لم يكن عبد الكبير رُوشيد، الملقب ب"الدهصيص"، يعلم بالطبع أن الرجل الذي قاده إلى بيت أحد "الأشخاص" سيغير حياته، بالتأكيد، كان يشك شكا غامضا بأن هناك أمرا مدبرا، لكنه لم يكن يدري أن من ائتمنه جاء به إلى بيت هذا الشخص ليجعله يعيش الموت البطيء والمؤلم إلى اليومكما لم يعلم أن الرجل كان يضمر له شرا إلى هذا الحد، فما كان في وسعه أثناء زيارة ذاك الشخص إلا أن يستجيب وبحركة دهشة لم تكن تعبر عن إدانة بقدر ما عبرت عن فضول ورضوخ للأمر، كما لو أن القدر شاء له أن يحكم عليه مسبقا بأن يكون ضحية، وهذا ما لم يستسغه "الدهصيص"، في ما بعد، لتكبر معاناته النفسية والجسدية. كان يشعر "الدهصيص" لحظة طلب منه تمرير "وعاء" على صدره أن الأمر لن يعدو أن يكون مجرد "تراهة" لا وقع لها، إلا أنه مع ذلك لم يكن يستطيع أن يفعل شيئا والرجل الذي أخذه إلى هذا الشخص "المشعوذ" يلح عليه بشرب كأس الشاي ووضع الإناء على صدره للحظات، لقد ردد حينها في نفسه مرارا أنه ليس خائفا من وضع أشبه بمسرحية فاشلة، بيد أن الأمر كان أقوى منه، كان عاجزا عن التركيز في حيثيات المشهد الذي كان فيه، وكان يذعن لأوامر ذلك "الرجل" و"المشعوذ" بدافع الفضول، كما يحكي "الدهصيص". لم يدرك "الدهصيص" أن "الرجل" الذي أوهمه بوده وتعلقه بشخصيته الرياضية سيحدث في حياته هزة عنيفة، لأنه لم يكن يعرف هوية وحقيقة ذلك الشخص "المشعوذ"، ولو أنه كان يوقن بحتمية النتيجة السلبية لتلك الزيارة لربما انسحب وقتها رغم تحايل صديقه "الرجل" عليه. كان يرغب في أن يقول لهما إن سلوكهما كان بلا جدوى وهما يحاولان إقناعه بأن تمرير إناء على صدره من شأنه أن يقوي شخصيته، وكان يحس داخله بكبرياء الرجل الذي لا يستسلم لأفكار مشوهة، كان بلا ريب قادرا على أن ينسحب من الشقة حيث هما، إلا أنه لم يفعل ذلك، ويندم اليوم على بقائه داخلها، فكما يحكي أحس أنه كما لو كان خائر القوى، فسدّ عجزه عليه طريق الفرار. "الدهصيص" والكرة.. علاقة قديمة كان "الدهصيص"، الذي ولد سنة 1943 بالدار البيضاء، ودرس المرحلة الابتدائية بشارع الفداء، ليلج مركز التكوين المهني، تخصص "حدادة"، (كان) يثق في استعداده الذهني، لأن التكوين المعرفي كان يهمه كثيرا، بقدر ما تهمه كرة القدم، بحيث بعد حصوله على شهادة في التكوين المهني سنة 1962، تابع دراسته واجتاز امتحانا آخر للتخصص في "تكنولوجية وتقنيات وتصميم البناء". قبل ذلك كان "الدهصيص" شغوفا على نحو جنوني بكرة القدم، فكغيره من أبناء جيله تعلم أبجديات الكرة في الأحياء والملاعب التي تحتضنها، وكان اعتاد دون شك على فكرة أن حياته لن تكون جميلة بدون ممارسة كرة القدم، لأن هذه الأخيرة كانت تصور له أن المرء عليه أن يبدع في شيء يشهد على تاريخه الشخصي، وكانت هذه الفكرة توقظ فيه الحماس للاجتهاد في الدراسة وكرة القدم. كان "الدهصيص" يجهد نفسه بلعب كرة القدم وهو في سن الثانية عشر، فقد رأى في قدراته الفزيولوجية برهانا يثبت له أن الانخراط في أحد النوادي هو ما يحتاجه، لهذا توجه ذات مرة إلى نادي الوداد بمعية رفاقه، حيث استطاع التسجيل في النادي والبرهنة على إمكانياته الرياضية ولياقته البدنية. وحسب ما يحكي "الدهصيص" فإن انبهاره بكرة القدم جعله لا يكف عن التداريب وتطوير مؤهلاته الكروية، حيث كان يشعر بالرضى المطلق عن نفسه، وعندما كان يطأ أرضية الملعب كان صدره ينشرح، حتى إن طريقة لعبه للكرة أثارت انتباه مدرب يوغوسلافي كان يدرب الفريق الأول للوداد، الذي دخل إلى الملعب لحظة كان "الدهصيص" يجري بعض التداريب، واقترح عليه أنه في حالة مواصلته لتمرير الكرة على ذاك النحو (كان "الدهصيص" رشيق البنية وكانت ضرباته للكرة سريعة وقوية تفلت من خصومه في اللعب) سيكون من بين الأوائل الذين سيعول عليهم المدرب، بحيث أطلع "الدهصيص" وهو ضمن فئات الفتيان (16 سنة) حينها على رغبته في انضمامه إلى فئات الكبار متجاوزا فئات الشبان. وكما يذكر "الدهصيص" فإن المدرب لمس فيه أنه لاعب متميز بأدائه الكروي الفريد. ومنذ اللحظة التي وقع فيها اختيار المدرب اليوغسلافي على "الدهصيص" وهذا الأخير يحاول أن يكون عند حسن ظنه، كان كل شيء يبدو له بعد هذا الاختيار الذي شرفه، كأنه يشير إلى مستقبله مع كرة القدم سيكون زاهرا، فكان حتى هذه الفترة يزاول كرة القدم بشكل يبهر كل المتفرجين والمشجعين له، وكان المدرب يفخر بذلك، لأنه كان يراه مختلفا عن باقي اللاعبين، فكانت تعجبه تلك العلاقة بين "الدهصيص" وكرة القدم، التي قال إنها عنها علاقة "متينة" تنبني على تأقلم قديم بينهما. ويذكر "الدهصيص" أن مرارته لم تكن لتهدأ منذ وقوعه ضحية احتيال من قبل "رجل" اعتقده صديقا، و"مشعوذ" لم يستوعب غرضه إلى الآن، وكانت هذه الحادثة موضوعا شاقا للتحدث عنه بالنسبة إلى "الدهصيص"، إذ أن استحضار كواليس ما ألم به وهو في أوج عطائه الكروي يسبب له ألما حارقا، ومع ذلك ظل حب كرة القدم وفريق الوداد خالدا لا تطمره معاناته الجسدية والنفسية المستمرة. في الحلقة الموالية، سيبين "الدهصيص" عن مهارات كروية عالية ضمن فريقه الوحيد الوداد، غير أن تعرضه للنصب والاحتيال من قبل مشعوذ سيجعله يقلع عن الكرة في وقت مبكر، في مقابل جهله لهذا اللغز الذي أقعده عن ممارسة الكرة، وتسبب في تكبده معاناة نفسية وصحية خطيرة، بلغت حد تمزيقه لكل صوره لإلغاء ماضيه الكوري.