وجد بعض القائمين على الشأن المحلي في مدينة الدارالبيضاء مجالا حضاريا يستدعي رد الاعتبار إليه، عبر تجديد بنياته التحتية وخلق هياكل قطاعية حديثة، واستئصال مجمعات سكنية عشوائية، لتجتاز المدينة خلال هذه السنة مرحلة مهمة في محاولة تحسين واقع المدينة، خاصة في ما يتعلق بتوفير "السكن اللائق" بدل السكن العشوائي المتمثل في الدور الآيلة للسقوط ودور الصفيح. بينما يتفاءل المتتبعون للشأن المحلي بالنقلة التي يشهدها مجال التعمير في الدارالبيضاء المحتضنة لعدة أوراش، لايتفق السكان المعنيون بالاستفادة من السكن البديل مع الآراء التي يتداولها المسؤولون في الندوات الصحفية وعبر وسائل الإعلام أو تلك التي يتلقاها السكان في شكل أجوبة عن شكايات موجهة إلى أولئك، بإيعاز من الجمعيات المدنية. و تحدث الكثير من المتضررين من السكن غير اللائق، ممن التقتهم "المغربية" في المدينة القديمة، عن هاجس الرحيل من مساكنهم المتداعية للسقوط، واعتبروا تسوية أوضاعهم أمرا ضروريا لا يقبل التأجيل، بحكم تفاقم معاناتهم مع خطر الانهيار، في حين تأتى للكثير منهم الاستقرار بعيدا عن هذه المساكن المنذرة بالموت. واعتبر السكان الباقون أن عمليات الترحيل تجري بشكل يثقل كاهلهم ويكرس مأساتهم في واقع مترد، إلا أن مجموعات منهم استطاعت أن تعبر إلى "بر" الاستقرار الاجتماعي خلال هذه السنة، بعدما بلغ عدد المستفيدين أزيد من 1300 أسرة كانت تقطن بزنقة "تزارين"، ودرب "حمان"، ودرب "بوطويل"، ودرب "باشكو"، ودرب "الفصة"، لينتقلوا إلى مساكن ب"رياض الحي الحسني" ومنطقة "الزوبير"، و"رياض الرحمة" و"بارك الرحمة"، حسب "جمعية التضامن والإخاء" التي تشرف على ملفات سكان المدينة القديمة. قلق من وتيرة الترحيل في السياق ذاته، اتخذت "شركة صونداك" والسلطات المحلية جملة تدابير وإجراءات توخت منها تفعيل عمليات الترحيل هذه السنة، خاصة بعدما عاشت المدينة القديمة حوادث انهيار قادت الكثير من الأسر إلى النزوج خارج بيوتها تفاديا للمخاطر. وفي خضم الازدياد المطرد للأسر المغادرة لمساكنها والمستعيضة عنها بخيم بلاستيكية مثلما هو قائم بدرب "السينغال" ودرب "المعيزي"، كانت أصوات السكان المتضررين من تصدعات منازلهم تتعالى في كل مناسبة، لتجديد المطالب في أن يكون ترحيلهم عاجلا قدر الإمكان. ومادام سكان المدينة القديمة لا يملكون البدائل لصد تبعات البقاء في منازل المتهالكة، فهم باقون فيها إلى حين تدخل المعنيين وإعفائهم من احتمالات الموت تحت الركام، ومن ثمة بقدر ما يجدد بعض المسؤولين تفاؤلهم بأن الدارالبيضاء تتخلص تدريجيا من شوائب المباني الآيلة للسقوط، فالسكان يخرجون للتذكير بأن الكثيرين منهم لم يشملهم ذلك الخلاص المتردد في تصريحات القائمين على الشأن المحلي. خلال 2013 استحسن بعض السكان الوتيرة التي تمر منها عمليات الترحيل، بعدما استفاد عدد كبير منهم بشكل أوحى لهم أن زمن المعاناة قد انتهى، ليتبينوا