كان عباس جبار يعرف كيف يحول بساطة حياته إلى متعة وطمأنينة، بعد أن فقد والده وهو ما بزال في بطن أمه، ليفقد هذه الأخيرة أيضا وعمره 11 سنةفريق الوداد ضد مولودية وجدة انتصرت الوداد ب 2 مقابل لم يعان عباس خيبة الأمل نفسها التي يعانيها الأطفال إثر وفاة والديهم، بل كان إحساسه مفعما بالتحدي، تحد إكراهات حياة لم تستأذنه حتى أخذت والديه في منأى عنه دون رجعة، ليصبح عباس أكثر تعودا على تحديد مصيره بنفسه تطلع جامح خفي كان يساعده على تجاوز المحن، وشيء في دواخله كان يشير إليه بأن حياته ستكون مقرونة بكرة القدم، هكذا فكر عباس. لم يتمكن الضجر يوما من عباس، وهو يسعى إلى تحقيق كل جميل في حياته، حياته التي أحس بمعناها حين لامس لأول مرة كرة القدم، وهو يتعلم وسط الأحياء كيفية التحكم فيها والمراوغة، بدت له هذه الرياضة سهلة، والمواظبة والتركيز يكفيان لأن يتقن أبجدياتها، ومنذ الوقت الذي ولج عباس، المزداد سنة 1945، المدرسة التهب حماسه كي يبدع في الكرة على نحو يخلق منه بطلا كرويا. أن يكون المرء مميزا معناه أن يكون وجوده مؤسسا على نجاح ما، ويتعين عليه أن يكون دائما مستعدا لصياغة مضمون قوي لحياته، مضمون قابل للتغيير نحو الأحسن للدفع بالمرء إلى التفوق، هذا ما آمن به عباس دائما، فكان متحليا بالبساطة، إلى جانب اتسامه بالخجل، فظلت هذه الصفة لا تتبدل فيه، رغم الشهرة التي حظي بها في عالم كرة القدم. تحد صائب كان يثير عباس أن يستغرق وقته في لعب كرة القدم مع رفاقه، وعندما أصبح لاعبا معروفا لم يكن يثيره أن يتعالى على نفسه أو الآخرين، كانت الصداقة تعني له الكثير، فكما يحكي، إذا افتقر في مرحلة مبكرة إلى أقرب الناس إلي (والديه)، عليه إذا أن يعوض هذا الخصاص في توطيد علاقاته بالآخرين، وكم كان محط احترام وتقدير، لحسن سلوكه وسيرته، كما يذكر أحد معارفه. ويحكي عباس أن والدته استقرت بوجدة قادمة إليها من الجزائر، وسن عباس ستة أشهر، لتنتقل إلى الدارالبيضاء سنة 1950، وبهذه المدينة درس عباس المرحلة الابتدائية بدرب بوشنتوف، كما درس بحي عين السبع، كما استطاع ولوج مدرسة للفلاحة، حيث اجتهد في تقنيات وخصائص الفلاحة بشكل كبير، لأن حبه للكرة لم يمنعه من أن يستمر في الدراسة ويكون متفوقا. كانت الكرة تمنحه سرورا عظيما وهو يمارسها، لأنه رأى فيها هواية شيّقة، ولم يكن انشغاله بالدراسة يعني فرصة ضائعة في مجال الكرة، لأن سنه كان لا يزال في بداياته، وبإمكانه البرهنة عن مؤهلاته الكروية متى أتيحت له الظروف كي يلتحق بأحد الفرق، ويحكي عباس أن رفيقا له اقترح عليه الانضمام إلى فريق "الطاس"، غير أن إعجاب عباس بفريق الوداد لم يكن ليندثر بسهولة، لهذا فضل الالتحاق بنادي الوداد وعمره 19 سنة. عندما يتمتع المرء بالموهبة في نشاط ما لا يخشى الفشل فيه، لأنه نابع من قدرات ذاتية ومعززة بالثقة في النفس، يقول عباس، لهذا حينما اجتازا اختبارا لاختياره ضمن فريق الوداد، لاحظ أن أغلب الشباب كان يتفادى اللعب في الجناح الأيسر، وهنا مكمن التحدي لدى عباس، الذي اختاره بقناعة وسجل 8 أهداف في مقابلة الاختبار، كما شارك في مقابلة ثانية وسجل هدفين، ما أثار انتباه وإعجاب بلخير، رئيس قسم الفتيان، ليطلب منه جلب وثيقة عقد الازدياد للتسجيل وتأكيد انخراطه. جزائري باسم مغربي لم يكن النادي يعلم أن عباس جزائري الجنسية، بالطبع كان أسلوبه في اللعب وإتقانه للضربات والمراوغة وسط الميدان يحجب البحث في مثل هذه الأمور، لهذا بمجرد ما طلب منه إحضار عقد الازدياد تذرع بأن المسافة الجغرافية بين الدارالبيضاءووجدة بعيدة، حتى يسافر من أجل هذه الوثيقة، ومن حسن حظه حينئذ أذعن المسؤولون في النادي لهذا المبرر، ليعوض اسمه الحقيقي باسم "محمد أجاك"، فاكتفى هو بتسليم صوره لدعم ملف تسجيله بالنادي. ثمة صفات طيبة كان يتحلى بها عباس، ولجوؤه إلى اختلاق هذا العذر لم يكن خطيئة، لأن تعلقه بالكرة وحبه لفريق الوداد شفعه له في ذلك، كما كانت لياقته البدنية، كافية كي يكون من الأوائل المختارين ضمن الفريق. ويحكي عباس أن عبد الرحمان بلمحجوب، مدرب الوداد، جاء مرة إلى ملعب الوداد، حيث كان يلعب عباس مع الفتيان في مباراة ضد سطات، انتصرت فيها الوداد ب 5 مقابل هدف، حيث أمكن عباس في هذه المباراة تسجيل 3 أهداف جعلت حضوره بارزا ومثيرا، لينادي عليه بلمحجوب من فرط إعجابه به، قصد استدعائه للتدرب في ملعب فيليب، وعندما قبل عباس الدعوة وشارك في التداريب، لاحظ أن هناك جمهورا غفيرا يتفرج بإمعان ويتابع التداريب بتدقيق، فأجج المشهد خجل عباس ليتراجع عن فكرة معاودة التدريب في الملعب، إلا أن لاعبا مؤهلا بدنيا ونفسيا كعباس، لم يكن من السهل الاستغناء عنه. في الحلقة الموالية سيلح عبد الرحمان بلمحجوب على تدريب عباس بنفسه وبعيدا عن الجمهور لتحفيزه على اللعب مع الكبار،وحينما كان لابد له من المشاركة في كأس العالم اتصل بالنتيفي، رئيس الجامعة، لإخباره بأنه يحمل جنسية جزائرية ولا يمكن اللعب ضد الجزائر، وفي هذه الأثناء ظل تألق عباس حاضرا في كل المباريات إلى أن تغير مدرب الوداد، ليعيش إكراهات رغما عن انضباطه المشهود له.