تعيش مدينة مراكش، ولمدة ثمانية أيام على إيقاع فنون الحكي، في أول مهرجان دولي لفن الحكي"موسم الحكايات"، حيت استطاعت المدينة الحمراء، التي ظلت وفية لشهادة ميلاد ساحة جامع الفنا التاريخية كتراث شفهي لامادي للإنسانية، أن تجمع 40 حكواتيا من كل بقاع العالم. لينطلق اللسان الأعجمي، بالعربي، والامازيغي، في توليفة، قد تتكرر في المهرجانات المقبلة لفن القول. انطلقت فعاليات هذه التظاهرة الثقافية المتعددة اللغات، المنظمة بدعم من عدة شركاء، من بينهم سفارة المملكة المتحدة، وجمعية اتحاد الحكواتيين للإبداع الثقافي وفن الحكاية بمراكش، وجمعية منية مراكش لاحياء تراث المغرب، بتقديم عرض جماعي، جمع كافة الحكواتيين المشاركين، اكتشف من خلالها الجمهور حكايات وأساطير جرى سردها على لسان "شيوخ الكلام" المغاربة والأجانب من كلا الجنسين، بارعون في استقطاب اهتمام السامعين ويمتلكون ناصية اللغة، مع ربط الصلة بالجمهور، بكل براعة وسهولة. كثيرة هي الحكايات التي شدت إليها انتباه الحاضرين والمولعين بهمس الكلام وصحبه. فبين حكاية وأخرى تنهض حكايات الشيوخ والشباب لتلهب حماسة الجمهور الذي استجاب لكل الإجراءات الاحترازية التي فرضهتا جائحة كوفيد 19 من حكاية التاريخ إلى غيرها من أجناس مختلفة من إبداع القول، قال الحكواتي الشاب زهير الخزناوي مدير المهرجان إن عالم الحكي يختلف عن عوالم الصورة والكتابة، وأضاف في حديثه ل"الصحراء المغربية" أنه قد تشدك حكاية، وتجعل لها بداية ونهاية وعناصر التشويق، قد تحكيها محتفظا بأصلها الأولي وقد تزيد فيها بعض الرموز والدلالات، خصوصا حينما تريد أن تبعث بالرسائل، مبرزا أن الحكواتي يحفظ عن ظهر قلب نصوصا وحكايات قديمة لكنه يحاول أن يطبعها بأسلوبه الخاص، وإدارة جيدة لفعل الإلقاء. وأوضح الخزناوي أن هذا الحدث الثقافي يهدف إلى الترويج للسياحة الثقافية في مدينة مراكش، وجعلها وجهة ثقافية بامتياز، مشيرا إلى أن هذه التظاهرة ستتخللها جلسات في فن الحكي بلغات مختلفة تتواصل لأسبوع، وتتأسس على تقليد الحكي ذي التاريخ التليد بالمدينة الحمراء. وأضاف أن أهم ما يميز هذا المهرجان هو تنظيم كرنفال يتكون من رواة القصص انطلاقا من المدينة العتيقة لمراكش في اتجاه ساحة جامع الفنا التاريخية لإعادة الاعتبار لفن الحكاية الذي يصنف في خانة الثقافة الشفهية والشعبية، وللحكواتيين الذين ما فتئوا يكافحون من أجل الحفاظ على هذا التراث اللامادي، وضمان استمراريته، والتأكيد على أن الحكايات بمثابة الروح من جسم جامع الفنا. وأشار إلى أن هذا الكرنفال يهدف إلى نشر رسالة قوية مفادها أن رواة القصص وفن الحكاية لا يزالون حاضرين بقوة في ساحة جامع الفنا وفي المشهد الثقافي والفني المحلي ، في حين أن وباء كوفيد -19 الذي فرض إيقاف العروض في الساحة العالمية مجرد قوس قصير في تاريخ هذا المكان الرمزي. جلسات الحكي بفضاءات تاريخية خلال هذه التظاهرة الثقافية والفنية، تم تخصيص فضاءات شهيرة بالمدينة، على غرار ساحة جامع الفنا ودار بلارج ومقر جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، والمقاهي الأدبية والرياضات التاريخية وجامعة القاضي عياض والمركب الإداري والثقافي محمد السادس، لتقديم حلقات الحكي من طرف حكواتيين يمثلون أكثر من 12دولة، حيث شكلت جلسات الحكي مناسبة للجمهور للاستمتاع ومتابعة حكايات متنوعة، وكذا للالتقاء بحكواتيين يتميزون بأساليب مختلفة، واكتشاف عدد من طرق الحكي، التي