سبق لجلالة الملك أن أكد خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى السنغال، أن الشراكة القائمة بين المغرب وهذا البلد الشقيق هي بمثابة شراكة "استراتيجية ومتعددة الأشكال وإرادية"، على الخصوص، بفضل تبادل الزيارات الدورية بين المسؤولين السامين المغاربة والسنغاليين، وسن مشاورات دائمة بين البلدين، إضافة إلى الدعم السياسي المتبادل والمنتظم. وأبرز جلالة الملك في خطاب ألقاه خلال مأدبة عشاء أقامها على شرف جلالته رئيس الجمهورية السنغالية، ماكي سال، بمناسبة هذه الزيارة التي تمت في مارس 2013، الغنى والتنوع الذي يميز التعاون بين البلدين. هكذا، فإن الزيارة الملكية تندرج في إطار الإرادة المشتركة في الدفع قدما بالعلاقات العريقة والمتميزة التي تجمع قادة البلدين منذ فجر الاستقلال. وكانت أول زيارة لجلالة الملك إلى السنغال، في سنة 2001، أعطت دفعة قوية ومحتوى حقيقيا لعلاقات التعاون في القطاعات ذات الأولوية بين البلدين، من قبيل، الفلاحة والصيد البحري، والتعليم، والتكوين والصحة وتدبير الماء والسقي، والاتصالات، والتهيئة الحضرية، والنقل الجوي والبنيات التحتية الأساسية. ومنذ ذلك الحين، تواترت الزيارات الملكية إلى دكار بما يعكس الإرادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس المضي قدما على درب ترسيخ الأخوة المغربية السنغالية، وإعطاء دلالة رمزية للدينامية الجديدة التي باتت تؤسس للسياسة الإفريقية للمملكة، والقائمة على النهوض بالشراكة جنوب-جنوب. وبالفعل، تميزت الزيارات الملكية المتعددة بتكريس منطق الشراكة وفق صيغة رابح-رابح، من خلال التوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون وإطلاق مشاريع تجسد انخراط المملكة لفائدة السنغال على درب التنمية. وتم التأكيد مجددا، خلال الزيارة الملكية في مارس 2013، على إرادة البلدين في تعزيز وتعميق شراكتهما الاستراتيجية بما يجعل منها نموذجا للتعاون جنوب-جنوب. وكان جلالة الملك محمد السادس والرئيس السنغالي ماكي سال، استعرضا بالمناسبة، وبشكل موسع، مجالات التعاون الثنائي والملفات ذات الاهتمام المشترك، وأعربا عن رغبتهما المشتركة في إدراج جهودهما ضمن روح تقوية أسس الدولة الحديثة، التي يواصلان تشييدها. وأبرز البيان المشترك، الذي صدر عقب هذه الزيارة، أن قائدي البلدين صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس السنغالي ماكي سال سجلا، بارتياح التطابق التام لوجهات نظرهما بشأن مختلف القضايا التي تم التطرق إليها، وجددا التأكيد على رغبتهما في تعزيز وتعميق الشراكة الاستراتيجية التي تربط البلدين وجعلها نموذجا للتعاون جنوب-جنوب. ويشكل الدعم الثابت والموصول للسنغال لقضية الوحدة الترابية للمملكة تجليا آخر للعلاقات العريقة القائمة بين البلدين. وجدد الرئيس السنغالي التأكيد على هذا الموقف الراسخ الداعم لمغربية الصحراء، في البيان المشترك المذكور، مشيرا إلى أن المقترح المغربي بإقامة حكم ذاتي موسع بالصحراء "يشكل حلا مثاليا للتسوية النهائية لهذا النزاع". هكذا، فإن زيارة جلالة الملك إلى دكار، التي تأتي بعد أقل من شهر من الزيارة التي قام بها الرئيس السنغالي ماكي سال إلى المغرب للمشاركة في أشغال المناظرة الثامنة للفلاحة بمكناس، تؤكد الانخراط الحاسم لقائدي البلدين للمضي قدما على درب تكريس التعاون الثنائي، الذي يظل نموذجا للشراكة الناجحة.