أكد رئيس مجلس المستشارين، محمد الشيخ بيد الله، يوم الجمعة المنصرم، بلشبونة، أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس دفع بعملية إصلاحات عميقة تمخضت عنها ديمقراطية تشاركية جديدة كرسها دستور يوليوز 2011. وأوضح بيد الله، في كلمة خلال افتتاح ندوة نظمتها لجنة القضايا السياسية والديمقراطية بالجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا حول "التغيرات السياسية بالضفة الجنوبية للمتوسط والشرق الأوسط: دور المؤسسات التمثيلية"، أنه ليس صدفة إذا ما كان المغرب شكل استثناء بفضل مسيرة إرادية إصلاحية ومهيكلة لم تتوقف فيها الملكية عن لعب دور محرك كفاعل رئيسي للتغيير. وأضاف أن المغرب، البلد الوحيد بالمنطقة الذي اختار التعددية الحزبية واقتصاد السوق منذ استقلاله، والذي يخلد هذه السنة الذكرى 50 لبرلمانه، وضع كل السبل التي سمحت له بامتصاص موجة صدمة الربيع العربي في ظل الاستقرار والسلم الاجتماعي، مبرزا أن التعددية الحزبية والمجتمع المدني والصحافة الحرة تنشط في فضاء عمومي، منذ أزيد من نصف قرن. وأوضح بيد الله أن هذا المسلسل الشامل سمح بتعزيز الجانب الإيجابي في مجال حقوق الإنسان بفضل عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، وإقرار عدالة انتقالية نموذجية ومأسسة هويتنا المتعددة بمكوناتها، على الخصوص، العربية والأمازيغية والحسانية والعبرية والاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية. وينظم منتدى برشلونة بتعاون مع شبكة أغا خان للتنمية، ومؤسسة آنا ليند، والمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية. ويتدارس المشاركون، خلال هذه التظاهرة، عددا من المواضيع المتعلقة بالحكامة ودور المجتمع المدني إزاء الفاعلين الآخرين للحكامة، والحوار التفاعلي مع المجتمع المدني ودور البرلمانات، والحكومات، والسلطات المحلية والجهوية، والمنظمات الدولية. من جهة أخرى، ذكر بيد الله بأن هذا المسلسل الذي انخرط فيه المغرب بشكل إرادي سمح بتعزيز دور المرأة من خلال مدونة الأسرة الصادرة في 2004، والمجلس الوطني للمناصفة، الذي كرسه الدستور الجديد، ومأسسة مختلف أجيال حقوق الإنسان، وانفصال واستقلالية السلطات الثلاث، وتعزيز دور البرلمان، الذي بات يتحمل مسؤولية المبادرة التشريعية، وكذا ضمان دور وحق المعارضة في البرلمان. وقال إن الوضع المتقدم، الذي حصل عليه المغرب لدى الاتحاد الأوروبي، ووضع الشريك من أجل الديمقراطية لدى المجلس الأوروبي، ووضعنا الجيو استراتيجي كقنطرة بين أوروبا وإفريقيا والوطن العربي لا تتوقف عن التأثير في خياراتنا السياسية وتحملنا مسؤوليات جديدة. وذكر أن نموذجنا المجتمعي الذي كرسه الدستور يعد ثمرة هذا المسلسل ويستحق أن يواكب من طرف شركائنا الأوروبيين، وأن يتم تأمينه بهدف خلق فضاء للازدهار المشترك والمشاركة، أيضا، في استقرار الأوضاع بهذه المنطقة. وأضاف بيد الله أنه لم يتمخض عن التطورات العفوية والفوضوية ودون إيديولوجيات أو زعماء كاريزماتيين، والتي هزت وضع الجمود الذي يسود ببعض الدول منذ نصف قرن، أي وضع أفضل منشود. وشدد على أنه فضلا عن الأمل المثار بشأن تحرك الشباب والديمقراطيين عبر العالم، تم تحقيق تقدم ملحوظ كعقد انتخابات حرة، وتعزيز دور المجتمع المدني، والمزيد من حرية التعبير والتجمع. وقال إن تحديات أخرى تواجه المنطقة وتهدد السلم والأمن الدوليين مثل الحرب الأهلية في سوريا، والتجاذبات الوليدة بين القوى المسماة علمانية ونظيرتها التي يطلق عليها الإسلامية والتوترات المذهبية السائدة، والتي تهدد بتمزيق بعض المجتمعات التي عاشت بانسجام في ما بينها منذ قرون. وأضاف أن هذه اللوحة لن تكون غير مكتملة إذا لم نتطرق إلى الانتقال الديمغرافي التي تشهده مجمل المنطقة ومشكلة بطالة الشباب من جهة، ومن جهة أخرى الحاجة الماسة إلى ضمان حياة تليق بشريحة من السكان، التي توجد في مرحلة الشيخوخة، وقال إنه إذا أضفنا لهذه التحديات العجز في المجال التربوي وفي مجال الحكامة، فإنه يمكن قياس درجة هشاشة هذه الانتقالات الديمقراطية والحاجة الماسة إلى تأمينها. ويشارك، أيضا، في أشغال منتدى برشلونة رئيس مجلس النواب، كريم غلاب، ونائب رئيس المجلس، محمد يتيم، علاوة على أعضاء من غرفتي البرلمان. يذكر أن المغرب ممثل على مختلف المستويات في مجلس أوروبا، وعلى الخصوص، اللجنة الأوروبية للديمقراطية والحقوق (لجنة البندقية) منذ سنة 2007، وبالمركز الأوروبي للتضامن العالمي (مركز شمال جنوب) منذ 2009، وبمجموعة "بومبيدو" لمكافحة تعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع فيها منذ يوليوز 2011. وفي شتنبر 2012، انضم المغرب إلى مركز الدراسات والبحوث البرلمانية لمجلس أوروبا، الذي يسمح للبرلمان المغربي بولوج قاعدة وثائق مجلس أوروبا. ويعد المغرب أول بلد غير عضو في المنطقة المتوسطية يحصل على "وضع شريك من أجل الديمقراطية" في 21 يونيو 2011، تقديرا له على الجهود التي بذلها في السنوات الأخيرة من أجل ترسيخ الديمقراطية والنهوض بحقوق الإنسان.