تميز حفل افتتاح الدورة السادسة عشرة للمهرجان الوطني للفيلم، الذي تتواصل فعالياته إلى غاية 28 فبراير الجاري، بعرض فيلم قصير للمخرج المغربي إسماعيل فروخي بعنوان "العرض" بمناسبة مرور 20 سنة على تنظيم المهرجان بطنجة، حيث توج الفيلم سنة 1995 بالجائزة الكبرى للمهرجان، وتكريم اسمين بارزين في المشهد السينمائي المغربي هما الممثلة مليكة العماري والناقد السينمائي محمد كلاوي، في إطار ثقافة الاعتراف، التي ميزت المهرجان الوطني للفيلم منذ دورته الأولى. وفي هذا السياق، عبرت الممثلة مليكة العماري عن سعادتها بالتكريم، الذي اعتبرته بمثابة تتويج لها واعتراف بمسيرتها الفنية، التي تجاوزت 50 سنة من العطاء المتواصل في مجال التمثيل، معربة عن امتنانها للمنظمين، وكل من فكر في هذا الاحتفاء الذي منحها شحنة جديدة. من جهته، قال محمد كلاوي إن النقد السينمائي ليس مهنة، رغم الجهود التي يقوم بها النقاد النزهاء، الذين لا يلقون أي ترحيب من طرف المخرجين، مشيرا إلى أن كل ناقد منهم يستحق التكريم، لأنه دون النقد البناء لن تشهد السينما أي تطور. وفي حديثه عن المكرم، قال عضو المجلس الأعلى للهيأة العليا للاتصال للسمعي البصري "الهاكا"، طلال سعود الأطلسي، إنه "علم منير في تضاريس الثقافة السينما ومنتوج وطني محض باعتباره أحد خريجي المدرسة الوطنية، والعمل الجمعوي الملتزم بقضايا الوطن، من خلال انتمائه لنادي العزائم السينمائي". ووصف مصطفى المسناوي المحتفى به ب"العاشق الكبير للسينما والناقد السينمائي البارز، الذي لا يقف عند الجزئيات، بل يذهب في اتجاه النظرة الشاملة التي تجلت في كتابه "النقد بصيغة" الجمع، الذي يعد محطة مهمة في تاريخ النقد السينمائي المغربي". واستحضر الحفل أرواح مجموعة من المشتغلين في حقل الفن السابع، الذين رحلوا عنا سنة 2014 أمثال محمد بسطاوي، والمهدي الأزدي، ومصطفى ياسر، وزينب السمايكي، وأمل معروف، والمخرج محمد عفيفي وغيرهم من التقنيين. وتم خلال الحفل تقديم لجنتي التحكيم، حيث يترأس الأديب والروائي والناقد الأدبي المغربي محمد برادة لجنة تحكيم الفيلم الطويل، وتتشكل من المطربة كريمة الصقلي، والتشكيلية أحلام المسفر، والناقد مصطفى المسناوي، والموضب علال السهبي، والمدير المركزي للإنتاج والبرمجة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة العلمي الخلوقي، ومدير الإنتاج الدرامي بالقناة الثانية نجيب الرفايف. بينما يترأس السيناريست والروائي محمد العروسي لجنة تحكيم الفيلم القصير، وتتشكل من مديرة قطب التسويق بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بيسان خيرات، والأستاذة الجامعية مجدولين العلمي، والمخرجة والممثلة أسماء هوري، والأستاذ الجامعي والناقد سينمائي حميد العيدوني. وشهد اليوم الأول من العروض الرسمية للمهرجان عرض أربعة أفلام ويتعلق الأمر بالفيلمين الطويلين "نصف السماء" للمخرج عبد القادر لقطع، و"الوشاح الأحمر" لمحمد اليونسي، والفيلمين القصيرين "عقول مرتشية" للمهدي الخاوضي، و"جنة لمريم بن مبارك. المهنيون يدعون إلى ضرورة البحث عن موارد جديدة لصندوق الدعم شهد اليوم نفسه تنظيم مائدة مستديرة حول الاستخدام الأمثل للتطبيق على المداخيل، نسق فقراتها المخرج والمنتج محمد عبد الرحمن التازي من غرفة المنتجين، وشارك فيها سعد الشرايبي، رئيس غرفة المؤلفين والمخرجين المغاربة، والمخرج إدريس اشويكة، والمخرج حميد بناني، والناقد حمادي كريم، ومدير المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما محمد بلغوات. وأجمع المشاركون والمتدخلون على