(و م ع) يقوم على أساس متين من الثقة المتبادلة...محور الرباط - دكار.. تعاون نموذجي دكار: محمد الناصري - يشكل التعاون المغربي السنغالي، القائم على أساس متين من الثقة المتبادلة، نموذجا ناجحا وتجليا بارزا لعلاقة ثنائية ما فتئت تتعزز يوما عن يوم، مستفيدة في ذلك من شراكة وثيقة ومحفزة لإفريقيا متضامنة ومزدهرة على المستوى الاقتصادي. فقد عمل المغرب والسنغال، المعروفان بانخراطهما لفائدة السلام في العالم، على إرساء نموذج شراكة حي وواعد تعود جذوره لزمن بعيد. وقد تم اعتماد هذه الأسس المتينة والمدعمة، منذ البداية، بغرض ضمان استدامة وتوطيد هذا النموذج المعزز بإرادة سياسية واضحة وتقارب في وجهات النظر بخصوص القضايا الدبلوماسية الكبرى. كما أن مواقف البلدين الشقيقين، في ما يتعلق بالملفات ذات الصلة بالتنمية، تعد متطابقة وتمضي في اتجاه الدفاع عن المصالح الأولوية لإفريقيا في مختلف المحافل الدولية. ورغم أن المغرب والسنغال لا يتوفران على ثروات نفطية، فإنهما قد أفادا من رصيد الثقة الذي يتوفران عليه ليكون لهما حضور وازن على الساحة الإفريقية، ويبرزا كفاعلين لامحيد عنهما على المستوى العالمي في ما يتعلق بتدبير القضايا الأكثر إلحاحا، سواء تعلق الأمر بالتغير المناخي أو مكافحة الإرهاب والأمراض الفتاكة. وإذا كان إرساء العلاقات الدبلوماسية الثنائية يعود إلى سنة 1960، فإن الرباطودكار كانتا على الدوام داعمتين للقضايا العادلة وعملتا على تنسيق جهودهما لمساعدة الدول الإفريقية في إرساء مجتمعات تنعم بالحرية والانعتاق والديمقراطية، وهو ما يعني أن المغرب والسنغال كانا على الدوام يسعيان إلى إشاعة السلم. وعلى سبيل المثال، تبنت السنغال منذ بدء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، موقفا ثابتا وراسخا يقوم على حق المملكة في استكمال وحدتها الترابية، حيث لم يسبق لدكار أن أبدت في أي لحظة أي تحفظ بخصوص دعمها غير المشروط للمملكة في ما يتعلق بمغربية الأقاليم الجنوبية. وعلى مستوى الاتحاد الإفريقي، أضحى معروفا وبارزا موقف الدبلوماسية السنغالية الداعم للمبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع للأقاليم الجنوبية. كما أن المغرب، من جهته، جعل السنغال، حليفه الرئيسي، وجهته المفضلة على الساحة الإفريقية. وتأتي زيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى السنغال ودول إفريقية أخرى، ابتداء من أمس الأربعاء، في إطار تمتين العلاقات التاريخية بين المغرب وفضائه الإفريقي، الذي بدا دور المملكة فيه بارزا خلال فترة الكفاح لنيل الاستقلال، وهو الدور الذي يواصل اليوم بانخراطها للنهوض بالسلم والتنمية. وبالفعل فإن الزيارة الملكية تشكل تجسيدا فعليا للانخراط المتعدد الأشكال للمغرب إلى جانب الدول الإفريقية، ذلك أن الدبلوماسية المغربية سطرت لنفسها هدفا استراتيجيا يتمثل في الارتقاء بالتعاون مع دول القارة عبر شراكة حقيقية محفزة على التنمية. ووفق هذه الرؤية إذن، أضفت الزيارات الملكية المتعددة للبلدان الإفريقية دينامية على العلاقات مع العديد من دول القارة على غرار السنغال، وأعطت دفعة للتعاون جنوب-جنوب، الذي جعلت منه المملكة خيارا استراتيجيا. وفي ما يتعلق بالقضايا ذات الطابع الدولي، فإن الرباطودكار ما فتئتا تحشدان جهودهما لدعم حق القارة الإفريقية