لم يكن حلم التألق في كرة القدم بعيدا غاية البعد عن عزيز الكانا، فتجربته داخل الأحياء الشعبية، وهو يمارس الكرة بمعية رفاقه، كانت مؤشرا على أن الطريق، وإن كان صعبا، حتما سيسلكه عزيز بتفان، بحيث أعلن مع نفسه أن كرة القدم تتطلب من لاعبها معرفة متينة حتى يتقنها على نحو يخلق منه لاعبا محترفا.الوداد مع فريق فلامينكو في لقاء ودي سنة 1983 بنتيجة هدفين لمثلهما وكانت حلقة الوصل بين الكانا والكرة هي أن معظم الأطفال في سنه آنذاك كانوا مهووسين بلعب الكرة، لهذا ما كان ليختلف عنهم مادام ترعرع في واقع كروي. ازداد الكانا سنة 1959 بدرب السلطان في الدارالبيضاء، درس في معهد الأميرة عائشة، وثانوية 2 مارس، ومحمد الخامس، كانت كرة القدم شغله الشاغل، رغم أن والده كان يجدها مضيعة للوقت وسببا لانحراف الأطفال والشباب، إنما بصرف النظر عن الفكرة السيئة هذه، التي اعتقدها والده، استطاع الكانا أن يتجاهل بنوع من الاحترام متابعات والده، الذي لم يكف يوما عن تحذيره من أن الكرة ستكلفه خسارة مستقبله. ولا يفسر الكانا اعتراضه على رغبة والده في إقلاعه عن كرة القدم إلا بحبه لها الذي لا ينتزع، وكان دعمه، أن أبناء حيه المدمنين على لعبها، كانوا يعيشون الظروف نفسها، كما أن الكانا لا يجد متعة في الحياة دون ممارسة الكرة، أما التخاذل عنها فلم يكن يعرفه، وإن كان والده يصر عليه بتركها، يقول الكانا. الكرة ملهمته فإن كان شخص كالكانا، وهو طفل ألهمته الكرة وشدته إلى أن يجوب الشوارع والأزقة لمشاركة أقرانه اللعب، فالمستقبل كان يعني له الاحتراف فيها، وإصراره على ذلك كان يكبر حينما يسمع أن هناك نواد كروية إن دخلها طفل موهوب بالكرة كان الاحتراف والشهرة حليفيه، ولكن بالتأكيد كان يعي أن النجومية لا تنبثق عن الانخراط في النادي فحسب، بل تستدعي خاصيات عديدة، أهمها اللياقة البدنية، وهذا مطلب متاح لدى الكانا، فكما يذكر كان يلعب بفريق "قطع ولد عايشة"، واستطاع أن يبلي البلاء الحسن في الكرة، على نحو يثير إعجاب رفاقه، بل حتى خصومه، فكان ذلك بالنسبة إليه مدعاة فخر وضرورة للمثابرة. وحين بلغ الكانا أن بعض أبناء حيه سيقصدون نادي الوداد، كان من السباقين، لأن طالما انتظر هذه الفرصة، وبمهاراته وسنه الذي لا يتعدى 11 سنة، أمكنه أن يُختار من بين عدد كبير من الأطفال آنذاك، حيث أحس أثناء لحظات التداريب المخصصة لانتقاء اللاعبين، أنه قادر على اجتياز الاختبار بجدارة، وأن الكرة لن تخذله، مادام لم يخذلها حينما كان يمارسها لساعات طوال في الشارع وفي منأى عن رضى والده، هكذا يحكي الكانا بنوع من الدعابة. تحمل الكانا توبيخات والده بسبب انشغاله بالكرة بدل الدراسة، وحان له الوقت كي يحقق إنجازا يحجب عنه تلك التعتيمات التي عاشها، يقول الكانا على نحو يعكس أنه كان دائما مطمئنا لقراراته التي لم يخطئها، حيث لا يمكن للمرء أن يجمع بين أمرين دون أن تكون بينهما مناصفة، وإن كانت الكرة تستغرق جل أوقاته، فإن النتيجة المرضية شفعت له في هذا الإدمان الكروي (كسب ثقة مدربيه وتقديرهم لكفاءاته الرياضية). يحكي الكانا أنه لعب لمدة سنتين ضمن فريق الصغار، تحت إشراف المدرب الشاكي، وسنتين ضمن فريق الفتيان بقيادة المدرب كبّور وعبد الله الزهر، كما انتقل إلى فريق الشبان ليلعب معه لمدة سنتين بإشراف من مصطفى بيدرو والعوفي، وكانت هذه المراحل التي قضاها في التداريب تجدد فيه الأمل أنه سيصير لاعبا معروفا له جمهور لا يتردد في حضور مبارياته مع فريقه. تنويه المدربين استبشر الكانا خيرا بكلام المدرب العوفي، الذي كان في كل لقاء يؤكد أن مستقبله الكروي سيكون زاهرا، يحظى بحب جمهور الوداد البيضاوي، ويعتز هذا الأخير بوجوده ضمنه، هكذا كان يقول المدرب. عندما يتمتع اللاعب بلياقة بدنية جيدة، ويتقن كيفية اللعب بإيقاع سريع، إلى جانب التشجيعات المستمرة للمدربين لهذا اللاعب، فلا شك أنه سيظفر بالنجاح في ميدان الكرة، يذكر الكانا هذا بنبرة مرحة، على نحو يعكس إعجابه بماضيه الكروي وارتياحه لحاضره. كانت التنويهات التي يتلقاها الكانا من مدربيه ذات مغزى عميق، فكان يعتز بذلك، إنما كان حرصه شديدا على أن يصون ذاك الصدى الطيب الذي خلفه في نفوس مدربيه، ولأن الفوز في الكرة ليس حتميا، كان يبذل قصارى جهوده للظهور بشكل أفضل في اللقاءات، وإن كان كلفه ذلك الخروج بإصابات وتوعكات في مختلف أطراف جسمه، لأن شعاره كما يقول "التضحية دائما من أجل كرة القدم". ويذكر الكانا أنه في سنة 1979 انضم إلى فريق الكبار، إلى جانب كل من اللاعب الخلفي والبطاش، وكان اللعب مع هذين اللاعبين الذين ما فتئ ينوه بجدارتهما في اللعب، يعد شرفا كبيرا بحكم قوتهما الرياضية داخل الملاعب، ففي هذه المرحلة بالذات ترسخت ثقته بنفسه، فمشاركة جملة من اللاعبين "العمالقة" اللعب في مباريات كروية من مستوى عال، لا يدع مجالا للتهاون، خاصة إذا كان المسيرون من "العيار الثقيل"، حسب لغة الكانا، مثل عبد الرزاق مكوار وأحمد الحاج، الملقب ب"شراوطو"، فإن الحماس يفرض وجوده على اللاعب، ليطور مهاراته إرضاء لحبه الكروي، وكذا جمهوره المشجع. في الحلقة الموالية سيواصل الكانا اللعب ضمن فريق الوداد البيضاوي، الذي مثل له المدرسة الأولى والأخيرة، والذي انضم إليه بعد جهد وكد، كما سيعيش الكانا طرائف أثناء المباريات، بسبب ما اشتهر به من قوة بدينة كثيرا ما وقع اللاعبون الخصوم ضحية له، غير أن الكانا حرص دائما على احترام أخلاقيات الكرة وسط الملعب.