عندما وقعت تفجيرات 11 مارس 2004، التي ضربت العاصمة الإسبانية مدريد، وأودت بحياة 191 شخصا وإصابة المئات، كان الشعب الإسباني على بعد 72 ساعة من الانتخابات التشريعية وكان خوصي لويس رودريغيث ثاباطيرو عن الحزب الاشتراكي العمالي، ربح هذه الانتخابات مستغلا "ارتباك وكذب" الحزب الشعبي الحاكم آنذاك، على لسان زعيمه خوصي ماريا أثنار، الذي كان يحاول إبعاد تورط إسلاميين في الأحداث. وبعد مرور عشر سنوات على هذه الأحداث الدامية، التي تعتبر أكبر عمل إرهابي شهده تاريخ إسبانيا، مازال الغموض يخيم على بعض ملابسات الملف، الذي يعتبره قاضي المحكمة الوطنية الإسبانية، الذي تولى هذه القضية، خافير غوميث بيرموديث، "ما زال مفتوحا"، موضحا أن "العدالة لا يمكن أن تغلق ملفا ما، مادام هناك أشخاص مبحوث عنهم في القصية". وبعد التفجيرات مباشرة، وقع نوع من الارتباك وسط المجتمع الإسباني وفي صفوف الجالية المغربية، بسبب تورط عدد كبير من المغاربة، إلا أن هناك عاملين أساسيين ساعدا على تجنب وقوع غضب شعبي ضد المغاربة. يكمن الأول في أن الإرهاب ليس ظاهرة جديدة على المجتمع الإسباني، الذي أصبح يتعايش مع التفجيرات التي تتبناها منظمة "إيطا" الانفصالية. ورغم معاناة الإسبان من إرهاب "ايطا" فهم لم يخلطوا يوما بين "إرهابي" و"باسكي"، واستطاعوا أن يميزوا أيضا بين "مغربي" و"إرهابي". أما العامل الثاني فله علاقة بمحاولة الحزب الشعبي الحاكم آنذاك تضليل الرأي العام لكسب الانتخابات الرئاسية التي كانت على الأبواب، وهكذا شغل الجدال الذي خلفه البلاغ الكاذب لحكومة خوصي ماريا أثنار بال الرأي العام الإسباني، ما خفف نوعا من الضغط، الذي كان يمكن أن يمارس على الجالية المغربية. وبمجرد التأكد من هوية منفذي تفجيرات قطارات مدريد، اكتسحت قوات الأمن الإسبانية المنطقة الوسطى للعاصمة، التي يوجد بها حي "لافابييس" الذي يعرف بأن غالبية سكانه مغاربة، واعتقلت الشرطة 24 شخصا من المغاربة القاطنين في الحي. وبلغ الذعر ذروته، آنداك، إلى درجة أنه لم يعد هناك تواصل بين سكان الحي المسلمين، الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها في قفص الاتهام. وأضحت معاناة المغاربة القاطنين بإسبانيا تزداد مع مرور الأشهر، وبات وضعهم يتأزم يوما بعد يوم، فإلى جانب نظرات الاتهام، التي كانوا يرونها يوميا في عيون مواطنين إسبان، كانوا بالأمس جيرانا وأصدقاء لهم، ازدادت الاتهامات "العمياء الجاهلة" التي بدأت تنعتهم بالإرهابيين. واعتبر المهاجرون غير الشرعيين أنفسهم أول ضحايا أحداث 11 مارس، فقد أصبحوا يحسون بتضييق الخناق عليهم نظرا لدوريات الشرطة التي أصبح مرورها يشكل جزءا من الحياة اليومية لحي "لافابييس" بمدريد، فباتوا يطرقون كل الأبواب لتسوية وضعيتهم، لتجنب الترحيل. وازدادت مصاعب مغاربة سبتة ومليلية السليبتين بعد التفجيرات، التي كان لها تأثير سلبي على صورة المسلمين في الثغرين المحتلين، فبدأوا يخشون تصاعد العنصرية والخلط بينهم وبين الإسلام المتطرف. كل هذا زاد من حدة التوتر الاجتماعي وارتفاع عدم الثقة بين الجماعات الإسلامية والمسيحية واليهودية المكونة للمجتمع "السبتوي والمليلي". ورفض مغاربة سبتة ومليلية أن يكونوا مرة أخرى ضحايا أعمال ليس لهم صلة بها بتاتا، فهم اعتادوا أن توجه إليهم أصابع الاتهام، كلما وقع مشكل ما أو حادثة من أي نوع. وأمام هذا الوضع، تحركت المنظمات والأحزاب الممثلة للمسلمين في المدينتين لتندد بما يحصل، وتحذر من خطورة تنامي العنصرية، ما قد ينذر بتداعيات خطيرة. ووصلت موجة العنصرية وكراهية المسلمين في سبتة ومليلية ذروتها في السنوات الأولى التي تلت الأحداث الإرهابية، إلى حد أن المركز الأوروبي لمحاربة الكراهية عكس تنامي المد العنصري تجاه المسلمين والمهاجرين والغجر في إسبانيا في أحد تقاريره. ومع محاكمة المتورطين في التفجيرات، بدأت الأوضاع تعرف هدوءا شيئا فشيئا، إذ رأى الكل أشخاصا جالسين على كراسي المتهمين مسلمين ومسيحيين، إسبان ومغاربة، القاسم المشترك بينهم ليس الدين أو الجنسية أو الانتماء العرقي، بل كان يجمع بينهم عامل واحد هو أنهم متهمون.