في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وتعزيز الأمن الغذائي في القارة وردم الهوة الرقمية بين الشمال والجنوب. وفي سياق متصل، ظلت المملكة تعبر عن جاهزيتها الدائمة للإسهام في جهود السلام بالمنطقة. فقد سبق لها أن أرسلت في دجنبر 2006 تجريدة من القوات المسلحة الملكية للمشاركة في عملية إزالة الألغام في كازامانس بالسنغال. كما تندرج الزيارة الملكية إلى دكار في إطار تعزيز انخراط المملكة لفائدة القارة الإفريقية، وهو خيار يمليه التاريخ المشترك والتطلعات المتقاسمة إلى قارة متضامنة توحد جهودها من أجل انتشال السكان من المشاكل التي تعانيها، وعلى رأسها سوء التغذية. في هذا الإطار، يبرز القرار الوجيه الذي كان جلالة الملك محمد السادس أعلن عنه خلال القمة الإفريقية الأوروبية المنعقدة بالقاهرة في أبريل 2000، والمتمثل في إلغاء جميع ديون البلدان الإفريقية الأقل نموا تجاه المملكة. وعلاوة على الجانب الاقتصادي، فإن الشراكة المغربية السنغالية تستمد غناها أيضا من البعد الثقافي والديني المؤسس للعلاقات الوطيدة التي تجمع الشعبين الشقيقين. وبحسب المؤرخين، فإن أولى عمليات استقرار الأسر المغربية بالسنغال تعود إلى القرن التاسع عشر. وكما يبرز ذلك المتخصصون في القضايا الإفريقية، فإن المغرب والسنغال مدركان تمام الإدراك بأن العلاقات القوية التي تربطهما يمكن أن تشكل منطلقا لإرساء تعاون أوسع يضم بلدانا أخرى من القارة. هكذا، فإن المغرب والسنغال منخرطان لفائدة إفريقيا صاعدة، ويرنوان إلى نظام عالمي جديد يعزز الاندماج الإقليمي، ويحفز الشعور بالانتماء الإفريقي، وتحصين القارة ضد الصدمات الداخلية والخارجية. والحاصل أن البلدين يقرنان القول با المغرب - السنغال.. شراكة اقتصادية نموذجية * دكار: محمد الناصري - يبذل المغرب والسنغال جهودا حثيثة بهدف استثمار الرأسمال الثمين المتمثل في تضامنهما الفعال وتعزيز شراكتهما النموذجية المنبثقين من تاريخهما العريق ورؤيتهما المتبصرة من أجل التنمية، تحذوهما في ذلك إرادة قوية للرفع من مستوى مبادلاتهما التجارية. * ويعد التعاون الاقتصادي الثنائي، الذي يوجد في أفضل مستوياته، بمستقبل جيد، خاصة أنه يرتكز على منهجية ناجعة وإطار سانح لاتخاذ اختيارات استراتيجية ذات مردودية إيجابية. * ولا يدخر المغرب والسنغال جهدا في استخدام إمكانياتهما والعمل على ترسيخ صورتهما كبلدين رائدين يرى فيهما العالم شريكين موثوقين وفاعلين متمرسين في قارة مازال التعاون الإقليمي لا يشتغل فيها بكامل إمكاناته، تسندهما في ذلك النتائج الملموسة التي تعد ثمرة شراكة مربحة باتت تفرض نفسها كنموذج على المستوى الإفريقي. * وتأتي زيارة العمل والصداقة التي يقوم بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس ابتداء من أمس الأربعاء إلى السنغال في هذا الإطار بالضبط. ومن شأن هذه الزيارة، من دون أدنى شك، أن تعطي دينامية جديدة ودفعة للمبادلات بما يعود بالنفع على السكان المحليين. كما أنها ستمهد بشكل أكبر الطريق أمام الاستثمارات الواعدة، علاوة على أنه سيتم خلالها إطلاق مشاريع جديدة للتنمية بما يعزز روابط التقدير والثقة بين الشعبين، التي تمثل حجر الزاوية في هذا التعاون المربح للطرفين. * وتستمد الآفاق الواعدة التي تتيحها هذه الروابط المتميزة قوتها بالخصوص من كونها ممتدة في الزمن ودقيقة في تحديد