فيما بعد أن سيرورة الترحيل لا تمضي بالوتيرة السريعة، ما أثار قلق السكان الباقين من أن يكون دورهم في الاستفادة غير محدد في أجل قريب، ثم يجبروا على صرف سنوات أخرى في دورهم تهددهم بالموت. أصل المشكل يقطن السكان بالمدينة القديمة منذ سنوات طويلة، حتى تفرعت عن الأسر الأصلية، ما يسمى ب"الأسر المركبة"، ومع توالي السنوات أصبحت هذه المباني، التي في ملك البعض ومكتراة للبعض الآخر، مشبعة بالرطوبة إلى حد اعترتها التصدعات والتشققات، ولأن هناك مخططات تنموية تروم النهوض بالدارالبيضاء، كان من الضروري إبقاء مباني المدينة القديمة الموجودة داخل "السور" وإصلاح هذا الأخير أيضا، ثم هدم المباني المتهالكة خارج السور وتعويض سكانها بشقق بديلة، غير أن تداخل المطالب وتشابكها نظرا لاختلاف الحالات الاجتماعية القاطنة، عرقل في البدايات عمليات الترحيل، حتى وجد السكان أنفسهم عاجزين عن ترك مساكنهم وفي الآن نفسه غير متقبلين للواقع الذي يتخبطون فيه. وحسب ما أكده مستشارو مجلس المدينة بأكثر من ندوة صحفية، فإن مشكل "المدينة القديمة" قطع أشواطا كبيرة بتدخل "شركة صونداك"، التي تحتفظ بملفات السكان وتتدارسها وفقا لمعايير تعطي الأولوية للدروب الأكثر تضررا من التصدعات، حسب تقسيم زمني لا يقصي أسرة عن أخرى إن كانت مؤهلة للاستفادة وفق الشروط المحددة. من جهة أخرى، فالفترات التي تستغرقها عمليات الترحيل، جعلت السكان يقلقون عن مصائرهم، في سياق نفاذ الصبر وضعف الحيلة، تبعا لما استخلصته "المغربية" في حوالي 20 زيارة لهم بدروب مختلفة ومتباعدة، خلال هذه السنة. وحاول السكان، حسبما عبروا عنه ل"المغربية"، لفت انتباه المسؤولين إلى حجم المخاطر المحدقة بهم، خاصة بعد موت أشخاص منهم بفعل الانهيار المفاجئ، ليتجدد لديهم الشعور بالقلق والخوف مع كل فصل شتاء. وسعيا منهم لإنجاح مسلسل ترحيلهم، قال السكان ل"المغربية" في وقت سابق إنهم يتعبأون في شكل مجموعات للتعاون مع السلطات قصد تشخيص واقع حال المدينة القديمة، وكذا تحديد المنازل الأشد تضررا من الشقوق والتصدعات، مع رصد وضعيات الأسر وفك بعض التعقيدات التي تعيق ملف تعويضهم. ويبقى حل مشكلة المدينة القديمة، مثل درب "باشكو" ودرب "الفصة" و"درب "بوطويل" ودرب "السينغال" ودرب "المعيزي" وغيرها من الدروب، رهينة بتمكين سكانها من بعض التسهيلات التي قالوا عنها إنها تتعلق بالمساطر الإدارية وكذا القروض البنكية، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الحالات التي تغيبت خلال إحصائها فأقصوا من لائحة المستفيدين. كما أن هناك بعض السكان الذين يعدون أصحاب "التزيينة" المكترون للأرض والمشيدون للمبنى، إذ يرفض هؤلاء التعويض نفسه الممنوح للمكترين، على أن تمنح لهم بدل شقة واحدة شقتان، اعتبارا لامتلاكهم منازل بالمدينة القديمة تتكون من طابقين أو أكثر مع الاستفادة من عائدات كرائها، في حين يتساءل الكثيرون بالمدينة ممن