على بعد حوالي 15 كيلومترا من تاونات، نظمت الدورة السادسة لمهرجان القراءة، من 10 إلى 13 أكتوبر في جماعة بوهودة، ولقي صداها ارتياحا كبيرا كما كان لها إقبال واسع من طرف أطفال ويافعين قدموا من دواوير منعزلة في قمم جبال شامخة عالية. تنظم مهرجانا ينشر ثقافة القراءة بين أطفال القرى النائية بتاونات بعد النجاح الذي حققته الدورات السابقة، قررت جمعية التنمية المحلية والتعاون في جماعة بوهودة، المواظبة على تنظيم مهرجانات القراءة، لترسيخ لذة القراءة بين السكان، لأن المشرفين على المبادرة يرونها أساس التنمية الفكرية والحضارية. لمعاينة أنشطة المهرجان عن قرب، زارت "المغربية" جماعة بوهودة، واستقت ارتسامات الوافدين والمشاركين، الذين أجمعوا على أن القراءة بالنسبة للعديد من الأطفال وسيلة للخروج من عالم العزلة، وأنها ضرورية لتكوين رصيد لغوي وثقافي يساعد على مسايرة عجلة التنمية الاجتماعية، فيما اعتبرها مبارك الشنتوفي، نائب رئيس الجمعية المحلية للتنمية والتعاون، أساسية بالنسبة إلى "أمة اقرأ، وهي لا تقرأ". كانت الشمس تتأهب للمغيب في مدينة تاونات عندما وصل العديد من المشاركين إلى مدينة تاونات قادمين من فاس ووجدة والدارالبيضاء والرباط. وبدت عقارب الساعة تسابق منظمي المهرجان، الذين التزموا بتوفير الوسائل الضرورية للمبيت بدوار الشرفاء، التابع لجماعة بوهودة. لم يصل بعض المشاركين إلا في وقت متأخر من المساء، بعدما حل الليل، وخيم السكون إلا من نباح بعض الكلاب، التي كانت تحرس المنازل المتناثرة في منعرجات على قدم الجبال، وخرير الماء العذب النابع من وسط الصخور. كانت فكرة ترسيخ ثقافة القراءة تراود مبارك الشنتوفي، نائب رئيس الجمعية، الذي ترعرع في وسط مثقف، إذ أن والده كان يقرأ ويكتب، وكان جده فقيها وعالما بعلوم العصر(حاملا للشهادة العالمية في سنة 1956). كان الجد يقرأ جريدة العلم، فيما كان الوالد يحكي قصص ألف ليلة وليلة. قال الشنتوفي، ل"المغربية"، إن والده كان على بينة بأهمية القراءة والعلم وكان متواضعا يعي كل الوعي أهمية الدراسة، وأن جده كان قاضيا في تغزوت وكتامة، وكان يقول إن القراءة هي الطريق الوحيد للخروج من وضعية الفلاح، ولأ جده كان قاضيا، كان له تأثير في مساره الدراسي وحياته الثقافية. تعود فكرة مهرجان القراءة، حسب الشنتوفي، إلى شغفه بالاطلاع على كل ما ينشره الكتاب والمفكرون، ويرجع الفضل في حبه للقراءة للأساتذة الذين حرصوا على ترسيخ المبادرة بين تلاميذ المنطقة في الستينيات من القرن الماضي. يتذكر الشنتوفي أنه في سنة 1965 كانت هناك مكتبة بمدرسة بودة بالمنطقة، وهو مدين للأساتذة المغاربة والفرنسيين، الذين شجعوا جيله على القراءة. عندما انتقل الشنتوفي إلى إعدادية تاونات، في أواخر الستينيات من القرن الماضي، كان يتعاطى للقراءة، وكان يطلع على كتب بالعربية والفرنسية. كانت الأنشطة الموازية للدراسة تهتم بالسينما وبالمسرح وبالقراءة، وكانت هناك مكتبة غنية بالكتب. فكر الشنتوفي في خلق مكتبة لفائدة سكان قريته منذ كان عمره لا يتجاوز 14 سنة، ولم يتحول الحلم إلى واقع إلا سنة 2005. وكانت فكرة إشاعة ثقافة القراءة فرضية أساسية في مسار شعب، ولا يمكن تهميشها "لأننا نحن أمة اقرأ ولكن لا نقرأ" يقول الشنتوفي، الذي تحدث عن أمهات قدموا مع أبنائهم في دورات سابقة للاستفادة من أنشطة مهرجان القراءة. في صباح مبكر من يوم الخميس 10 أكتوبر الجاري، توافد على مقر الجمعية المحلية للتنمية والتعاون أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة، للمشاركة في ورشة الرسم، ضمن البرامج المسطرة في مهرجان القراءة. اعتبر المنظمون المهرجان المبادرة الوحيدة التي تهتم بالشؤون الثقافية لسكان جماعة بوهودة الذي يتجاوز عددهم 26 ألف نسمة، حسب إحصائيات سنة 2004. واعتبر المشاركون في محاضرة ألقاها أحمد شراك، باحث وأستاذ جامعي، الشنتوفي هو راعي مبادرة القراءة في تاونات. بدوره، أكد الشنتوفي استعداده لنقل الكتب على الدواب إلى الدواوير النائية بغية نشر ثقافة القراءة، وتوسيع دائرة الاستفادة مما يجود به المفكرون والأدباء من جديد، خاصة أن هناك أسرا تعيش في قمم منعزلة ضربت عليها حصارا طبيعيا يجب فكه.