الأهداف المسطرة. * وبالفعل، فقد تم، منذ أمد بعيد، اتخاذ مبادرات ملموسة بهدف الاستجابة لحاجيات الفاعلين الاقتصاديين، ومنها، على سبيل المثال، الاتفاقية الثنائية لسنة 1964، التي تضمن معاملة بالمثل مع المقاولات المغربية والسنغالية فوق تراب البلدين، وهي اتفاقية تؤشر بكل وضوح على الرغبة في إرساء شراكة مستدامة ذات أسس متينة. * وأكثر من ذلك، فإن أي محاولة لتحليل المنطق الذي يعتمده البلدان، اللذان يتقاسمان مقاربة مشتركة من أجل استغلال أمثل للثروات الإفريقية لفائدة شعوب القارة عبر شراكة مبلورة بذكاء ومحققة لمزيد من التكامل، لابد أن تضع في الاعتبار الغرض من التبادلات المستهدفة والاستراتيجية المتبعة بناء على الحاجيات ذات الأولوية بالنسبة لسكان البلدين. * وتعزز الإحصائيات هذه الحقائق الأكيدة، ما يتيح استشراف مستقبل العلاقات المغربية السنغالية بتفاؤل كبير. وبالفعل، يؤكد الخبراء أهمية ونطاق المساهمة القيمة للمملكة في إقلاع بلاد التيرانغا. * ولا تعزى قوة الشراكة الثنائية فقط لإمكانات الروابط الاقتصادية فقط، وإنما، أيضا، لعوامل لا مادية مثل الثقة والتضامن الفعلي والروابط الأخوية التي تجمع شعبي البلدين. * ويمكن القول إن الرؤية المغربية في مجال التعاون جنوب-جنوب، لاسيما مع البلدان الشقيقة بإفريقيا، تقوم على أسباب موضوعية تهدف إلى مساعدة شعوب المنطقة، وكسب القلوب وتعزيز الثقة في المستقبل من أجل إرساء نموذج للشراكة يعود بالنفع على إفريقيا. * ولم تفتأ المبادلات المغربية السينغالية تتطور سنة بعد أخرى، كما يدل على ذلك الارتفاع المسجل في الواردات والصادرات في الاتجاهين. * وتشهد هذه الشراكة، التي تهم قطاعات استراتيجية متنوعة تتوزع بين الفلاحة والتكوين والنقل والطاقة، مرورا بالسكنى والصناعة الدوائية والتكنولوجيات الحديثة، على اختيار مدروس لمنتوجات موجهة بالدرجة الأولى لتلبية حاجيات السكان. * وكما تظهر ذلك الإحصائيات، فالسنغال يعد الزبون الأول للمغرب بإفريقيا جنوب الصحراء ب12 في المائة من الصادرات، والمورد الثامن للمملكة على مستوى المنطقة ب2,13 في المائة من الواردات. * وفي سنة 2014، شملت أهم واردات المغرب، انطلاقا من السنغال الأسماك المعلبة (30,41 مليون درهم)، والقطن (27,46 مليون درهم)، ومنتجات الأشجار المثمرة (9,17 ملايين درهم). * وفي المقابل، تضمنت المنتوجات الأكثر تصديرا في اتجاه السنغال المنتوجات الآزوتية والأسمدة التي بلغت قيمتها 180,4 مليون درهم، ومنتوجات الورق والورق المقوى (105,48 مليون درهم)، ومنتوجات بترولية أخرى (81,96 مليون درهم). * ومنذ سنة 2000، مافتئ الحضور الاقتصادي المغربي بالسنغال يتزايد بانتظام، من خلال إطلاق استثمارات خاصة وتضاعف المبادرات الرامية إلى تعزيز هذا الحضور. هذا دون الحديث عن حجم مساهمة نموذج الشراكة المغربية السينغالية في تعزيز مرونة إفريقيا. * ويتعلق الأمر هنا بأمر بديهي تم التأكيد عليه، في مناسبات عدة، من طرف الخبراء الذين يرون بأن التطور المسجل بالرغم من السياق الصعب للعولمة يعزى إلى المؤهلات الكبيرة للمغرب والسينغال اللذين يشكلان نموذجا لتعاون واعد. * هكذا، فإن كل المؤشرات تدل على أن هذه الشراكة المثمرة لها ما يكفي من المؤهلات لتمتد في الزمن، مستمدة قوتها الدافعة من الإرادة المعبر عنها من طرف قائدي البلدين الشقيقين للعمل لما