ضرورة تضافر الجهود من أجل الرفع من مستوى الإنتاجات المغربية، مع التأكيد على ضرورة دعم القطاع السينمائي، باعتبار السينما منتوجا ثقافيا يحقق الإشعاع للمغرب، فضلا عن أنها صناعة ومحرك أساسي لعجلة الاقتصاد في البلاد. وخلص المشاركون في الندوة إلى ضرورة البحث عن موارد جديدة لصندوق الدعم، لكي يكون عند تطلعات المنتجين والمخرجين، الذين ارتفع عددهم في السنوات الأخيرة، فيما بقي المبلغ المخصص لدعم الأفلام جامدا، منذ حوالي عشر سنوات. في هذا السياق، استعرض سعد الشرايبي كافة المراحل التي قطعها تطور صندوق الدعم، منذ تأسيسه سنة 1980، مشيرا إلى أن ميزانية الصندوق ارتفعت مع ارتفاع العدد المنتج من الأفلام، وكان لها دور إيجابي في تطوير السينما المغربية من حيث الكم، إلا أنه في العشر سنوات الأخير، ظلت ميزانية الصندوق جامدة، رغم الزيادة التي سجلتها مشاريع الأفلام المقدمة للاستفادة من الدعم العمومي، التي أصبحت تتجاوز 60 مشروعا، مقابل 20 قبل 10 سنوات. ودعا الشرايبي إلى ضرورة البحث عن موارد جديدة للرفع من القيمة المخصصة لدعم الأفلام حتى تحافظ السينما المغربية على مكتسباتها وتكسب رهان الجودة والتنوع على حساب الكم ومحدودية المواضيع، إذ لا يعقل إنجاز أفلام تاريخية مثلا بميزانية محدودة، كما لا يعقل توزيع الدعم المخصص ل15 مشروعا على أربعين أو ثلاثين مشروعا في الفترة الراهنة. 'نصف السماء' سيرة ذاتية لجوسلين اللعبي واجه مخرج الفيلم، الذي افتتح عروض المسابقة الرسمية عبد القادر لقطع انتقادات متفاوتة من طرف المشاركين في جلسة مناقشة الفيلم، خصوصا في ما يتعلق بدقة المعلومات، التي نقلها الفيلم حول بعد الأحداث التاريخية، التي طبعت مرحلة السبعينيات من القرن المنصرم، حيث اعتبر أنه على مخرج "نصف السماء" التأكد من بعض المعطيات الخاطئة، مطالبين بحذفه من الفليم إنصافا للتاريخ، كما انتقد البعض الآخر ازدواجية اللغة في الفيلم والأداء الضعيف للبطل أنس الباز في دور عبد اللطيف اللعبي، مقابل تألق سونيا عكاشة في دور جوسلين اللعبي، وهي الممثلة التي سبق لها أن فازت بجائزة أفضل ممثلة في دورة 2013 من المهرجان عن دورها في فيلم "زيرو" لنور الدين لخماري. وفي رده، اعتبر المخرج المغربي المخضرم، عبد القادر لقطع، فيلمه الجديد "نصف السماء" سيرة ذاتية تتناول فترة من حياة زوجة الكاتب عبد اللطيف اللعبي ومعاناتها أثناء تعرض زوجها للاعتقال، مشيرا إلى أن سيناريو الفيلم كتب انطلاقا من كتابها "رحيق الصبر" وبمساهمة مهمة من اللعبي وجوسلين، مبديا أسفه على أي معلومة خاطئة وردت في الفيلم واستعداده لحذفها في النسخة النهائية للفيلم. وبخصوص ازدواجية اللغة، أكد لقطع أنها ضرورية في الفيلم لأنه يتناول قصة سيدة فرنسية مع اعتقال زوجها في المغرب، لذلك كان استعمال اللغة الفرنسية إلى جانب العربية ضرورة ملحة في الفيلم، زيادة على أنه أنتج بمساعدة منتج فرنسي. وفي حديثه عن أدوار الممثلين، قال لقطع إن دور سونيا عكاشة كان قويا باعتبارها محور الأحداث، مشيدا في الوقت ذاته بأداء الباز، الذي اعتبره مقنعا ومواكبا للأحداث الدرامية للفيلم. وكان الفيلم، الذي عرض بمراكش ضمن فقرة "خفقة قلب"، ترك أصداء طيبة في صفوف النقاد والمهتمين، خصوصا الأداء المتميز لبطلة الفيلم سونيا عكاشة التي أدت دور "جوسلين اللعبي". وتدور أحداث "نصف السماء"، الذي ساهم الكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي في كتابته إلى جانب عبد القادر لقطع، حول معاناة جوسلين اللعبي مع اعتقال زوجها ومحنة العديد من النساء، سواء "الأمهات، الزوجات، الأخوات" مع اعتقال أبنائهن أو أزواجهن أو أشقائهن. وينتمي الفيلم إلى صنف الأفلام الروائية الوثائقية، إذ تبدأ بعرض قصاصات من جرائد فترة السبعينيات ومجلة "أنفاس" التي أدارها اللعبي في تلك الفترة، كما يتناول الفيلم الأحداث بمشاهد جميلة تعبر عن إيمان جوسلين اللعبي بغذ أفضل تحقق بإطلاق سراح اللعبي وجميع المعتقلين، والإعلان عن الإنصاف والمصالحة في ما بعد. "نصف السماء" من بطولة سونيا عكاشة، وأنس الباز، وبثينة الفكاك، وشيماء الجبيري، ومارك صامويل، وسارة الرغاي، وقدس اللعبي وآخرون. 'الوشاح الأحمر' قصة إنسانية مؤثرة في خضم أحداث سياسية متوترة ترك فيلم "الوشاح الأحمر" لمخرجه محمد اليونسي أصداء طيبة وانطباعات جيدة في صفوف النقاد والمهنيين، الذين شاهدوا الفيلم لأول مرة في قاعة سينما روكسي ضمن فعاليات المهرجان. ونوه العديد من النقاد والمهنيين بالمستوى الجيد للفيلم، من بينهم المخرج حميد بناني، الذي وصفه ب"الفيلم الإنساني الجميل والشاعري، الذي استطاع أن يتناول موضوعا شائكا من خلال علاقات إنسانية لأناس بسطاء يجمعهم الحب وتفرقهم الظروف السياسية". كما أشاد النقاد بأداء الممثلين، خصوصا كريم السعيدي، الذي أدى دور لحبيب بطريقة مقنعة. وفي تعليقه، قال السعيدي إن نجاحه في تقمص شخصية لحبيب يعود بالأساس إلى كونه من ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، مشيرا إلى أنه من أب ناضوري وأم تازية أقاما فترة في الجزائر قبل ترحيلهما، في مشهد درامي ترك جرحا غائرا في صدره. من جهته، اعتبر محمد اليونسي أن الفيلم ما كان لينجح لولا تضافر جهود العديد من المهنيين والممثلين والداعمين، الذين بذلوا الكثير من الجهد في سبيل نجاحه، مشيرا إلى أن سيناريو الفيلم كتب بمساهمة عراب السينما المغربية الجيلالي فرحاتي، وأن الحوار من إنجاز جمال الدين الدخيسي، الذي يعد علامة بارزة في المشهد الفني والثاقفي الوطني، أما الموسيقى فكانت للمخرج المتمكن كمال كمال صاحب فيلم "سوتو فويس" الفائز بالجائزة الكبرى للدورة السابقة. وحث المخرج محمد اليونسي المهنيين على التعاون من أجل إنجاز الأفلام في مستوى تطلعات المتفرج المغربي، لأن "السينما هي في الأول والأخير موجهة للمشاهد الذي يقدر المنتوج الجيد وينتظره". يتطرق الفيلم الذي يعد ثالث تجربة سينمائية للمخرج السينمائي محمد اليونسي، بعد "ألو 15" و"بنيكس" لموضوع غير مسبوق في السينما المغربية، ويتعلق الأمر بمأساة المغاربة المرحلين من الجزائر، والحدود المغلقة بين البلدين. ويسلط سيناريو الشريط، الذي كتبه اليونسي إلى جانب الجيلالي فرحاتي، الضوء على مأساة زوجين (لويزا من الجزائر ولحبيب من المغرب) فرقتهما الآلة العسكرية بالجزائر وعاشا بعيدين عن بعضهما. وتبدأ الحكاية من حالة "لحبيب"، الذي ينتظر مولودا جديدا، وهو عائد من السوق بعد أن اقتنى بعض الحاجيات بطلب من الممرضة التي تشرف على علاج زوجته في المستشفى. وبينما هو في الطريق للمستشفى فرحا بالحاجيات التي اقتناها للمولود الجدبيد، يوقفه أحد العساكر في مفترق الطرق، يستفسره عن هويته، فيكتشف أنه مغربي الجنسية، فيلقي عليه القبض ويضعه في شاحنة عسكرية ثم يتم طرده عبر الحدود البرية. وهنا تبدأ معاناة زوجين كان يجمعهما الحب وفرقت بينهما السياسة. الفيلم، الذي صورت أحداثه بكل من مدن وجدة، جرادة وتازة، وهو فيلم روائي من بطولة كريم السعيدي، ومحمد بسطاوي، ونورة القريشي، ويسرى طارق، وحسنة الطمطاوي، وجمال الدين دخيسي، وفريد الركراكي، ومحمد الشوبي، وسعيد أيت باجا، وعماد فجاجي، وآخرين.