جاءت هذه الأيام تتويجا للتكوين الذي نظمته هذه الجمعية خلال فبراير ومارس لفائدة شباب ومهتمين من جميع الأعمار والخلفيات الفكرية والمهنية ولفائدة بعض الأجانب القاطنين بالجديدة، ويخص حماة للتراث والمؤطرين لزيارات مجانية لمآثر القلعة البرتغالية، وكذا لوسط المدينة التي تزخر بمعالم وبنايات تاريخية أنجزت بداية القرن العشرين. وتأتي هذه الأيام تزامنا مع تخليد ذكرى تحرير "البريجة" أو "مازغان" أو "الجديدة" حاليا، على يد السلطان المجاهد سيدي محمد بن عبد الله، وجلاء الاحتلال البرتغالي عنها سنة 1769. عرفت التظاهرة إقبالا مهما لتلاميذ مدارس مدينة الجديدة، وبعض مجموعات المهتمين على الصعيد المحلي، الذين اكتشفوا، بعيون أخرى، المدينة وخصائصها، انطلاقا من معلومات تاريخية دقيقة، ومصادر موثوقة لمؤرخين مغاربة وأجانب أرخوا هذه المآثر وأهميتها في تراثنا المادي. كما كانت هذه المناسبة فرصة للقاء المهتمين بتاريخ المنطقة خاصة بحقبة الوجود البرتغالي بها لتعميق البحث وتقديم مستجداته بهذا الشأن. وفي هذا الإطار، ألقى الأستاذ عز الدين كارا، المدير الجهوي لوزارة الثقافة بجهة الحوز- تانسيفت، يوم الجمعة 27 مارس، محاضرة تحت عنوان "قراءة في الاستراتيجية العسكرية للبرتغاليين في مازاغان" حسب جورج ماسكارينياس حاكم القلعة من 1615 إلى 1619. واستعرض خلالها ملخصا للوجود البرتغالي في بعض المواقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والصعوبات التي كانت تعترضهم لإخضاع سكان البوادي المحيطة بالثغور، وأدائهم للجزية في غياب قائد موال للبرتغاليين، مثل يحيى وتعففت بن يكن )المعروف بأوتفوفت)، الذي كان لاغتياله، في بداية سنة 1519، أثرا سلبيا على الوجود البرتغالي بمنطقة دكالة، ومحاولة البرتغاليين تحصين القلاع القروسطية، أو إنشاء قلاع جديدة دون قدرتهم على الحفاظ عليها لمدة أطول، نظرا لتكاليف حمايتها من الهجومات المتكررة للمجاهدين المغاربة، ما دفع البرتغاليين بعد هزيمتهم سنة 1541 بسانتا كروز (أكادير)، وخروجهم من بلاد سوس، للتفكير واتخاذ قرار الخروج من آسفي وآزمور، و التركيز على بناء قلعة مازغان حول الحصن القديم الذي بنوه سنة 1514 بعد احتلال آزمور ومازيغن في شتنبر 1513. وقدم الأستاذ كارا نظرة شاملة حول القلعة البرتغالية ونمط الهندسة العسكرية المميزة لها، معززة بالخرائط والتصاميم حول شكل الأسوار والحصون (الأبراج) والخنادق والحواجز الهلالية الشكل، المحيطة بالأسوار، وشكل الأبراج المتجهة نحو البر، التي تغيرت هندستها لتلائم التطور الحاصل آنذاك في التكنولوجيا العسكرية، وتطوير المدفعية. كما تحدث عن المجال الخارجي المحيط بالقلعة، الذي خصص للحقول الزراعية ومواقع الحراسة والمراقبة والمتاريس التي تتكلف بها فرق عسكرية تسمى الطلائع. ووقف الحاضرون لعرض "الاستراتيجية العسكرية للبرتغاليين في مازاغان" على المسار المهني لصاحبها جورج ماسكرينياس، حاكم مازغان، الذي وضع، طيلة هذه الحقبة، ما يعرف تاريخيا بالكتيبة العسكرية (Regimento) لماسكرينياس. والذي ذكر الأسباب التي جعلته يقدم ملاحظاته حول الحروب مع سكان المناطق المجاورة لمازغان، خاصة مع سكان أولاد بوعزيز وأولاد افرج وآزمور، وسكان القرى المجاورة، كما سجل مجموعة من الملاحظات خلال الثلاث سنوات الأولى من حكمه لمازغان، وهي فترة كانت كافية، كما يقول، لاكتساب تجربة أهلته لإعطاء توجيهات حول كيفية التعامل مع المواجهات الحربية، مبرزا أن المغاربة لا يختلفون عن البرتغاليين من حيث جودة الخيول، والأسلحة الخفيفة التي أصبحوا يتوفرون عليها. وأشار ماسكرينياس في وثيقته إلى المناسبات التي يقوم فيها عادة محاربو آزمور وأولاد بوعزيز ب "حَرْكة" في محيط القلعة، يهاجمون فيها البرتغاليين الموجودين خارجها، مؤكدا أن هذه الحروب تكون أكثر ضراوة، وينبغي خشيتها أكثر، باعتبارها الأعنف. وقسم ماسكرينياس المواجهات الحربية إلى ثلاثة أنواع، وخص بالذكر خطورة مواجهة المغاربة في المتاريس وملاحقتهم لأنهم على دراية بالمكائد الحربية ويضعون الكمائن بطريقة محكمة. والجدير بالذكر أن جمعية مازغان - الجديدة للتراث قررت الاحتفاء سنويا بذكرى تحرير البريجة/مازغان، والعمل على إنشاء فريق عمل يشتغل على تراث وتاريخ المدينة والمنطقة، بمعية ثلة من الباحثين الشباب، والوسط الأكاديمي، والجامعي المحلي والوطني.