كان والد أحمد بوعدي، الملقب ب"كسكوس" ( حمل هذا الاسم بسبب حبه للكسكس السوسي) لا ينفك عن توبيخ ابنه وضربه ضربا مبرحا للتخلي عن لعب كرة القدم خشية ضياع مستقبله، لانشغاله بها بشكل مفرط، في مقابل تهاونه في التحصيل الدراسيكسكوس إلا أن "كسكوس" كان يعيش آنذاك (في طفولته) حبا كبيرا لهذه الرياضة، فلم تؤثر عليه تلك العقوبات التي يفرضها عليه والده الذي كان شديد الاهتمام به، خاصة وأن "كسكوس" كان يتيم الأم (توفيت وهو لم يتعد السنة). الوالد كان يرى أن "كسكوس" قادر على مجابهة متاعب الحياة ببلوغ مكانة اجتماعية مشرفة، اعتمادا على الدراسة والمعرفة، ولأن "كسكوس" كان يوقن بأن الكرة شيء يستحق العناء، حاول أن يرضي والده بأن الدراسة لا تقل شأنا عنده، ولكن للكرة أيضا حضور قوي في حياته. بالطبع كان "كسكوس" الذي ازداد سنة 1946 ب"ديور الكرم" بالمحمدية، يدرك أنه من آليات التفوق في المسار الكروي، أن يكون اللاعب على قدر من المعرفة العلمية، حتى يتيسر له استيعاب تقنيات اللعب، إلى جانب الكفاءات البدنية التي يتمتع بها كل لاعب على حدة، فكان هذا الاقتناع مهما في حياة "كسكوس" الذي تعلم القرآن في بداياته، حيث يذكر أن والده كان دؤوبا على إيصاله بنفسه للكتاب القرآني قائلا للفقيه "أنت قتل وأنا ندفن"، تعبيرا منه على ضرورة تعلم "كسكوس" للقرآن الكريم، وأنه لا مجال للتخاذل في هذا الجانب. انكب "كسكوس" على التحصيل المعرفي، بموازاة ممارسته للكرة في الأحياء، كما كان معروفا في تلك الآونة، وتمكن من الحصول على شهادة البكالوريا سنة 1966، ليشتغل في وزارة الشباب والرياضة بمدينة فاس، حيث كان مسؤولوه في العمل يسمحون له بالاشتغال ثلاث أيام في الأسبوع ثم الانتقال إلى المحمدية للمشاركة في مباريات كرة القدم ضمن فريق شباب المحمدية، ليعود بصفة نهائية إلى المحمدية مسقط رأسه، حيث درس أيضا التسيير والمحاسبة، وهي شهادة أهلته للعمل في شركة "لاسامير". "شراسة كسكوس" ويذكر "كسكوس"، بصفته حارسا للمرمى آنذاك، كيف أنه في بعض المراحل التي قضاها بمجال كرة القدم، لم يكن الحراس يستعينون بقفاز اليد للتصدي إليها ومنعها من دخول شباكهم خلال المباريات، ولأن اللاعبون كانوا يتمتعون بقدرات بدنية عالية، كانت ضرباتهم الكروية جد سريعة وقوية، ويمكن التخيل أثر ذلك على يدي حارس المرمى، يقول "كسكوس"، وهو يفخر بنفسه حينما كان ينقض على الكرة بقفزة رياضية مثيرة للانبهار والإعجاب. برهن "كسكوس" وهو ضمن فئات الفتيان سنة 1960 عن كفاءة كروية ( كان لا يخشى الكرة، لكنه يرفض دخولها إلى شباكه)، ساعدته على أن ينتقل إلى القسم الأول لشباب المحمدية، حيث كان يراقبه المدرب مولاي الطاهر، الذي اكتشفه وقدمه على أنه لاعب مؤهل لا بد له من الارتقاء إلى الفريق الأول، ليعزز هذا الرأي المدرب الخميري الذي قال عنه "كسكوس" إن ثقته فيه كانت راسخة، لكنه لم يكن يريد أن يخيب ظن مدربيه الذين آمنا بإمكانيات "كسكوس" الرياضية"، ومنحاه فرصة للبروز بشكل أكبر في مجال الكرة. مثلما أعجب مدرباه بطريقة لعب "كسكوس" وهو يواجه الكرة ب"شراسة" في محاولة منعها من اقتحام شباكه، كان "كسكوس" معجبا باهتمامهما به، ومولعا بكرة القدم بوصفها الموهبة التي داوم على تطويرها بدءا من ملاعب الأحياء إلى ملاعب الفرق الكروية، بحيث يحكي "كسكوس" أن أرضيات الملاعب لم تكن معززة بالعشب، وكان من الشاق على اللاعبين السقوط عليها في حالة اصطدامهم ببعض، غير أن حب الكرة كان أقوى من أن يعبأ "كسكوس" بتأثيرات أرضية الملاعب، لهذا فكثيرا ما أصيب بتوعكات وجروح وهو يقفز في الهواء للتصدي للكرة، خاصة عندما ينتزعها من أحد اللاعبين، فيلجأ إلى وضع ضمادات على جروحه، ثم المشاركة في المباريات الموالية كأن شيئا لم يقع، يحكي "كسكوس"، بأن كان يفضل التظاهر بأنه سليم معافى حتى في أوج معاناته الصحية، ليتأتى له البقاء ضمن عناصر فريقه واقتسامها أجواء الحماس الكروي في كل لقاء يجمعها بأحد الفرق. ثقة في المؤهلات كما يستحضر "كسكوس" كيف أن ملابسهم الرياضية كانت بسيطة على نحو لا يقاوم طبيعة الملاعب غير المهيأة بالعشب، حيث كان "صباط حسن" ( كناية عن صاحبه الذي كان يصنع هذا النوع من الأحذية في درب السلطان) من الأحذية الأكثر استعمالا من قبل اللاعبين حينئذ، وثمنه كان حوالي 15 درهما، ومع ذلك كان موقع كرة القدم في حياة اللاعبين يتجاوز حدود هذه الإمكانيات المتواضعة، باعتبارها حاجة نفسية وبدنية، يقول "كسكوس". كان "كسكوس"، وهو يثق في مؤهلاته، يكرس نفسه للكرة بشكل كبير، ولأن حراسة المرمى تتطلب دقة في التركيز على حركات اللاعبين وتحركاتهم في ميدان الملعب، كان يحث خطاه على تجنب قدر الإمكان اقتحام الكرة لشباكه، فكانت لياقة بدنه تساعده على ذلك. ولا يزال يتذكر "كسكوس" كيف أن المدرب الخميري أشرف على ضمه إلى القسم الأول لشباب المحمدية، ليشارك في أول مقابلة كانت بين المحمدية والكوكب المراكشي انتهت بالتعادل صفر لمثله، وكان هذا اللقاء المناسبة التي جعلت من "كسكوس" حارسا كرويا يعتمد عليه في المباريات القوية. في الحلقة الموالية، سيلعب "كسكوس" كحارس مرمى ضمن شباب المحمدية لمدة عشر سنوات، ثم ينتقل إلى نادي الجمارك لمدة سنتين وبعدها سيلتحق بالرجاء البيضاوي مدة 4 سنوات، ليغادر المغرب في اتجاه فرنسا، وبعد بقائه هناك سنتين، سيعود حاملا معه سجلا حافلة بالخبرات الكروية، ليشتغل كمدرب حوالي 28 سنة، إلا أن البطالة ستقض مضجعه في وقت يوقن أنه لا يزال يملك طاقات تحتاجها هذه الأجيال.