يفتقدون إلى مدخول قار، عن كيفية سد مبلغ 7 ملايين سنتيم للحصول على الشقة، وهو ما يجعلهم يطالبون بتبسيط الأمر عليهم بالشكل الذي يشجع على مغادرة المدينة القديمة. ولأن لكل أسرة قصة تمنعها عن الرحيل، إلى جانب تريث شركة "صونداك" في تسليم الشقق وفقا لنتائج دراسة الملفات، فإن "معضلة" المدينة القديمة التي تمتد على مساحات متفرقة من مركز الدارالبيضاء، مازال يفرض نفسه على انشغالات المعنيين بالشأن المحلي حتى يعثروا على حلول منصفة وناجعة تنهي مسلسل الدور الآيلة للسقوط وتنأى بسكانها عن القلق من شبح الموت تحت ركامها. المجمعات الصفيحية مازال بالدارالبيضاء مجمعات صفيحية تشوه جمالية المدينة وتعمق ظواهر اجتماعية مركبة، لذا على المسؤولين والمعنيين، في مستهل التدابير، البحث عن أسباب انتشار البراريك في رقعة جغرافية واسعة بالعاصمة الاقتصادية، إلى حد أصبحت فيه هذه المجمعات الصفيحية ملجأ للأسر النازحة من القرى على نحو يكرس معضلة العشوائية والفوضى. ولأن بعض التساهلات كانت لصالح بعض الراغبين في الإيواء، استطاع هؤلاء اقتناء بقع أرضية بمساحات مختلفة وبناء "براكة" تقاسمتها لاحقا أسر متفرعة عن الأسر الأصل، ومنها ما أعيد بيعها لنازحين جدد، حتى أصبحت "الكريانات" ظاهرة من ظواهر "السكن" بالدارالبيضاء، برره السكان بالمسكن "المتاح" في خضم ضعف الإمكانيات المادية، حسب ما أدركته "المغربية" أثناء زيارات تفقدية لمجموعة "أحياء صفيحية مثل "كريان "السكويلة" وكريان "سنطرال" وكريان "القبلة" وكريان "الخليفة" وكريان "باشكو" وكريان "الكريمات" وكريان "أمبيركو" وكريان "المعلم عبد الله"، وكريان "اشنيدر" وكريان "عريان الراس"، وكريان "القاضي بن ادريس"، وهي مجمعات تتوزع في جهات الدار البيضاء بين منطقة سيدي مومن ومنطقة الحي المحمدي، ومنطقة عين السبع ومنطقة عين الذئاب، ومنطقة المعاريف ومنطقة درب غلف، ومنطقة الألفة، ومنطقة عين الشق، وبهذا التوزيع لم يكن يسيرا حصر الحلول في فترة واحدة، ليجري بالتدريج استئصال أجزاء من "الكريانات" رحل سكانها إما عن طريق تعويضهم بشقق بديلة أو منحهم بقعا أرضية على أن تتكفل أسرتان مناصفة ببنائها. ترحيل تدريجي وفي الترحيل التدريجي لسكان "الكريانات" تمكنت الدار البيضاء خلال هذه السنة من إزالة "كريان" السكويلة أول الأمر، حيث تجري الأشغال ببقعته الأرضية لبناء شقق لسكانه، وتلاه التخلص من "كريان طوما" و"كريان زرابة"، واعتبر حذف هذه الدواوير بالذات إنجازا كبيرا لاحتضانها أعدادا هائلة من السكان. في حين شهدت باقي الدواوير هدم عدد وفير من "البراريك" لتصبح محصورة في أعداد يسهل إزالتها في المدى القصير، حسب المتتبعين للشأن المحلي. في السياق ذاته، فإن منطقة سيدي مومن، كانت تضم حوالي 23 ألف "براكة" بقي منها حوالي 7 آلاف "براكة"، في أفق تخليص المنطقة منها في القريب، حسب ما أكده مصدر مسؤول من مقاطعة سيدي مومن في تصريح ل"المغربية".