يودع العالم سنة 2021 السنة الثانية من «زمن كورونا» على إيقاع الاحتجاجات، والسبب هذا الكوفيد، الذي غير وجه وإيقاع العالم، ومثلما لم تسلم البلدان من انتشار الوباء لم تسلم من تبعاته. ويبدو أن وحدة الصف التي طبعت البلدان، وفي مقدمتها بلدنا مردها الخوف في المقام الأول، إذ عادت الخلافات والمشاكسات لتطبع حياتنا اليومية، بعد أن فعلت الأخبار الزائفة المروجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فعلتها في نشر «فتنة كوفيد» في أوساط الشعوب وتفريقها شيعا. ابتدأت القصة بالتشكيك في كوفيد 19 إلى أن تأكد المشككون من وجوده بعد تعرضهم أو تعرض أشخاص قريبين منهم للإصابة، وبعد ذلك أتى الدور على التلقيح، حيث هناك تحرش بالناس لتخويفهم من اللقاح، الذي بذلت الدول وفي مقدمتها المغرب جهودا جبارة للحصول على حصتها، رغم الأنانية التي أبدتها أوروبا في مرحلة سابقة لاحتكار اللقاحات التي تصنع في القارة العجوز. لم تقع حرب اللقاحات لحسن حظ العالم بسبب توفرها في جهات أخرى من الأرض، وولوج بلدان أخرى من ضمنها المغرب إلى تصنيع اللقاح المضاد لكوفيد 19 وهو إنجاز سارت بذكره الركبان ويحق لنا أن نفخر به. لكن لا يمكن إنكار وجود فئة من المعارضين، التي عرقلت الوصول إلى المناعة الجماعية وتأثيرها على الإيقاع ما أدى إلى توسيع قاعدة الأشخاص المفروض خضوعهم للتلقيح. وتقاطعت مع الحملات المناهضة للتلقيح معارك جواز التلقيح أو الجواز الصحي، إذ تناقلت وسائل الإعلام أخبار مشاركة الآلاف يوم الأحد الماضي في بروكسيل، في مسيرة احتجاجية ضد فرض «جواز كوفيد»، ونجم عن ذلك صدامات واعتقالات و... كما شهدت بريطانيا احتقانا بسبب تمرد نواب محافظين قبل إقرار تدابير احتواء «أوميكرون». ولم يكن المغرب بمعزل عن العالم فالممتنعون عن التلقيح والمحرضون موجودون وقد تجدهم في البيت الواحد، ولما كان من الضروري حماية الملقحين عبر سن الجواز حصلت خلافات حول التسمية هل هو «جواز التلقيح» أم «جواز صحي». انطلاقا من أول أمس الاثنين عادت فتنة كورونا لتسيطر على الأجواء وسرقت الأضواء من ظهور أول حالة للإصابة بمتحور «أوميكرون»، بسبب منع غير الملقحين من الولوج إلى المحاكم، سواء تعلق الأمر بالمحامين أو المتقاضين، فتضامن المحامون مع زملائهم ما أدى إلى شل المحاكم، وتعطيل القضايا. الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن العالم ينبغي أن يتحد ضد الوباء، الذي يبدو أنه سيعمر بيننا طويلا، طالما أن الخلاف حول مكافحته يجتاح البيت والبلد الواحد فما بالك بالنسبة للعالم. لن نبحث عن كائنات أخرى للتحكيم بين بني البشر، لكن الحقيقة التي لا خلاف حولها هو أننا إن لم نقض على «كوفيد 19» قد يقضي علينا طالما أن من بيننا متنطعين يرفضون كل شيء من أجل مزاعم الحرية. لم يخرج العالم من زمن كورونا، لكن يبدو أن الإنسان استعار ذاكرة الأسماك وأطلق العنان لنفسه وصار الكثيرون مقبلين على حياة ما قبل كورونا متناسين ما مر منه العالم في بداية تفشي وباء فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19». فقبل حوالي عامين كان سكان العالم يضعون أيديهم على قلوبهم، خوفا على أنفسهم وذويهم وبلدانهم جراء انتشار الفيروس، الذي سجل ضربات لافتة في صفوف سكان العالم، وأودى بحياة الكثيرين. كان الخيار الوحيد هو الالتزام بالشروط الاحترازية، والحجر الصحي، ولم ينبس أحد بكلمة، لأن الخوف كان سيد الموقف، وأيضا لأن الوباء كان غريبا على بني البشر. مع توالي الأسابيع والشهور جرى رفع الحجر مع التشديد على أهمية الالتزام بالحفاظ على الشروط الاحترازية، لكن المثير والمؤسف أن القنوط فعل فعلته وصار التهور الذي يعد التراخي أهم تجلياته سيد الموقف. توالت موجات الإصابة بالوباء والنداءات المذكرة بالخطر المحذق، وتوالت أيضا السلالات المتحورة للفيروس، لكن استئناس الناس بالعودة إلى حياتهم قبل زمن كورونا ظل سيد الموقف، وعدم رغبتهم في التضحية بها هو الذي يقف وراء «فتنة كورونا»، التي تظهر وتختفي وتهدد بطول أمد هذا «الكوفيد» وسلالاته.