كان "كسكوس"، في الفترة التي يبحث فيها عن النجومية في كرة القدم، يتحمس للمشاركة في مباريات القسم الأول،وحينما سنحت له الفرصة بذلك في لقاء جمع شباب المحمدية بالجيش الملكي، لم يتقبل هزيمة المحمدية ب 4 مقابل لا شيء، فلجأ إلى الدارالبيضاء لينسى هذا الحدث بعدما لم يستسغ أن تكون بداياته على هذا المنوال، في وقت كان يحس أنه قادر على الدفع بعناصر الفريق إلى النصر، حسب حكي "كسكوس". ولأن مدرب الفريق كان يعلم جيدا أن "كسكوس" له من المهارات ما يكفي لدعم قوة فريق شباب المحمدية، لم يتردد في البحث عنه واستدعائه للمنتخب الوطني للشبان، وهي الانطلاقة التي استأنف فيها "كسكوس" ثقته بذاته. ومجددا عقد "كسكوس" العزم على أن يكون حارس مرمى يعتد به، فلم يكن يعيش حياة العمل فحسب، بل كان يوفق بينها وبين كرة القدم، لهذا فكر قبل أن يسافر إلى فرنسا سنة 1967 أنه لا بأس من تجميد عمله لمدة سنتين للاحتراف أكثر في الكرة، وحسبما يحكي "كسكوس" فقد حمل اسم لاعب جزائري طيلة وجوده بفرنسا، لأنه لم يكن ليسمح له باللعب هناك وهو لا يزال منخرطا بفريق شباب المحمدية. واشتاق "كسكوس"، وفق وصفه، أثناء لعبه في فرنسا، للمغرب، الذي قال عنه إنه موطنه الأول وفيه تشبع بالروح الرياضية، وغيابه عنه جعله يدرك أن حب الكرة مرتبط أيضا ببقائه في ربوع بلده. الكرة .. حب يتضاعف في سنة 1972 التحق "كسكوس" بنادي الجمارك بعد عودته من فرنسا، ورغم تركه فريق شباب المحمدية فقد كان شغفه بالكرة قويا، يتضاعف في كل مرة يمارسها على أرضية إحدى الملاعب، ومع ذلك في هذه المرحلة كان يبدو أكثر فخرا بنفسه مما كان عليه وهو بفرنسا، عندما كان يلعب بعيدا عن أصدقائه، لهذا اختار من تلقاء نفسه الرجوع إلى بلده، ولو أراد الاستمرار هناك لأمكنه، يقول "كسكوس"، غير أن إيمانه بأن مستقبله الكروي موجود بالمغرب شجعه على أن يواصل تداريبه بحزم، والإعداد للمباريات وفق ما يحافظ على مكانته كحارس متألق. ربح نادي الجمارك بطولة 1971، فأقنع هذا الإنجاز "كسكوس" على أن طريق النجاح في الكرة لا يتوقف عند هذا الحد، بل هو مجرد إشارة إلى ما ينتظره طويل وشاق، فوجد في الانتقال إلى فريق الرجاء بعد نادي الجمارك، إشارة تؤكد قيمته كحارس متفوق، فبهذه الدرجة من الثقة يستعيد ذكرياته وما يعد سعادة لدى الآخرين يتحول لديه إلى حسرة إثر انقلاب وضعه بشكل لا يقبله (أصبح مدربا عاطلا عن العمل). وفي سنة 1978 سلم "كسكوس" المشعل، حسب لغته، إلى مخلص في الرجاء، ليدخل عالم التدريب بقيادة "تاسكوف" (مدرب بلغاري)، حيث اجتهد في ميدان التدريب ودرب فرقا من الهواة، بدءا من القسم الوطني الثالث إلى القسم الوطني الأول، فكما يذكر درب فريق القوة المساعدة (شباب المسيرة)، وقاد فريق لاسامير من القسم الوطني الرابع إلى القسم الثالث، إلى جانب فريق الاتحاد البيضاوي وحسنية أكادير وشباب خنيفرة وغيرها. للكرة أخلاقياتها