تمثل مختلف البلدان والحضارات. جمهور مدينة مراكش وضيوفها، عاشوا لحظات من التشويق خلال متابعتهم لأحداث الحكايات، والأساطير، وقصص البطولات والخوارق التي روجها الرحالون والمغامرون والمستكشفون بعد عودتهم من رحلاتهم في أقاصي بقاع الدنيا في كل الأزمان. وتتضمن الحكايات التي روج لها الرحالة والمغامرون، أحداثا تاريخية، كما تتضمن أحداثا مبتدعة ومتخيلة ومقاطع لشخصيات خارقة وعجيبة، الخاصة بكل بلد، بالإضافة إلى القصص التي تتعلق بالحياة اليومية وتجارب الناس وتعكس اهتماماتهم. عبد الرحيم الأزلية ومحمد باريز وإيمي دوغلاس وماريا كريدالي ودايف تونغ وكولين أوروين ومصطفى الحنش، من ضمن المشاركين الذين نذروا حياتهم لهذا الجنس الفني الذي يصنف في خانة الثقافة الشفهية والشعبية، والذين ما فتئوا يكافحون من أجل الحفاظ على هذا التراث اللامادي، وضمان استمراريته. في حديثه ل"الصحراء المغربية"، أكد الحكواتي عبد الرحيم الأزلية المشرف على مادة تلقين فنون الحكاية بمدرسة الحكي، التي أحدتها جمعية منية ، أن هذا المهرجان يقام في مدينة ذات تقليد قديم في الحكايات عمرها ألف سنة، لأنها مدينة تشتهر بالنكتة وفن الحكايات والفنون الشعبية ، مشيرا إلى أن هذا النوع الفني يجتذب الآن جيلا جديدا من الشباب رواة القصص الذين فازوا بجوائز من مؤسسات التعليم العالي، بعد اخضاعهم للتكوين وتلقينهم لقواعد هذا الفن من شيوخ الحكاية رواة القصص في ساحة جامع فنا. وأوضح عبد الرحيم الأزلية أن هذا الجيل الجديد من رواة القصص قادر على بث حياة جديدة في هذا النوع الفني وبالتالي ضمان استدامته، مؤكدا أن الحكايات تعاد صياغتها كلما انتقلت من لغة لأخرى ومن مجال ثقافي لآخر ومن شعب لآخر، وفي كل مرة يتم تطعيمها بعناصر دلالية ورمزية مستوحاة من الأرضية الثقافية للحكواتيين والمتلقين. جيل جديد من الحكواتيين الشباب حرص المنظمون، من خلال هذا المهرجان، على إعطاء الكلمة للجيل الجديد من الحكواتيين، "الطموح" و"الذكي"، والذي يعي بأن هناك ضرورة لتجديد هذا الفن العريق، المهدد بالانقراض، عبر اللجوء إلى التكنولوجيات الجديدة للإعلام من أجل نشره، خاصة في هذه الفترة المطبوعة بأزمة صحية عالمية. ويعتبر المهرجان الدولي "موسم الحكايات" مبادرا في التحفيز على ممارسة الحكي والرواية الشفهية بالنسبة لفئات جديدة من مكتشفي فن الحكي، الذين برهنوا عن براعة وكفاءة عالية في فن الحكي والتواصل، كما ساهم بدوره الكبير في بروز جيل جديد من الرواة الشباب من كلا الجنسين. وتشكل هذه التظاهرة الثقافية المتعددة اللغات، فرصة للتبادل الثقافي وتقاسم الخبرات بين الحكاة، وتعريف المشاركين بالثقافة المغربية، إضافة إلى الترويج للمدينة الحمراء كوجهة سياحية لهذا الفن، وفتح المجال للمرأة في فن الحكاية، والقضاء على الصور النمطية بين الثقافات ونشر قيم التسامح والسلام، وتعزيز السياحة الثقافية في مراكش. وأشاد الحكواتي البريطاني الشهير، جون راو، بمبادرة إحداث مقهى مخصص لرواية القصص "وورلد ستوري تيلينغ كافي" الواقعة قرب مدرسة بن يوسف التاريخية بالمدينة العتيقة لمراكش، أسستها البريطانية لوسي أندرسنوود الأخصائية في العلاج النفسي، والذي سيكون نقطة جذب كبيرة للسياح إلى المدينة الحمراء ، مبرزا أن المقهى ستكون له ميزة نقل العروض مباشرة عبر الانترنت، إلى مختلف أرجاء المعمور، كما سيقوم ببث مباشر للعروض التي ستقدم خلال أيام أخرى. واعتبر الحكواتي