يندرج تنظيم هذا الحفل الفني، المنظم بشراكة مع المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، في إطار أنشطة الأوركسترا الفيلارمونية للمغرب، التي تسعى، منذ تأسيسها سنة 1996، إلى ترسيخ الموسيقى الكلاسيكية في المغرب، وتعريف الجمهور بما يختزنه ريبيرتوارها من روائع. وسبق للأوركسترا أن قدمت للموسيقار الإيطالي فيردي في مثل هذه الأيام من السنة المنصرمة بالرباط، أوبرا "لاترافياتا" "غادة الكاميليا"، كما قدمت سنة 2013 أوبرا "توسكا"، للموسيقار الإيطالي بوتشينى، الذي يعد، إلى جانب فيردي، من رواد الفن الأوبيرالي الأوروبي. وسيشهد الحفل الفني، الذي يعد من أبرز أعمال المؤلف الموسيقار الإيطالي، جوزيبي فيردي (1813 - 1901)، مشاركة أزيد من 60 عازفا، بقيادة المايسترو بونوا كيرو. ويخرج أوبرا "ريكوليتو" المستلهمة من المسرحية التاريخية "الملك يمرح" للكاتب والشاعر الفرنسى الشهير فيكتور هوغو المخرج الفرنسي، جان مارك بيسكاب، الذي اشتهر بإخراج عدد مهم من عروض الأوبرا العالمية. وتدور أحداث العرض في ثلاثة فصول حول شخصية ريكوليتو المهرج في بلاط الدوق المستهتر مانتو، الذي اعتاد إغواء زوجات أفراد حاشيته وبناتهم، وأثناء قيام ريكوليتو بعمله يكشف علاقة الدوق مانتو بزوجة الكونت تشيبرانو فيغضب مانتو ويحاول الانتقام من ريكوليتو عن طريق اختطاف ابنته جيلدا، التي تهيم به حبا، فيندفع المهرج للدفاع عن ابنته ويستأجر السفاح سبارافوتشيلى لقتل الدوق، فتتدخل شقيقة السفاح لإنقاذ حياة مانتو بعقد اتفاق مع شقيقها يقضى بقتل أول من يدخل إلى الحانة. وتتوالى الأحداث لنكتشف أن جيلدا اكتشفت المؤامرة وذهبت إلى الحانة متخفية في زى رجل لتتلقى الطعنة القاتلة فداء لحبيبها الدوق مانتو. ويعتبر المؤلف الموسيقي جوزيبي فيردي (1813-1901) أحد عمالقة فن الأوبرا الإيطالية في القرن التاسع عشر، وعادة ما تدرج معظم أوبراته في الريبورتوار السنوي لمسارح الأوبرات في جميع أنحاء العالم. ومن أشهر أوبرات فيردي "التروفاتوري" 1853 و"لاترافياتا" 1853 و"عايدة" 1871 و"عطيل" 1887 و"فالستاف" 1892 و"ريكوليتو"، التي عرضت للمرة الأولى بمدينة فينسيا الإيطالية في عام 1851، ونالت نجاحا مبهرا استمر حتى الآن القوة نفسها. ومن أهم ما يميز أوبرا فيردي اعتمادها على منهج محدد، يتناول الأحداث الدرامية من أقصر وأوضح طريق دون اللجوء لانتهاج الرمزية، وهو وإن التزم بحرفية الأوبرا الإيطالية الغنائية، إلا أنه بحكم موهبته الكبيرة وعصره الرومانسي استطاع أن يبدع ألحانا موسيقية تجسد الدراما تجسيدا عميقا. تتكون اوبرا ريكوليتو من مجموعات متعددة من القوالب الغنائية، مثل الآريا والثنائي والثلاثي والكورال والختام جمعهم فيردي في نسق موسيقي درامي متكامل. وتعتبر بفصولها الثلاثة نموذجا للمذهب الرومانسي، الذي يعد المؤلف الفرنسي فيكتور هوغو من أشهر رواده. تعتمد البنية الدرامية الأساسية على نسج حبكة رئيسية وفرعية متداخلتي الصراع، بهدف إعلاء شأن الفرد وحريته وذاتيته في الكون وتمجيد الحب الرومانسي الذي يضحي فيه المحب بكل شيء في سبيل محبوبة حتى الموت، وفي هذه الأوبرا تقدم الدراما نقدا اجتماعيا سياسيا لاذعا للطبقة الأرستقراطية الحاكمة، وكان لابد طبقا لمفاهيم المذهب الرومانسي أن ينتصر الحب على الواجب دائما تجنبا لقمع الرؤية الواحدة مهما كانت التضحيات. استطاع فيردي بموسيقاه الشامخة المليئة بدفقات المشاعر الإنسانية المتوالية، التعبير ببراعة شديدة عن الجو النفسي لطبقات الشعب المتناقضة وعن التركيبة الدرامية المختلفة لكل شخصية حسب تغيرها في نسق تطور الصراع الدرامي القوي، كما وصل فيردي في المشهد الأخير لدرجة رفيعة من توظيف المهارة واستطاع أن يرسم بموسيقاه الشجية جو الكآبة والتوتر والتطاحن ومرارة الصراع الداخلي للمحبين ونثر ببنائه الموسيقي الجميل رائحة الخيانة والموت داخل القلوب. وفي دلالة على مدى موهبته وخياله الطلق يضع فيردي مؤثرات صوتيه توحي بالبرق عن طريق عزف الفلوت، كما يستخدم أصوات الكورال دون كلام لتجسيد صوت الرياح.