أعلن كريم غلاب، رئيس مجلس النواب، أن جلالة الملك وفر لشعبه سبل الانخراط في العصر الحديث الديمقراطي بأقوى نظام دستوري عرفه تاريخ المغرب، وبجرأة المراجعات والتصالحات الكبرى. قال غلاب إن هذه المراجعات والتصالحات تصالح فيها المغاربة مع أنفسهم على مستوى تصفية الملف الحقوقي، وبالسمو بوضع المرأة والأسرة، وبإعادة الاعتبار الدستوري للغة الأمازيغية، وبإحاطة جلالته لكل ذلك بسلسلة من الأوراش الإصلاحية الكبرى في التنمية السياسية والاقتصادية، وفي مجالات القضاء والصحة والتغطية الاجتماعية، وتكريم الفاعلين في الحياة الثقافية والإبداعية والمجتمع المدني. ودعا غلاب، في افتتاح الندوة الدولية حول موضوع "50 سنة من العمل البرلماني في المغرب وتطور الممارسة البرلمانية في العالم"، أمس الاثنين بالرباط، عموم البرلمانيين إلى الإيمان بكونية الفكرة الديمقراطية وأفقها الإنساني الرحب، مع التأمل لصيرورة العمل البرلماني في المغرب منذ نصف قرن، ورصد ومواكبة تطور الممارسة البرلمانية في العالم بوعي منفتح، مبرزا أن الندوة تندرج في قلب الاحتفال بمرور خمسين سنة على إحداث المؤسسة البرلمانية منذ سنة 1963، وانتخاب أعضائها، استنادا إلى أول نص دستوري في سنة 1963. وأوضح غلاب أن الأمة المغربية اختارت الديمقراطية الواضحة قبل ما يزيد عن نصف قرن، وقال "لها الحق اليوم أن تتأمل هذا الاختيار الجوهري، عبر محطاته الكثيرة بكل مصاعبها ولحظاتها القوية، حيث لا رجعة ولا تراجع عن هذا الاختيار الذي انخرط فيه المغرب الحديث بمختلف مرجعياته، وجعله منغرسا في تربة المجتمع ووجدان المغاربة". وأضاف أن "المغاربة شعب متعلق بتاريخه، شغوف بذاكرته الوطنية وبمراياها المضيئة، وبمحطاتها المجيدة، وها نحن نحتفل بحدث ديمقراطي يعبر الآن سنته الخمسين، وقد اشتد وتقوى وترسخ في حياة الأمة والتصق بهويتها الوطنية المعاصرة، وبثقافتها السياسية والاجتماعية"، مؤكدا أن "المغاربة في حاجة دائمة إلى التمرين على الذاكرة، كي لا ينسوا ما ينبغي ألا ينسوه ومن ينبغي ألا ينسوه، وكي يجددوا الأفكار والقراءات، حتى لا تتحجر الرؤية، أو تستسلم الإرادة للبداهة والروتين والسهو". ومن باب الوفاء للذاكرة، استحضر غلاب، في كلمته، جميع الرواد الذين بادروا إلى استنبات الفكرة الدستورية بالمغرب منذ بدايات القرن العشرين، منذ محاولة 1906، ومشروع النص الدستوري الأول سنة 1908، الذي أقبرته السلطات الاستعمارية الفرنسية، وصولا إلى المحاولة الريادية الأولى في السنة الأولى للاستقلال سنة 1956، التي أقدم عليها المغفور له محمد الخامس، عبر تأسيس المجلس الوطني الاستشاري، وإشراك أهم مكونات الأمة السياسية والنقابية والاجتماعية والدينية والثقافية، على أساس التوافق والتشاور والثقة المتبادلة، معتبرا أن تلك المبادرة كانت إرهاصا جديا عبر عن إرادة المغرب المستقل في التوجه نحو دولة القانون، والتعددية السياسية والاجتماعية، ونبذ نزعات الحزب الوحيد. وأضاف أن "الوفاء للذاكرة، وللتاريخ يقتضي أن نتمثل من جديد روح الملك الباني جلالة الملك الحسن الثاني، الذي هيأ لبلاده وشعبه أول نظام دستوري حشد له أفضل الكفاءات الفقهية الدستورية، لتبدأ أول فترة تشريعية سنة 1963، وصودق على ذلك الدستور في استفتاء شعبي، ثم جاءت الانتخابات بأول برلمان مغربي منتخب بغرفتين، ومنذئذ، ونحن نختبر اختيارنا الديمقراطي، وتراكمت التجارب والولايات التشريعية، وتراكم العمل البرلماني، بما له وما عليه، وكانت هناك الكثير من اللحظات الصعبة واللحظات المنفتحة". وقال غلاب إن "البرلمان في مغرب اليوم ليس مجرد بناية جامدة في قلب العاصمة، لكنه أضحى مؤسسة حقيقية مؤثرة مسموعة وفاعلة من مؤسسات الدولة، وأي حكم موضوعي، سيأخذ بالاعتبار أن لا أحد اليوم يطعن في مصداقية هذه المؤسسة، وفي حقيقتها التمثيلية على أساس اقتراع عام شفاف"، معتبرا أن المغاربة تخطوا المراحل الصعبة نتيجة جهود مثمرة صادقة وخلاقة للمؤسسة البرلمانية، في مختلف مجالات العمل البرلماني والإنتاج التشريعي، وأن البرلمان أصبح مكسبا للمغرب والمغاربة. يشار إلى أن البرلمان، بمجلسيه النواب والمستشارين، بلور خطة عمل استراتيجية لمواصلة تأهيل العمل البرلماني والارتقاء به بنيويا ومؤسسيا إلى مستوى اختصاصاته الواسعة، التي وفرها دستور 2011، ومستوى الانتظارات المختلفة الهادفة إلى أن يصبح البرلمان في قلب المجتمع، وأن تكون لأصوات ومطالب المجتمع أصداؤها في فضاء القبة البرلمانية.