسائل الإعلام انتقاد التحقيق الذي نشر، إلا أنها في الوقت نفسه تدافع بقوة عن الحق في نشره. ونشرت صحيفة سفينسكا داغبلاديت ترجمة مقال صدر في صحيفة هآرتس الإسرائيلية وجهت خلاله أسئلة إلى ست صحف سويدية لمعرفة ما إذا كانت ستوافق على نشر هذا التحقيق على صفحاتها. وجاءت الإجابة بعدم الموافقة على النشر من قبل خمس صحف من أصل ست، إلا أن هذه الصحف شددت في الوقت نفسه على حق صحيفة افتونبلاديت الأكثر توزيعا في السويد في نشره.