أجمع المشاركون في الندوة الوطنية، "كفالة الأطفال المهملين: بين تقوية الضمانات وتذليل الإكراهات"، التي نظمتها محكمة النقض بمقرها بالرباط، أول أمس الخميس، على ضرورة صياغة نص قانوني متماسك يضمن حماية الأطفال المتخلى عنهم (كرتوش) ويتماشى مع مقتضيات الدستور، والاتفاقيات الدولية التي تعنى بحقوق الأطفال. وأبرز المشاركون، الذين يمثلون ثلة من القضاة والخبراء وأعضاء جمعيات تعنى بالأطفال المتخلى عنهم، أن ظاهرة إهمال الأطفال تتسارع وتيرتها بشكل يدعو إلى دق ناقوس الخطر، معتبرين أن الوقت حان لإعادة النظر في القانون المتعلق بالأطفال المهملين، وخلق هيئات للتتبع داخل وخارج المغرب بالنسبة للأطفال المكفولين، وإنشاء خلية للترويج والتعريف بنظام الكفالة أمام الإشكالات والصعوبات في تطبيق القانون رقم 01/15، المرتبطة بمدى التزام الكفيل بالمقتضيات القانونية خارج التراب الوطني، ومراقبة مدى ملاءمة القوانين الوطنية للدول التي يرغب رعاياها أو المقيمون بها في الاستفادة من نظام الكفالة. واستعرض المتدخلون، خلال الندوة، مجموعة من المقاربات لحل الإشكاليات، التي تعترض ملفات الكفالة، وخلصوا إلى توصيات، أهمها الدعوة إلى إحداث آلية وطنية للتنسيق، تضم كافة الفاعلين والمتدخلين في مجال كفالة الأطفال المهملين، تشتغل في إطار مقاربة تشاركية، من خلال لقاءات دورية تهدف إلى تكريس احتفاظ المكفولين بهويتهم، وصيانة كرامتهم وحماية مصلحتهم من أجل مستقبل آمن للأجيال المقبلة. وأوضح المتدخلون أن هذه الآلية يجب أن تعمل وفق رؤية ذات أبعاد وقائية "ترصد الأوضاع الاجتماعية الهشة المتسببة في إهمال الأطفال للنهوض بها"، وعلاجية "تعنى بدراسة الإشكاليات التي تعترض موضوع التكفل بالأطفال المهملين وطنيا ودوليا، وتقييم أوضاعهم واقتراح الحلول الناجعة". كما دعوا إلى العمل على مراجعة القوانين المرتبطة بحماية الأطفال، خاصة منها قانون الكفالة، بما يعزز الضمانات ويسد الثغرات المسجلة على مقتضياتها من خلال الممارسة الميدانية، وإحداث خلية في كل محكمة أسرة، توكل إليها مهمة تتبع ملفات كفالة الأطفال المهملين وتسهيل مساطر التكفل. وأكد المتدخلون على ضرورة مراجعة الإطار القانوني لمراكز استقبال وحماية الطفولة، بما يضمن ملاءمة ظروف الإيواء بها للمعايير الدولية المعتمدة للاستقبال والتكفل بالأطفال وحمايتهم. وأثاروا إشكالية إسناد الكفالة للأجنبي، التي ينبغي أن تراعى فيها مصلحة الطفل المكفول، إذ "ينبغي أن يحافظ على هويته، وهو ما لا يتم احترامه في العديد من الدول لغياب اتفاقيات ثنائية بين البلدين تضمن عنصر التتبع والمراقبة". وقال مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض، إن موضوع معالجة كفالة الأطفال المهملين بالمغرب عرف محطات عدة، انتهت على مستوى القوانين بصدور قانون 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين، الذي تضمن الشروط الموضوعية لكفالة الطفل المهمل. وأضاف فارس، في افتتاح الندوة، أن القانون 15.01 نص على الإجراءات المسطرية، التي يتوجب اتباعها من طرف طالب الكفالة، والجهات المخول لها النظر في طلبه، وإسناد هذه الكفالة، وتتبع تنفيذها ومدى الوفاء بالالتزامات الناشئة عليها. وأوضح فارس، في كلمته الافتتاحية، أنه مع الممارسة اليومية لنصوص هذا القانون، سواء من طرف طالبي الكفالة أو من طرف المتخصصين من قضاة ومحامين ومهتمين، بدأت تطفو على السطح مؤاخذات لبعض المقتضيات، على إثر اصطدام الممارسين بإشكاليات تعرقل مسار التكفل، مضيفا أن محور الندوة الوطنية هو استطلاع ما سبق إثارته من إشكالات التكفل بالمغرب واقتراح الحلول الرصينة التي تحفظ للأطفال المهملين إنسانيتهم وكرامتهم وجميع مقومات هويتهم. وأبرز الرئيس الأول لمحكمة النقض أن اختيار المحكمة "كفالة الأطفال المهملين بالمغرب" كموضوع لأولى ندواته الشهرية لسنة 2014، فرضه "واجب التفاعل مع النداءات المتواصلة، في الداخل كما في الخارج، لفتح النقاش حول الموضوع، وإيجاد الحلول الملائمة، للمكانة المتقدمة التي استطاع المغرب إحرازها، بفضل جهود صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وشرفاء هذا الوطن".