أصبح الشارع المغربي متعودا على رؤيتهم أمام قبة البرلمان وعلى طول شارع محمد الخامس وباب الأحد يحملون صناديقهم عل أحدا من المحسنين يتكرم عليهم بما يستطيعون به توفير ضروريات العيش، إنهم مجموعة من المكفوفين المعطلين الذين تجاوز عددهم ,260 ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية لا تختلف كثيرا بينهم، منهم من عانى مع العطالة ثمان سنوات، مرت في النضال دون أن يكلف أحدا من المسؤولين نفسه ليستمع إلى مطالبهم. فكيف يعيش الشخص الفاقد للبصر والعاطل عن العمل؟ التجديد التقت بعض هؤلاء المكفوفين المعطلين في مقر سكناهم، وعاينت أوضاعهم الاجتماعية عن قرب. إجازة رغم التحديات أوراغ ينحدر من ضواحي مدينة تازة، ولد مكفوفا ومن أسرة ضعيفة إذ كان الأب يعمل في بيع الحطب، عانى كثيرا في طفولته من فقدان البصر وقلة حيلة والده، نمى ذكاءه بالسمع فقط، في غياب الرموز والألوان التي يقول عنها العلماء أهم أسباب ذكاء الأطفال. التحق في سن الثالثة عشرة بالمنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بتازة، وهناك عاش أحلك أيام حياته كما قال، وقد سماها عذاب السجن بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقمل وأوساخ، وجوع، وأن الكثير منهم كان يبيت جائعا، لكن لم يكن من خيار أمامه لأنه الحل الوحيد له في الدراسة وفي الأمل في تغيير الواقع عند الكبر، ذلك الحلم الذي كان حافزه الوحيد في الصبر على كل شيء، ثم التحق بمدينة وجدة، حيث بدأت أوضاعه المعيشية تتحسن شيئا ما، درس هناك الإعدادي إلى أن حصل على شهادة الباكالوريا. كانت معاناته مع التنقل وقلة الحيلة صعبة جدا خاصة أن المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين لم تكن توفر لهم سوى السكن والأكل، أما ما يلزمه من أدوات النظافة، والتنقل والدراسة، فقد كان يوفره بصعوبة، خاصة أن والده لم يكن يستطيع توفير أزيد من 100 درهم كل ثلاثة أشهر، يسخرها محمد في مصاريف التنقل. ومعاناته من كثرة المشاكل التي عاشها، مشاكل في النقل، في توفير المصروف اليومي، إضافة إلى غياب مراجع وكتب بطريقة برايل مما كان يصعب عليه الأمر إذ يضطر كباقي أقرانه المكفوفين دائما للبحث عن شخص يكتب له، أو تسجيل المواد الدراسية، التي تضيف إلى هم الطالب الفقير هم توفير أدوات التسجيل. رغم كل تلك التحديات فقد تمكن محمد من الحصول على الإجازة سنة 2004 لينضم بدوره إلى زملائه المكفوفين المعطلين. عطف مجاني ولم يكن محمد الكادي أفضل حالا، إذ ولد بدوره مكفوفا من عائلة فقيرة من نواحي آسفي حيث يمتهن والده العمل الفلاحي، عاش وسط إخوته الستة، على عطف كبير كما سماه العطف المجاني، ودرس في الكتاب، وبدأت قصة دخوله المدرسة حينما حضر مناقشة أحد الأشخاص مع الفقيه في الكتاب، حول حرب الخليج، فأقحم نفسه في المناقشة، سأله على إثرها الرجل حول دراسته فلما أخبره أنه يدرس في الكتاب تكلف بإلحاقه إلى المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بآسفي، كان عمره آنذاك 14 سنة، درس ست سنوات الابتدائي في أربع سنوات نظرا لتفوقه الدراسي، بعد ذلك انتقل