كان "كسكوس" يفتح لمخيلته آفاقا على أن درايته الكبيرة بتقنيات وآليات التدريب ستجعل منه مدربا مرموقا يهتم به الجميع، ويقدر عطاءاته المعرفية والبدنية في مجال كرة القدم، مادامت تجربته طويلة وجديرة بأن تتخذ نهجا يعمل به، ف10 سنوات كحارس في شباب المحمدية، وسنتان في نادي الجمارك، و4 سنوات في الرجاء البيضاوي، وسنتان بفرنسا، كلها محطات مهمة في حياة "كسكوس" حتى أهلته إلى أن يكون مدربا تتربى على يديه الأجيال الصاعدة، غير أن حظه، كما يحكي لم يكن يوازي حجم مؤهلاته، ليشعر بالضيق إزاء الواقع الذي ألغى قيمته كحارس سابق ومدرب احترافي، لأن قيمة المرء في عطائه، وهو لم يبخل بشيء، لكنه لم يلق اهتماما خاصا يثمن مجهوداته، ويلبي رغبته في أن يواصل تدريب الفرق، اعتمادا على برامج مدروسة ومهيكلة، يحكي "كسكوس". فتجربة 18 سنة في حراسة شباك المرمى، إضافة إلى 28 سنة في ميدان التدريب، لم تأخذ بعين الاعتبار من قبل المسيرين، كما يقول "كسكوس" وهو ما يشعره بالفوضى والحيرة. فعندما كان "كسكوس" حارس مرمى متفوقا يمضي أيامه في التداريب والمشاركة في المباريات المختلفة، كان مشهورا على نحو أوسع، ويتلقى في كل مرة تشجيعات واهتمام المسيرين، وقد ساعدته تلك الفترة على الإحساس بمعنى الشهرة والتألق، وحينما أصبح مدربا حاول أن يكون أهلا لهذه المهمة، ونجح في ذلك يقول "كسكوس". ويلقي "كسكوس" اللوم على ضيق أفق المسيرين، الذين لا يعبأون بالخبرات المغربية في مجال الكرة، وكم يؤلمه حاله، وهو الذي أخذ التقاعد النسبي للتفرغ للكرة، وأمل تلقين الأجيال مهارات خاصة يراوده، ليجد نفسه مدربا عاطلا عن العمل، بعد أن قضى 28 سنة في التدريب، معززا بشهادات متعددة تؤكد أهليته للتدريب ( شهادة فيشي، وشهادة الدولة في تدريب كرة القدم..). ورغم أن "كسكوس" متضايق من وضعه كمدرب عاطل، لا يزال قادرا على العطاء بشكل أكبر، فإنه يلح على أن لكرة القدم حرمتها، ولا بد من احترام خصوصياتها، وأنه من المعيب التفريط في مدربين أكفاء واستدعاء الأجانب، حيث يملك "كسكوس" خططا وبرامج دقيقة عن كيفية التدريب البدني والتقني، أشرف على إعدادها بنفسه، إيمانا منه أن كرة الكرة هي موهبة وثقافة، من لم يستوعبها هوت به إلى الحضيض قدمه، وبالتالي من الضروري تتبع اللاعبين لتجاوز أخطاء عاشها المدربون في وقت سابق، من خلال اعتماد سجل رياضي يتضمن ورقة التدريب وورقة المشاركة في المقابلات الرسمية، وورقة المتابعة البدنية والتقنية والنفسية لكل لاعب على حدة، ووضع تقرير نهائي يدون عدد الأهداف المسجلة، وإلى ما ذلك. ويذكر "كسكوس" أن حاجته إلى أن يستأنف التدريب وفق ما تمليه عليه مؤهلاته ومستواه الرياضي، لا يمنعه من التأكيد أن وضعه النفسي مشوش بسبب البطالة التي يعيشها، في مقابل إيقانه أن كرة القدم حاجة نفسية سيظل يدافع عن تقنياتها بما يساعد على تأطير وتكوين جيل يحترم أخلاقياتها.