في الوقت الذي كان فيه شرقي الضريس يستقبل نظيره الاسباني خابيير بيلاسكويث في الرباط للتهيئ للزيارة التي سيقوم بها الوزير الاسباني في الداخلية روبالكابا يوم الاثنين القادم لبلادنا، كان خوصي ماريا أزنار يحمل عود الثقاب ليشعل النار من جديد في قشة العلاقات المغربية الاسبانية وهي بالكاد تتعافى. وبالرغم من حرص المدير العام للأمن الوطني ونظيره خابيير بيلاسكويث على التمسك بلغة التفاؤل والامل ، باعتبار الاجتماع جرى في جو إيجابي وبناء يعكس العلاقات المتميزة القائمة بين المملكتين المغربية والإسبانية، فإن اليمين وزعيمه كان يضع على جدول الاعمال لحظة التوتر ونقطا قابلة للانفجار، في سعي واضح الى التشويش على الزيارة المرتقبة وعلى ما يمكن أن تأتي به. مافعله أثنار إرادة في تأبيد اللحظة في درجة التوتر والعمل على أن يكون المغرب كرة التدحرج بين الخصوم السياسيين. لم يملك اليميني أزنار الشجاعة الكافية لكي يقول بأنه يلوح بورقة المغرب ، كلما كان في صراع مع الاشتراكي غريمه ثاباطيرو، بل حاول أن يوهم الاسبانيين بأنه الوحيد القادر على أن يرد الكرامة.. ويبدو أن له نفس القسم الذي أقسمته إيزابيل الاولى بألا تستحم ولا تغير ملابسها الى حين ...تشتعل النيران بين البلدين. وما زال بحنينه التاريخي ربما يطارد «المورو».. في ذهنية الحنين المتجمد في لحظة التوتر. ولعل الاشياء الكثيرة تعود إليه في جلباب الجد مانويل أثنار ثوبيغاري، الصحافي المقرب من الجنرال فرانكو، والى الجذور التي تجعله يحلم باستعادة آل أثنار ، نبلاء الشمال الذين «لعبوا دورا مهما في استعادة الاندلس»! أثنار أيضا هو أحد شباب الجبهة الطلابية النقابية، المقربة من المليشيات الاسبانية، وذات النزوعات الفاشستية، التي تأسست في اكتوبر 1933 على يد أحد أبناء الدكتاتور الاسباني بريمو ديريبيرا، الذي حكم إسبانيا ما بين 1923 و1930 . وكل هذا يبدو أنه يتصاعد من خليج العواطف الدفينة كلما سمع اسم المغرب، أو رأى أن البلد يحرص على التعامل الندي مع بلاده. وعليه يمكن القول إن المغرب ليس فقط ورقة داخلية في استراتيجية اليمين الشوفيني الاسباني، بل هو أيضا ورقة عواطف ذاتية وعائلية . عندما تلتقي بقايا اليمين بالتاكتيك الانتخابوي ، فإن ما يمكن أن ينتج هو التوتر وبوادر التأزيم. لقد سبق لأثنار أن انتقل بكل هذا الإرث المتشنج الى درجة الهذيان، عندما تم اتهام المغرب، تلميحا، بطريقة مثيرة بأحداث مدريد التي مات فيها الكثير من الابرياء ، منهم مدنيون من البلدين وأبرياء بلا ذنب سوى أنهم وجدوا أنفسهم في ملتقى الغيب.. والارادة القاتلة للظواهري. وقد كان الكتاب الشهير حول المغرب، وحول الانتقام المغربي، أو انتقام المورو، ولنا أن نتساءل عن رجل دولة يجعل من الانتقام مدخلا لفهم مأساة في بلاده. وقبل ذلك كان أثنار قد حاول اتهام «إيطا» الانفصالية بالتفجيرات، في محاولة مكشوفة للكذب على الشعب الاسباني،لأنه كان يساند التدخل في العراق ومساندة أمريكا بوش في حربها على بلاد الرافدين. وعوض أن يستمع الى نبض شعبه الحقيقي، استحلى التلفيق المخابراتي. وتذكر اليوم كتب