هذه القواعد التي أخضعها المشرع لمبدأ سلطان الإرادة بصورة أساسية، في حين ألزم هيئة التحكيم بتطبيق القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالا بالنزاع، وعليها في جميع الأحوال أن تراعي شروط العقد موضوع النزاع، وتأخذ بعين الاعتبار الأعراف التجارية والعادات وما جرى عليه التعامل بين الطرفين، وإذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويض هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي، تفصل الهيئة في هذه الحالة في موضوع النزاع بناء على قواعد العدالة والإنصاف دون التقيد بالقانون في حالة عدم اتفاق الاطراف على القواعد القانونية الواجبة التطبيق على موضوع النزاع. وإذا كانت هاته المقتضيات تتماشى مع طبيعة العقود المدنية والتجارية والتي تجد سندها في العقد شريعة المتعاقدين، فإن هاته المقتضيات لا تتماشى مع طبيعة العقد الإداري، بل أن الحديث عن العقد الإداري هنا لا يعكس مضمونه انطلاقا من تخلف شرطين أساسيين وهما القاضي الإداري ومقتضيات القانون العام التي تحدد طبيعة هذا العقد. فإذا ما سلمنا بإمكانية استبدال القاضي الإداري بالقاضي الخاص الذي هو المحكم، فإنه لا يمكن التسليم باستبدال القاعدة القانونية بقواعد العدل والإنصاف، ذلك أن التزام الإدارة بالقاعدة القانونية هو محدد أساسي لدولة القانون والمؤسسات، ويمتد هذا المحدد ليشمل جميع أشكال نشاط الإدارة سواء تعلق الأمر بالقرارات الإدارية أو العقود الإدارية. وانطلاقا مما سلف يجب إعادة النظر في صياغة مقتضيات المادة 348 من مسودة المشروع واستثناء التحكيم في المنازعة الإدارية من حرية اختيار القواعد المطبقة على موضوع النزاع، وكذلك استبعاد إمكانية التحكيم بالصلح فيها . الطعن بإعادة النظر (المادة 364 من المسودة) حلت المادة 364 محل الفصل 34-327 وقضت بان الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية يمكن أن يكون موضوع إعادة النظر- طبقا للشروط المقررة لهذا النوع من الطعون - أمام المحكمة التي كانت ستنظر في القضية في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم. وكان حريا بواضعي المادة 364 من المسودة التنصيص على إمكانية الطعن بإعادة النظر أمام الهيئة التحكيمية مادامت أنها هي المصدرة للمقرر التحكيمي، مع فتح إمكانية اللجوء الى القضاء الرسمي بعد تعذر الطعن أمام الهيئة التحكيمية. مدلول التحكيم الدولي (المادة 370 من المسودة) تبنت المادة 370 من المسودة مقتضيات الفصل 40-327 من ق م م، وحافظت على مفهوم التحكيم الدولي انطلاقا من المزج بين المعيار الاقتصادي والمعيار الجغرافي، في حين أن المعيار الاقتصادي يعتبر أكثر المعايير المعتمدة من قبل التشريعات الحديثة والفقه والقضاء المقارنين. وانطلاقا من ذلك، فإننا نرى بضرورة إعادة النظر في مضمون المادة 370 من المسودة، واعتبار أن التحكيم يكون دوليا متى تعلق بمصالح تجارية دولية دون أخذ مكان التحكيم أو قانون إجراءات المحاكمة المطبق أو جنسية الأطراف بعين الاعتبار. الإقرار بمفهوم العقد الإداري الدولي (المادة 376 من المسودة) يعتبر مفهوم العقد الإداري الدولي من المفاهيم الحديثة في القانون الإداري، فإلى عهد غير بعيد كان مفهوم العقد الإداري يتحدد في العقد الإداري الداخلي فقط، غير أنه وبالنظر إلى التطور الذي عرفته التدخلات الاقتصادية للدول عبر الحدود تم الإقرار بوجود العقد الإداري الدولي فقها وقضاء . ولعل من حسنات هاته المسودة أن المادة 376 منها- التي حلت محل الفصل 46-327 من ق م م - تضمنت إضافة فقرة أخيرة تم بموجبها إسناد الاختصاص للقضاء الاداري للبت في الاعتراف ومنح الصيغة التنفيذية للمقررات التحكيمية الدولية الصادرة في المنازعات المتعلقة بالعقود الادارية الدولية . فمقتضيات الفصل 46-327 من ق م م كانت خلقت عدة اشكالات قانونية وذلك انطلاقا من أن القراءة الظاهرية لمقتضيات الفصل 310 من ق م م تفيد أن هاته المقتضيات تتعلق بالتحكيم الداخلي في العقود الإدارية فقط، أما في ما يتعلق بالتحكيم الدولي فالمشرع المغربي لم يميز العقد الإداري عن باقي العقود التجارية ولم يحدد أي قيد من القيود التي حددها بخصوص التحكيم الداخلي في العقود الإدارية، كما أنه أقصى القضاء الإداري من مجال تذييل الأحكام التحكيمية بالصيغة التنفيذية متى تعلق الأمر بالتحكيم الدولي، وأسند الأمر إلى القضاء التجاري. وبالرغم من صياغة الفصل 46-327 من ق م م، فإن القضاء الإداري المغربي كان قد اعتبر – وعن حق - بأنه وإذا الحكم التحكيمي موضوع طلب التذييل بالصيغة التنفيذية صادر في إطار نزاع ناشئ عن تنفيذ عقد إداري فان الاختصاص يعود إلى القضاء الإداري، مادام أنه يرجع اختصاص النظر في طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر في إطار النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة إلى المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها أو إلى المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم يشمل مجموع التراب الوطني(الأمر الصادر عن السيد رئيس المحكمة التجارية بالرباط، رقم 670، بتاريخ 18/6/2012، في الملف رقم 414/3/2012) . واتجاه القضاء المغربي هذا، لم يكن نشازا، بل إنه جاء مسايرا بذلك نهج القضاء الفرنسي في قضية " L'INSERM" التي شكلت نقلة نوعية في ما يخص الاختصاص في التحكيم الدولي في العقود الإدارية وكذلك القضاء المصري في قضية " شركة ماليكورب ليمتد".