غيب الموت، الذي تذيقه كل نفس حية، ليلة أول أمس الخميس، الفنان التشكيلي فريد بلكاهية بمدينة مراكش عن عمر يناهز الثمانين سنة. وكان الراحل بلكاهية من المؤسسين للحركة التشكيلية بالمغرب. وقال عبد الحي الملاخ إن الراحل بلكاهية يعد من الأوائل الذين بنوا صرح الحركة الفنية ووطدوا معالمها. وأضاف رئيس النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين في تصريح ل"المغربية" أن بلكاهية تميز في اشتغاله على الروح الهوياتية، ولم يستعر أيا من المواد المستوردة، وكانت مواده مغربية خالصة، وأبعاده التشكيلية كانت مرتبطة بالهوية والحداثة، وترك لنا إرثا كبيرا يعتز به المغاربة. من جانبه قال الشاعر والروائي، ياسين عدنان، إن ما لا يعرفه الكثير عن الراحل بلكاهية أنه من مؤسسي مجلة "أنفاس" رفقة عبد اللطيف اللعبي والطاهر بنجلون، وآخرين، وكرس صداقة عميقة بين الشعر والتشكيل منذ تلك الفترة، وأضاف أن قوة بلكاهية تكمن في أنه ظل يرسم بروح الشاعر ومهارة الصانع التقليدي، وفي حياته كان يكن احتراما كبيرا للصانع، الذي تعلم منه الأبجديات الأولى للمهارة الفنية، وأبرز عدنان أن بلكاهية رجل لم يكتف بالاشتغال العادي مثل الفنانين، بل كان يصنع بيديه المواد التي يشتغل عليها مثل الملونات والأكاسير الطبيعية، كما اشتغل على الورق وعلى رقائق النحاس وعلى الفرو المدبوغ، وعلى الجلد، وقال عدنان إنه شاهد ذات زيارة للراحل في مرسمه كيف يتعامل مع الجلد، فرغم قذارته كان يعالجه بيديه وبطريقته، ويتركه تحت الشمس حتى يجف، ويطوعه بالجبص، وكان الراحل، أيضا، يشتغل بالحناء، ومن الفنانين النادرين الذين اشتغلوا بالزعفران و"الحديدة الزرقاء"، هذه القوة على الاشتغال بالأشياء الطبيعية صنعت منه فنانا تصالح مع ذاته الثقافية وعمقه الثقافي، وانطلاقا من هذه التوليفة كرس لنا الفن في أبعاده الوطنية والعالمية. وقال في حقه مدير مدرسة الفنون الجميلة بالدارالبيضاء، عبد الرحمان رحول، إن الراحل بلكاهية أعاد الروح للتشكيل المغربي، فبعد عودته إلى المغرب التحق بمدرسة الفنون الجميلة بصفته مديرا، وأسس الجمعية المغربية للفنون التشكيلية، وتميز باجتهاداته في ميدان التشكيل، لم يكن فنانا عاديا، بل فنانا مجددا في الأسلوب والمنهجية، ولعب رفقة مجموعته "مدرسة الدارالبيضاء" دورا كبيرا في النهوض بالحركة الفنية المغربية، ويعود له الفضل أيضا في ترسيخ والاشتغال على المواد الطبيعية المغربية كالجلد، ويظل اسم الرجل موشوما في ذاكرتنا كفنانين، ومن منبركم أدعو له بالرحمة والغفران. بدوره نعى الناقد الفني والجمالي والكاتب، عبد الرحمان بنحمزة، بكلمات رقيقة، الراحل بلكاهية، وقال إنه أول فنان مغربي اشتغل على السجلات الهوياتية، وكان يناضل من أجل فن مغربي خالص، بعيدا عن النظرة الاستشراقية الاستعمارية، وكان مساره حافلا بالتيمات، خصوصا اهتمامه بتطويع مادة الجلد، ويعد بحق، حسب شهادة بنحمزة، مكونا من مكونات الثقافة المغربية في جانبها التشكيلي. وبحكم أنه يشتغل على الجلد، قال الفنان التشكيلي ورئيس جمعية هضبة الفوسفاط للبحث في التراث، إدريس الأمامي، إن أعمال بلكاهية تركت فيه تأثيرا خاصا، ومن هناك انطلقت فكرة اشتغاله هو الآخر على الجلد. وأضاف أن بلكاهية يتميز بأسلوب مجدد في التشكيل من زاوية اشتغاله على المواد الطبيعية، وكان يرسم بالحناء، وأبرز الأمامي أن بلكاهية كان وراء تشجيعه للعمل على المواد الطبيعية، حين التقاه في مراكش وتحديدا في معرض الفنانة التشكيلية حكيمة بناني، وقدم له مجموعة من الصور، ونصحه بأن يمضي في الطريق، نظرا لتقنيته الجديدة وتطويعه لمادة الجلد في كمونها.