نظمت ندوة صحفية الجمعة الماضي، بمقر ولاية الدارالبيضاء، بحضور والي الجهة والعمدة المدينة، ووزير الثقافة، ورئيس جمعية "كازا ميموار"، وممثل اليونسكو بالمغرب العربي، لتسليط الضوء على مشروع تسجيل المدينة، ضمن قائمة "اليونيسكو" للتراث العالمي وذلك سعيا لإبراز مقومات مدينة الدارالبيضاء التراثية والتاريخية، التي يعود جزء مهم منها إلى ما قبل التاريخ، وضمانا لاستمرارية هذا الموروث وتداوله عبر الأجيال، وفي سياق التوقيع على اتفاقية مشتركة بين الوزارة والجمعية، لتقديم هذا المشروع، كاعتراف بالتراث المعماري والحضري البيضاوي، الذي يحمل دلالات ثقافية ذات قيمة كونية خاصة. حرصت جمعية "كازا ميموار"، برئاسة رشيد الأندلسي، التي تعمل في مجال حفظ تراث القرن العشرين، على جعل الإرث الثقافي والمعماري للمدينة، ضمن الأولويات التي تهتم بها وزارة الثقافة، وفي هذا الصدد ستشرف لجنة للتتبع والمرافقة مكونة من ممثلين لولاية الدارالبيضاء ووزارة الثقافة، ووزارة السكنى وسياسة المدينة، ووزارة التعمير وإعداد التراب الوطني، والوكالة الحضرية للدارالبيضاء، والمجتمع المدني، لدعم وحفظ الإرث الثقافي والمعماري للمدينة. في السياق ذاته، جاءت الندوة لعرض المراحل الكبرى لمشروع تسجيل مدينة الدارالبيضاء، ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بدءا من تحديد معايير التسجيل في القائمة التمهيدية للمنظمة. أوضحت الندوة الصحفية، أن القائمة التمهيدية هي عملية جرد تقوم بها كل دولة عضو في الاتفاقية الدولية لحماية التراث، للممتلكات التي ترغب في اقتراحها من أجل التسجيل في قائمة التراث العالمي، إذ يتوجب على الدول الأعضاء ضمان في القائمة، الممتلكات التي تعتبرها تراثا ثقافيا أو طبيعيا ذا قيمة كونية استثنائية، يخولها من التسجيل ضمن التراث العالمي. تشجع الدول الأعضاء على تجهيز القائمة التمهيدية بمساهمة شبكة واسعة من الشركاء، من بينهم مسيرو المواقع والسلطات المحلية والجهوية، والجماعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والأطراف والشركاء المهتمين بالملف. وتقدم الدول الأعضاء قائمتها التمهيدية لمركز التراث العالمي، على الأقل سنة قبل تقديم أي اقتراح لتسجيل مواقع في لائحة اليونسكو، وهذه اللوائح لا يجب أن تعتبر شاملة، ومن ثمة فالدول الأعضاء تشَجع على إعادة دراسة مواقعها الأثرية وتقديم قائمة تمهيدية جديدة على الأقل كل عشر سنوات. كما يطلب من الدول الأعضاء أن تقدم قائمتها التمهيدية باستعمال صيغة محددة لتقديم القوائم الأولية، بالفرنسية أو الإنجليزية، حيث تظهر أسماء الممتلكات، ومواقعها الجغرافية، ووصف مختصر للممتلكات، مقارنة مع ممتلكات أخرى، وتبرير لقيمتها الكونية الاستثنائية، ثم إعلان مختصر عن أصالتها وحفاظها على شكلها الأول، ولا تجري دراسة اقتراحات التسجيل في لائحة التراث العالمي، إلا إذا كانت الممتلكات تظهر على القائمة التمهيدية للدولة العضو، حسب معطيات شهدتها وزارة الثقافة، بتنسيق مع جمعية "كازاميموار" في كتيب عن موضوع "تسجيل مدينة الدارالبيضاء، ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي". ساعدت مدينة الدارالبيضاء في الترويج لأنماط تفكير معماري جديدة وفي نشر علم جديد خاص آنذاك بأوربا، ويتعلق الأمر بالتعمير، مقارنة مع بالمدن المغربية الأخرى، وتمثل الدارالبيضاء بعض الخصوصيات، فهي مدينة ملتقى طرق، تعكس تركيبا استثنائيا لعناصر متحدرة من ثقافات وعصور ونماذج ومبادئ نظرية مختلفة، وهذا التهجين الأصيل يتضح في مجالها الحضري والمعماري الذي يمنحها قيمة تراثية لا يمكن تجاوزها، حسب ما أورده كتيب وزارة الثقافة وجمعية "كازا ميموار". يمنح المجمل الحضري والمعماري للمدنية، تركيبا أصيلا لثلاثة ثقافات مختلفة نابعة من ثلاث قارات، الثقافة الإفريقية (بالتحديد المغاربية)، والثقافة الأوروبية، والثقافة الأمريكية، فرادة المباني، التي هي نتيجة انصهار إبداعي لين تأثيرات الثقافات الثلاثة، وهندستها المختلفة، وتمثل بشكل كامل هذه التبادلات وهذا التهجين الثقافي، الذي مكن المهندسين من تشييد مبان توافق الحداثة والتكنولوجيا في عصرها. كما تمزج المباني بعض الزخرفة والتجهيز (الأسطح، الشرفات، الأروقة) المرتبطة بالثقافة المغربية وعناصر هندسية مجددة جاءت من أوربا ومن الولاياتالمتحدةالأمريكية (مصب النفايات، التهوية، الرافعات). تناول الكتيب أن العناصر التي تشكل الممتلك المعني على خصائصها الأساسية، المنظورات والمشاهد المفتوحة التي رسمتها المخططات الحضرية للمدينة، فالممتلكات المقترحة حافظت على اصالتها وعلى شكلها الكامل ليس فقط في ما يخص التصور الحضري الأساسي، لكن حول كل ما يتعلق بالمباني، وموادها ومظهرها، سواء كانت ملكيات خصوصية أو عامة، فلم تطمس معالم النسيج الحضري كما هو الحال بالنسبة للعديد من المدن. وتشكل الدارالبيضاء مدينة يوجد داخلها تركيز مهم لمباني شيدت على نمط "الآر ديكو"، والهندسة الوظيفية، والمعاصرة الطليعية، إذ كانت المدينة في القرن العشرين مجالا للتجريب بالنسبة للهندسة والتعمير، استفادت من المعرفة المحلية للفنون التقليدية (الزليج، النحت على الخشب، والجبص)، والتيارات الدولية (معرض فنون الديكور 1925، المؤتمر الدولي للهندسة المعاصرة من 1928 إلى 1958) والتكنولوجيات المجددة كالإسمنت المسلح. كما أن المباني استفادت آنذاك من وسائل راحة، لم تكن متاحة بأوروبا، صالة الاستحمام، المرحاض، مكب النفايات، المصعد الكهربائي، مرآب السيارات أسفل العمارة، ومن ثمة فإن المخطط والنظام الحضري لمدينة الدارالبيضاء، نموذجا لتهيئة عدة مدن أوروبية، خلال خمسين سنة.