المرحلة وأدبياتها أن اثنار اتصل شخصيا بمدراء الجرائد من أجل أن يتهموا المنظمة الانفصالية في صفحات الجرائد الصادرة يوم 12 مارس. هي سيرةإذن، وربما لم يغفر أثنار لخصمه ثاباتيرو كونه كان أكثر وضوحا وأكثر شعبية بعد ذلك. الحكومة الاسبانية تعرف اليوم أن اللعبة التي يديرها أثنار من صميم الحرب الداخلية لأنه كما قال خوصي بلانكو«زيارة اثنار أبعد من أن تساعد على الانفراج وهو يعرف ذلك».. عندما يزور الوزير الاول الاسبق منطقة الحدود الوهمية، ويطالب زميله في الحزب والمسؤول عن حكومة المدينة السليبة باسترجاع هذا الممر، فمعنى ذلك سياسيا أنه مع الطلب وأن الامر يسير نحو تطبيع المطالبة بهذا الممر كامتداد لاحتلال مليلية. إنه التفكير في أن شمال المغرب احتياطي جغرافي ومجال حيوي لإسبانيا. وتتزايد حوادث التدخل الاسباني في الحياة اليومية في هذه المناطق، بما يشبه التسلسل المنطقي للنظرة المذكورة هنا، أي اعتبار المجال فضاء لتحركات من كل نوع، أمنية وتغلغلية، لا تضاهيها سوى السلوكات التي تمس مغاربة المدينتين أو الذين يعبرونهما. وبذلك فإن كل عناصر السلوك الاستفزازي، حتى لا نقول أكثر، تلتقي ما بين الاصول العائلية، والتسخير السياسي للكذب والتفاعلات الداخلية . لقد اختار أثنار التوجه الى الامنيين والحرس المدني ، وهو بذلك ينقلب حتى على الاسس التي تأسست عليها هذه الشرطة القريبة من التنظيم العسكري، لأنها في الحقيقة تخدم الدولة وليس الاحزاب كما كانت المليشيات .. إنه الانقلاب الذي يعيه الاشتراكيون اليوم عندما يتحدثون عن مهام لا تخدم البلاد ، ولاسيما المهمة الاساسية التي جاء من أجلها ، أي الحرس الاسباني مند تأسيسه من طرف الجنرال نارباييث، وهو الهدف المتمثل في وحدة الدولة. هل يريد أن يشير الى أنه يبحث عن عناصر ميليشاتية في الحرس المدني ، وتأليب العنصريين منه؟ ربما هو ذا تفاعل اللاشعور اليميني والحساب السياسي .. لقد استطاع البلدان المغرب وإسبانيا تجاوز لحظات عصيبة في السنين الاربع الاخيرة بالرغم من حدة المحطات. ونحن في المغرب عشنا فصل أميناتو حيدر وكيف أن الحكومة الاسبانية كانت رهينة لتحركات المجتمع المدني ، وكيف استطاعت أن تقاوم كل الضغوط التي كانت تسعى الى تركيع المغرب ولم تحدث القطيعة. واليوم يريد اليمين أن يجعل الحكومة رهينة، وعليها أن تحرر التصويت الشعبي لفائدتها من اللوبيات المناهضة للمغرب. ولا نعتقد بأن أزنار لا يعي بأنه يعيق الحل والانفراج، وأنه يسير ضد إرادة عاهل بلاده في هذه القضية، وأنه «يريد التدخل وخلق تداخل » في السياسات والدبلوماسية. هناك الحكمة المتبادلة بين قائدي البلدين، وليس صدفة أن ثاباطيرو صرح، بعد لقائه بملك اسبانيا مباشرة، وقبل البيان المشترك بين عاهلي البلدين، بأن حكومته مستعدة للتجاوب مع المغرب ومطالبه بخصوص السلوك الذي عومل به المغاربة، وعومل به الافارقة المهاجرون. وليس صدفة أن أثنار جاء بعد كل رسائل الانفراج التي أرسلت من هذا الطرف أو ذاك، وهو الذي عاش معنا فصل جزيرة ليلى، وقد كنا في المغرب وقتها قد نعتنا قراره وتعامله بالسلوك«الهمجي والاستعماري».