إذا كان هناك تعارض بين بعض مقتضيات مبادئ قرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا مع المبادئ الدينية والثقافية لبلدنا، فإن على المغرب أن يتحفظ ويبدي ذلك بصراحة، فهناك العديد من الدول الأعضاء في المجلس لم تلغ عقوبة الإعدام ولا تنفذ العديد من المقتضيات المذكورة بالنظر لأن مجلس أوروبا متخصص في دعم وحماية قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، فإنه بالإمكان اليوم من داخل المؤسسة تقييم وانتقاد السياسات الأوروبية تجاه المغاربة هناك، من داخل مؤسسة أوروبية اعتبر الدكتور سعد الدين العثماني رئيس برلمان حزب العدالة والتنمية المغربي أن قرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا منح المغرب وضع شريك من أجل الديمقراطية اعترافا بما حققه المغرب في المجال الديمقراطي. وأكد نائب رئيس مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) في حوار مع «العرب» أن هذا الوضع يفرض على المغرب التزاماتهم مجال حقوق الانسان، والديمقراطية والشفافية ومحاربة الرشوة، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، ومشاركة المجتمع المدني في المسلسل التشريعي وإصلاح القضاء. وشكر الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية مجلس التعاون الخليجي على مبادرته بطلبه من المغرب الانضمام اليه، معتبرا أنها تعكس التقارب السياسي والإنسانين فضلا عن الروابط الدينية والقومية بين الطرفين.وفي ما يلي نص الحوار: ● صوتت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بالإجماع في يونيو الماضي على قرار منح المغرب وضع شريك من أجل الديمقراطية، فما السياق الذي جاء فيه هذا القرار؟ ●● الدكتور سعد الدين العثماني: صادقت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بالإجماع خلال اجتماع لها في ستراسبورغ الفرنسية في الفترة الممتدة من 20 إلى 24 يونيو 2011 على مشروع قرار يقضي بقبول طلب البرلمان المغربي بالحصول على وضع الشريك من أجل الديمقراطية لديها. وجاء القرار بناء على تقرير حول الترشيح المغربي قدم من قبل الإيطالي لوكا فولونتي رئيس مجموعة الحزب الشعبي الأوروبي. أوضح فيه أن «الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب تحتاج إلى دفعة سياسية جديدة يسهم فيها البرلمان بشكل أكثر فعالية، واعتبر أن «منح هذا الوضع يتعين أن ينظر إليه كبادرة مشجعة للبرلمان المغربي للاضطلاع بدور أكبر في المسلسل الإصلاحي» الذي انخرط فيه المغرب. وبالتالي، فهذه الصفة تأتي اعترافا أوروبيا جديدا بالإنجازات التي حققها المغرب في المجال الديمقراطي. كما أن هذه المبادرة تدخل في إطار مبادرات الجانب الأوروبي الهادفة إلى توسيع علاقات الشراكة التي تربطه بالمغرب باعتباره شريكا استراتيجيا في المنطقة، ومأسسة هذا الحوار ليرقى إلى مستوى طموحات الطرفين. ● أنتم اشتغلتم على الطلب المغربي، ماذا يعني المغرب شريكا لأوروبا من أجل الديمقراطية؟ ●● بهذا القرار سيصبح البرلمان المغربي أول برلمان يستفيد من هذا الوضع الجديد، الذي تم إرساءه سنة 2010 من أجل تعزيز التعاون المؤسساتي مع برلمانات الدول غير الأعضاء بالمناطق المجاورة الراغبة في المشاركة في النقاش السياسي حول الرهانات المشتركة التي تتجاوز الحدود الأوروبية. ويسمح وضع الشريك من أجل الديمقراطية للوفد البرلماني المغربي بالمشاركة في كل أنشطة الجمعية البرلمانية الأوروبية، وأخذ الكلمة في الجلسات العامة المنظمة بمقرها في ستراسبوغ بفرنسا وفي اللجان التابعة لها. وعمليا، فإن هذا سيمكن المغرب من الدفاع مباشرة وحضوريا عن مصالحة ومصالح المغاربة المهاجرين والمستقرين بأوروبا. وبالنظر لأن مجلس أوروبا متخصص في دعم وحماية قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، فإنه بالإمكان اليوم من داخل المؤسسة تقييم وانتقاد السياسات الأوروبية تجاه المغاربة هناك، من داخل مؤسسة أوروبية. ● هل يطرح هذا الوضع (الشراكة) على المغرب التزامات؟ ●● بالفعل هناك التزامات تهم بالخصوص محاور النهوض بحقوق الانسان، والديمقراطية والشفافية ومحاربة الرشوة، كما وجهت لائحة للمجالات ذات الأولويات التي ينتظر إحراز تقدم بها، ومنها على الخصوص تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، ومشاركة المجتمع المدني في المسلسل التشريعي، وإصلاح القضاء وتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل، كما أن المغرب التزم، تحت إشراف هذا المجلس، بالعمل بحسن نية وجدية على البحث عن حل توافقي للنزاع المفتعل حول قضية الصحراء المغربية. وفي هذه المحاور كلها هناك أمور متفق عليها ولا تطرح إلا إشكال القدرة على التنفيذ، كما هناك أمور للمغرب عليها تحفظ من زاوية مبدئية أو من زاوية المصالح الحيوية. ● قيل إن قرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا المذكور يطالب المغرب بمناصفة بين الرجال والنساء في الحياة السياسية، والاعتراف بحرية المعتقد وإلغاء حكم الإعدام، ألا يطرح هذا مشكلة للمغرب؟ ●● هذا صحيح بشكل ما، إنه يجب التأكيد أولا على أن الهدف من إنشاء هذه الصفة في المجلس هو تطوير التعاون مع برلمانات الدول غير الأعضاء من المناطق المجاورة، بغية تعزيز التحولات الديمقراطية والنهوض بالاستقرار والحكامة الجيدة واحترام حقوق الإنسان ودولة القانون. وإذا كان هناك تعارض بين بعض مقتضيات تلك المبادئ والقيم مع المبادئ الدينية والثقافية لبلدنا، فإن على المغرب أن يتحفظ، ويبدي ذلك بصراحة. وعلى كل حال هناك العديد من الدول أعضاء في مجلس أوروبا لم تلغ عقوبة الإعدام ولا تنفذ العديد من المقتضيات المذكورة. ● ما دور الوفد المغربي (ستة برلمانيين ومندوبوهم) في الجمعية المذكورة والحال أن القرار لا يمنحه حق التصويت؟ هل هو وضع شرفي أم كيف؟ ●● لقد كان المغرب ممثلا على مستوى جهازين تابعين لمجلس أوروبا، هما اللجنة الأوروبية من أجل إقرار الديمقراطية عن طريق القانون (المعروفة بلجنة البندقية) منذ سنة 2007، والمركز الأوروبي للترابط والتضامن العالمي (مركز شمال - جنوب)، وذلك منذ سنة 2009، وهو أول بلد من بلدان الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط ينضم إلى هذه الهيئة الهادفة إلى تحفيز الحوار بين الشمال والجنوب. واليوم مع وضعية شريك من أجل الديمقراطية يمكن للوفد مغربي أن يشارك في جميع المناقشات داخل اللجان وفي الجمعية البرلمانية، وأن يقترح أو يسهم في اقتراح قرارات المجلس، بيد أنهم لا يستطيعون التصويت. ● المغرب الآن له اتفاقية التبادل الحر مع الولاياتالمتحدة الاميركية، والوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، ومعروض عليه الانضمام لمجلس التعاون الخليجي، ما رأي حزب العدالة والتنمية في الطلب الخليجي؟ وهل المغرب قادر على تحديات واستحقاقات هذه الشراكات المختلفة؟ ●● هذه شراكات مختلفة من حيث أهدافها، ولا تعارض فيما بينها، وإذا قام المغرب بالتدبير الجيد فستتكامل. أما بالنسبة للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، فإنه يعكس التقارب السياسي والإنساني إضافة إلى الروابط الدينية والقومية بين الطرفين، ولا يمكن في هذا السياق إلا أن نوجه الشكر لقادة مجلس التعاون على مبادرتهم. ويظهر لي شخصيا أن الحوار يجب أن ينصب حول أفضل علاقة بين المغرب والمجلس، وإن كنت أفضل البدء بشراكة قوية أكبر من مجرد التعاون وأقل من العضوية حيث ستستفيد المنطقة كلها من ذلك، ونعطي نموذجا جديدا للتعاون الإقليمي المتميز.