حينما يرخي ليل دجنبر البارد سدوله، وتتسارع وتيرة الحركة قبيل العشاء بحثا عن المنازل والمدافئ والأغطية المستوردة، تراهم يبحثون عن قماش وأغطية بلاستيكية و"كارطون" يفترشونه على الأرض ويلتحفون السماء التي تبكي بدموع المطر شفقة على مآسي شباب وأطفال ونساء ينخر أجسادهم برد طنجةوتطوان الذي يصل في بعض الأحيان إلى صفر درجة مئوية. تنوعت قصصهم ومآسيهم وحيثيات تشردهم، لكنهم يتوحدون في غناء أنشودة الصبر والأمل في المستقبل، من طنجةوتطوان وقفت "الصحراء المغربية" على مآسي أشخاص يفترشون الأرض ولا يقبلون الصدقة أو حتى السؤال والكلام .. لكنهم على أمل الحياة باقون وعازمون ومتشبثون.
طنجة ... شيوخ وآباء مطرودون من منازلهم تشير الساعة إلى التاسعة والنصف ليلا بساحة 9 أبريل أو السوق البراني، على مقربة من صيدلية الساحة المطلة على المدينة القديمة، يفترش ثلاثة شيوخ الأرض مغطين بأغطية بلاستيكية، اثنان منهم غارقان في النوم، أما "الحاج محمد" البالغ من العمر 67 سنة فمازال يراقب المكان وحركة السير ولا يكلم أحدا. لم يرد السلام في بادئ الأمر، وظل مراقبا من بعيد قبل أن يقول "كثيرة هي الكاميرات والأقلام الصحافية التي تنقل مواضيعنا، لستم الحل الذي نريد". تفهمنا لغته وحكمه واعتذرنا بأدب قبل أن يضيف "يا ولدي، إن كان أبنائي اليوم ينعمون بخيراتي ومتاعي الذي ذقت المرارة لأعيشهم فيه، قبل أن يتنكروا ويرموا بي في هاته الحالة، مستطردا والدموع تنسل من عينيه، لا أدري كيف يتعاطون النوم وضميرهم مرتاح". غير بعيد من الساحة، وعلى مقربة من باب البحر، يوجد أربعة شباب في الوضعية نفسها، كلهم من أبناء المناطق القروية والجبلية، طرقوا أبواب المدينة بحثا عن منفذ للقارة الأوروبية، جلبوا بعض النقود بعدما باع آباؤهم البهائم أو الأراضي الفلاحية، لكنهم لم يحققوا حلمهم، ولم يستعطوا العودة لديارهم، ليجدوا أنفسهم مكرهين على تحمل غدر الزمان وسط مدينة طنجة الفاتنة.
الشمال .. ثاني جهة مغربية تؤوي المشردين بالشوارع وضع تقرير للمندوبية السامية للتخطيط، جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، في خانة أكثر المناطق التي تعرف انتشار أكبر نسبة من الأشخاص الموجودين في وضعية الشارع، حيث جاءت في المرتبة الثانية بعد جهة الدارالبيضاء-سطات، إذ تشير معطيات التقرير، الذي تم تعميمه بمناسبة اليوم العالمي للسكان، إلى أن جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، جاءت في المرتبة الثانية في قائمة خمس جهات تعرف تمركز أكبر أعداد الأشخاص الموجودين في وضعية الشارع (بدون مأوى)، وتضم الجهة المذكورة نسبة 14 في المائة من مجموع هؤلاء الأشخاص. وسجل التقرير أن الرجال يشكلون غالبية الأشخاص بدون مأوى في المغرب بنسبة تعادل 86,7 في المائة مقابل 3,13 في المائة من النساء، ومن ناحية النساء اللائي بدون مأوى هن أكثر انتشارا نسبيا في جهات الدارالبيضاء – سطات والرباط-سلا-القنيطرة، وجهة الشرق، وجهة مراكش -آسفي، وطنجة -تطوان -الحسيمة، بنسب تصل إلى 24,4 في المائة، و13 في المائة، و12,9 في المائة، و10,8 في المائة، و8,7 في المائة على التوالي. وأوردت الإحصائيات نفسها، أن 5،6 في المائة من الأشخاص بدون مأوى هم أطفال دون سن 15 سنة، و6,7 في المائة تتراوح أعمارهم بين 15 و19 سنة، بينما 77,5 في المائة من الأشخاص بدون مأوى هم من البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و59 سنة و3,8 في المائة أشخاص مسنون تفوق أعمارهم 70 سنة. السلطات تتدخل قبل فوات الأوان خاضت السلطات المحلية بكل من طنجةوتطوان حملات اجتماعية بتعليمات ولائية بإيقاف كافة الأشخاص المشردين من أجل حمايتهم، في إطار حملة موسعة للقضاء على كل المظاهر التي تسيء لصورة المدينة وجماليتها، خاصة أن طنجة تتجه لتصبح واحدة من المدن السياحية المهمة في المغرب، الأمر الذي يتطلب القضاء على ظواهر مسيئة، مثل التسول الاحترافي وانتشار المدمنين والمختلين عقليا. تطوان .. وفاة مشرد يوقظ المجتمع المدني يطارد شبح الموت جراء موجة البرد القارس أعدادا كبيرة من الأشخاص الموجودين في وضعية صعبة في الشارع، لكن الضحايا هذه السنة كانوا من الحمامة البيضاءتطوان، حيث سجلت المدينة سقوط أول ضحية بالشمال بعد عثور مواطنين على جثة مشرد ملقاة على أحد الأرصفة في المدينة. سقوط الضحية الأول حرك فعاليات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية والتضامنية بتطوان، وتناسلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للتبرع والتكافل والتضامن للتخفيف من آلام وجراح الأشخاص في وضعية تشرد. ومن المبادرات المدنية، التي وقفت عليها "الصحراء المغربية" بتطوان، مبادرة "دفء الشوارع" لجمعية "بلسم للتنمية والتضامن"، التي أوضحت رئيسة الجمعية لبنى العجاني في تصريح ل"الصحراء المغربية" أن هذه الحملة تعد من أهم الحملات التضامنية المسطرة ضمن البرنامج العام والتي تهدف إلى ملامسة المعاناة التي يعيشها "سكان" الأرصفة، مضيفة أن الجمعية تحاول التخفيف قدر الممكن عن الأشخاص في وضعية تشرد، موجهة نداء مستعجلا للسلطات المحلية والمنتخبة قصد إيجاد حل جذري لهذه الظاهرة وفتح مركز للإيواء. وأوضحت العجاني أن النسخة الأولى من هذه المبادرة دامت السنة المنصرمة 12 أسبوعا تم خلالها توزيع 1800 وجبة، وما يفوق 400 غطاء واق من البرد، إضافة الى الألبسة والأدوية، وكذلك تكفل الجمعية بعشرات الحالات سواء من الناحية الطبية أو إرجاعهم إلى بلدهم.