البريطاني راو أن مكانة فن الحكي في عالم اليوم ما تزال موجودة، على الرغم من التوسع الرقمي، مبرزا أن الحكاية تحظى بشعبية كبيرة، وما يزال الناس يهتمون بهذا النوع الفني العريق. جامع الفنا وسلطان الانبهار تعتبر الحكايات بمثابة الروح من جسم جامع الفنا، التي لاتستأتر باهتمام الكتاب والباحتين في مسرح الحكواتي والممثلين والشخصيات المهتمة بعالم الثقافة فحسب، بل أيضا باهتمام مهندسي التمدن والعمران، في محاولاتهم الرامية إلى انجاز مدن حضرية مشابهة شيئا ما لها في المعمور، والحقيقة أن هذا التراث إن هو إلا بنية ناطقة عن عالم ملحمي بأصالته المستمدة من الأسلاف. وتتداول الثقافة الشعبية، على الخصوص، بطريقة شفوية في دوائر الحلقة، هذا الكرسي المنفرد الذي يمكن زوار ساحة جامع الفنا التاريخية من تلقي بدائع الأخبار الخاصة بسير الأنبياء ومناقب الأولياء وعبر حكايات وقصص ألف ليلة وليلة، والتعابير الهزلية الساخرة والملحمات وذكرى منطق الطير. مدرسة الحكي تعزز المشهد الثقافي والفني بمدينة مراكش بإحداث مدرسة لفنون الحكي ومسرح الحكواتي، تعنى بتكوين جيل جديد من الرواة والقصاصين والحكواتيين، وذلك بمبادرة من جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، للاحتفاء بالموروث الثقافي اللامادي وخاصة الشفهي منه. ويشرف الراوي الحكواتي عبد الرحيم الأزلية على مادة تلقين فنون الحكاية، وتم فتح المجال مفتوحا للتداريب الحكائية باللغة العربية والدارجة والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية، عبر دروس تقام مجانا بمقر جمعية منية بمراكش، لتكوين الشباب ذكورا وإناثا، من داخل المدينة وخارجها في فن الحكاية الشعبية. وأكد جعفر الكنسوسي رئيس جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، أن أهم ماترتب عن تأسيس مدرسة الحكي، هو إشراف الشاب الحكواتي زهير الخزناوي أحد تلامذة هذه المدرسة على إدارة المهرجان الدولي لفن الحكي في دورته الأولى بمراكش. وأضاف الكنسوسي أن مهرجان مراكش الدولي لفن الحكي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لمدينة مراكش، مشيرا إلى أن المدينة الحمراء وساحتها التاريخية تصبوان إلى استقطاب، طيلة السنة، حكواتيين من مختلف البلدان، وهو ما من شأنه أن يساهم في جعل هذه الساحة فضاء عالميا، وملتقى لتلاقح الثقافات. وأشار إلى أن مراكش تعيش أزمنة ممتازة من الناحية التاريخية لأن مدينة مراكش داخل السور تعرف تدخلات كبرى لإعادة الاعتبار لتراتها بما فيها ساحة جامع الفنا القلب النابض للمدينة الحمراء، خصوصا أن الإدارات المختصة تعمل جاهدة لترميم وإصلاح المدينة العتيقة وساحتها في إطار المشروع الملكي "حاضرة مراكش المتجددة"، مبرزا أن روح ساحة جامع الفنا هي الحكاية والحلقة. من جانبها، أكدت الحكواتية الشابة حجيبة المقوري خريجة مدرسة الحكي بمراكش، أن مشاركتها في هذا المهرجان كان بفضل أصدقائها الذين قرروا تنظيم مهرجان للحكاية بمراكش، المشهورة بالحكايات التي يجري سردها على لسان شيوخ الكلام بساحة جامع الفنا التاريخية التي تم تصنيفها كتراث شفوي لامادي للإنسانية. وقالت نجلة الحكواتي عبد الرحيم الأزلية، إن دخولها إلى عالم الحكاية كان في سن 10 سنوات وكانت الفتاة الوحيدة التي تمارس الحكاية، مؤكدة أنها اكتسبت تجربة كبيرة في هذا الفن بعد لقائها بحكواتيات من دول مختلفة وبفضل التشجيع الذي لقيته من طرف أصدقائها وصديقاتها الحكواتيين.