إلى السلك الإعدادي بمدينة مراكش، لعدم وجوده في آسفي، كانت الحياة الدراسية قاسية جدا حسب الكادي نظرا لغياب المقررات الدراسية الخاصة بالمكفوفين، والبحث المتواصل عن أناس يساعدونه في كتابة الدروس، كما لم يخف تأثره من إكراه اختيار الشعبة الدراسية التي يريد، على اعتبار أن الشعب العلمية ليست متاحة للمكفوفين رغم حب البعض منهم لها. وفي سنة 2003 عاد إلى آسفي من أجل ولوج الجامعة نظرا لصعوبة الظروف الاجتماعية وتكاليف العيش بمراكش، وحصل على الإجازة سنة ,2006 كان يحلم بإكمال الدراسة لكن قسوة العيش، وعدم تلقيه لأي مساعدات تحفيزية جعله يؤجل الحلم من أجل البحث عن مورد مالي يمكنه من العيش، والتحق للنضال من أجل الخبز منذ شتنبر ,2006 وهي نفس الفترة التي التحق فيها عبد الكبير الوافد أيضا من مدينة آسفي، بعد حصوله على الإجازة، سنة ,2006 لكبير أحد الذين كان الفقر أهم سبب في عماه، إذ ولد طبيعيا ولم يبدأ بفقدان بصره إلا عندما بلغ السنة الخامسة من عمره، جاب به والده المستشفيات، غير أن فقر الأسرة لم يكن يسمح له بإجراء العملية الجراحية التي نصحه بها الأطباء، وفي غياب أي مساعدة من أي جهة بقي الحال كما هو عليه إلى أن انظم إلى قافلة المكفوفين، والتحق بعد ذلك بالمدرسة العلوية لرعاية المكفوفين من أجل إكمال دراسته، ولم يكن حاله أفضل من حال الكثيرين من المكفوفين مثله، في البحث الدائم عن مساعد من أجل نقل المواد الدراسية، لدرجة أنه كرر سنة دراسية بسبب استعانته بشخص لم يكن يعرف كيف يخط له الجدول على ورقة الامتحان، ليضيع بذلك تعب سنة بأكملها بسبب خطأ لا ذنب له فيه. شعارات زائفة تحطم حلم العيش الكريم عند هؤلاء المكفوفين المعطلين حين اصطدم بالواقع ووقف على حقيقة الشعارات الزائفة التي تتغنى برعاية المكفوفين، ليجدوا أنفسهم يعاملون أسوأ معاملة مع زملائهم في النضال أمام قبة البرلمان. وليجد محمد أوراغ عينه تضرب بعصا قوات التدخل السريع انقطع على إثرها عن النضال لعدة أشهر، وليفقد أمام وحشية التدخل التي لا تفرق بين المكفوفين والأشخاص المبصرين، توأمين جراء إجهاض زوجته التي كانت ترافقه في النضال، والتي أرعبها التدخل العنيف ضد المكفوفين خلال شهر ماي .2007 يتحسر أوراغ والكادي ولكبير وغيرهم كثير من المكفوفين على وضعية فقدانهم للبصر التي لا تمكنهم إلا من أعمال محدودة جدا ولا يستطيعون القيام بأي عمل عضلي أو يتطلب الحركة الكثيرة، مما جعلهم يتجرعون واقعا مريرا اختلطت فيه المعاناة بانتظار من يجود عليهم، وهذا الأمر أصعب بكثير من واقع البطالة وفقدان البصر. خاصة أن المورد الحالي الوحيد بالنسبة لهم هو تلك الصناديق المتنقلة ومعاونات بعض المحسنين التي لا ترقى إلى توفير حاجياتهم الضرورية. وأمام هذا الواقع المرير يتساءلون عن أي دور تقوم به المنظمات المعنية بالمكفوفين وكتابة الدولة المكلفة بالأشخاص المعاقين ووزارة التنمية الاجتماعية، من أجل رعايتهم وتوفير العيش الكريم لهم، خاصة أنهم كما يقولون لم يلقوا من معظم المسؤولين غير وسائل القمع والشتم، في غياب أي تعامل إنساني يرعى حاجياتهم الخاصة.