ذكرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في بلاغ لها بالمناسبة، بأن هذه الانتفاضة جاءت تعبيرا من الشعب المغربي عن الروح النضالية وقيم التضامن ومشاعر التآزر التي تحلى بها وتمسك بها أبناؤه في مواجهة الاحتلال الأجنبي، وحرصهم الأكيد على الذود عن وحدة الأوطان وعزتها، والوفاء للمثل والمبادئ والمقومات التي تشكل الوجدان المغاربي الواحد والموحد منذ الأزل وإلى الأبد. وأكدت أن الشعب المغربي، وهو يخلد هذه الذكرى الغالية، فإنه يستحضر الآمال التي ظلت الشعوب المغاربية تتطلع إليها منذ عدة عقود بتحقيق الوحدة والتكامل، والتي ظلت مجرد مشروع يتأجل باستمرار جراء نزاعات هامشية مفتعلة ومواقف مزاجية وأطماع وهمية لفرض الهيمنة والتوسع في منطقة المغرب العربي الكبير. وأضافت أن المغرب، الذي ظل دائما قلعة شامخة للجهاد وعرينا محصنا للمقاومة والنضال، ليجدد استعداده وجاهزيته للتعاضد والتضامن مع الأشقاء في أفق بناء الوحدة المغاربية والسعي لتدارك الفرص الضائعة وتجاوز النزاعات المجانية التي ظلت تقف حجر عثرة في وجه إقلاع اقتصادي حقيقي بمنطقة المغرب العربي، مجددة الدعوة إلى صيانة الذاكرة التاريخية المشتركة وإبراز أمجادها وملاحمها واستلهام قيمها وعبرها بما يشحذ الهمم ويذكي العزائم ويوطد العلاقات والمصالح بين بلدانها الشقيقة. وأبرزت أن الاحتفاء بالذكرى 63 لأحداث سابع وثامن دجنبر 1952، يكتسي هذه السنة صبغة خاصة في أجواء التعبئة العامة واليقظة المستمرة حول قضية الوحدة الترابية للمملكة كقضية أولى ومركزية لدى الشعب المغربي قمة وقاعدة. وفي استرجاع تاريخي لظروف هذه الانتفاضة، ذكرت المندوبية السامية بأن القوات الاستعمارية كانت حاصرت العمال المتجمهرين بمقر المركزية النقابية وعرضتهم لشتى أنواع التنكيل والقمع والاضطهاد، واعتقلت المئات منهم وزجت بهم في غياهب السجون، وسخرت عصاباتها المدججة بمختلف أنواع الأسلحة لمواجهة المتظاهرين العزل والبطش بهم، ومهاجمة مواكب جنائز الشهداء وجثامينهم الطاهرة في تحد سافر وخرق صارخ لأبسط حقوق الإنسان والحريات العامة والمجردة من كل القيم والمثل الإنسانية والأخلاقية. ومرت على هذه المحطة التاريخية البطولية ثلاث وستون سنة، وكلما تم استحضارها، تضيف المندوبية السامية، إلا وعادت إلى الذاكرة صور التضامن العميق والتلاحم الوثيق بين الأشقاء بالمغرب العربي الكبير وتآزرهم في مواجهة الشدائد ومقارعة النوائب، إدراكا منهم لأهمية الكفاح المشترك سبيلا لصون مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية، وإيمانا من الشعوب المغاربية التواقة إلى التحرر والكرامة بوحدة المصير، واقتناعها الراسخ بأن قوتها تكمن في تكتل كياناتها والتنسيق بين أقطارها، فلم تستكن القوى الوطنية الحية والفعاليات النقابية أمام حجم الفاجعة أو تتراجع بفعل هول المصاب، بل إن اغتيال الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد كان بمثابة النقطة التي أفاضت كأس الغضب والاستنكار في الأوساط الشعبية جراء الفظاعات التي ارتكبها المحتل الأجنبي في حق السكان من مصادرة للأراضي وتشريد للأسر واعتقال للمناهضين لسياسته ومصادرة للحريات العامة الفردية والجماعية ولحقوق الإنسان. ودفعت الجماهير ثمن انتفاضاتها واحتجاجاتها، فكانت الحصيلة كارثية بسقوط عشرات الضحايا الأبرياء تحت رصاص البوليس الاستعماري، غير أن هذه الأحداث لم تكن إلا حافزا لتجذير الحس الوطني وتعميق البعد النضالي في صفوف الجماهير الشعبية، وترسيخ العمل النقابي وترتيبه وتوسيع دائرة ممارسته كآلية لنشر الوعي السياسي والتحريض على مقاومة المستعمر. وتكلل هذا المسار التحرري باضطلاع عدد من المناضلين المتمرسين بالحركة النقابية بمهام قيادة الكفاح المسلح ضد الوجود الاستعماري عند اندلاع ملحمة ثورة الملك والشعب المجيدة. لقد نذر الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد حياته للنضال في سبيل إرساء دعائم العدالة الاجتماعية وتثبيت الحقوق النقابية والسياسية وضمان ممارستها بالمنطقة المغاربية وتأسيس اتحادات وتكتلات نقابية قوية، وانفتاحه على العالم الخارجي ومد جسور التواصل مع التنظيمات النقابية الكبرى الى الحد الذي أصبح معه مصدر إزعاج للسلطات الفرنسية، التي قررت الحد من طموحات هذه الشخصية الفذة القوية بنضالها وديناميتها وإيمانها ومكانتها وإشعاعها على الساحة النقابية محليا وجهويا وقاريا وعالميا. فكان أن ترصد الإرهاب الاستعماري لهذا المناضل الوطني والنقابي الشهم صباح يوم 5 دجنبر 1952 لإخماد أنفاسه، متوهما أنه بجريمته النكراء تلك، سيتمكن من وضع حد للروح الوطنية ولشعلة الأفكار التحررية بالمنطقة المغاربية التي اهتزت شعوبها لهذا الفعل الشنيع، فعمت المظاهرات والانتفاضات ومظاهر الاستنكار في الحواضر والبوادي عبر التراب المغاربي، واندفعت الجماهير غير مبالية بقوة المستعمر ووسائل ترهيبه وآليات قمعه، ملتحمة على درب النضال، مسجلة أروع صور التضامن والتكافل والوفاء للأواصر الوطيدة والوشائج القوية التي تجمع بين الأشقاء، والنابعة من قيم الدين واللغة والجغرافية والتاريخ المشترك والمصير الواحد.