عقدت فعاليات حقوقية وإعلامية وسياسية، الجمعة الماضي، لقاء تواصليا بالرباط، إحياء للذكرى الثالثة لاختطاف المناضل الصحراوي مصطفى سلمى ولد سيدي مولود مصطفى سلمى في اعتصامه أمام مكتب مفوضية اللاجئين بموريتانيا (خاص) والذي دخل عامه الرابع في الاعتصام أمام مقر مفوضية شؤون اللاجئين بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، موزعا أيامه بين الاحتجاج والإضراب عن الطعام، وتوجيه الرسائل إلى الجهات الدولية المسؤولة عن حقوق الإنسان، بهدف إنصافه وتمكينه من العودة إلى المخيمات، وبصفته واحدا من قادة البوليساريو، قرر التعبير عن رأي مخالف للجبهة، ودعا إلى القبول بمقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب من أجل إنهاء نزاع الصحراء المغربية المفتعل. وقال محمد الشيخ ولد سيدي مولود، رئيس لجنة دعم ومساندة مصطفى سلمى، إن ردة فعل البوليساريو والجزائر على قرار مصطفى بتأييد مشروع الحكم الذاتي كان هو الاختطاف والاعتقال والنفي، وأن المجموعة الدولية لم تتحمل مسؤوليتها إزاء البوليساريو والجزائر، وفضلت سياسة الكيل بمكيالين، فيما مصطفى يخوض معركة الأمعاء الخاوية ويتشبث بحقه في الرأي والاجتماع بأهله والنضال من أجل إنهاء نزاع الصحراء المغربية. من جهتها، أثارت نعيمة المشرقي، رئيسة جمعية "ائتلافنا وطننا"، الجانب الكارزماتي في شخصية مصطفى سلمى عندما التقت به في أول زيارة تضامنية معه بعد نفيه إلى موريتانيا، وأبرزت قوة اقتناع الرجل بقضيته، وعزمه الكبير في التضحية من أجل كشف زيف الأطروحات التي روجتها البوليساريو، متخذا من مكان اعتصامه فضاء للتعبير والتواصل. وأبدت المشرقي استغرابها الشديد للضجة الإعلامية الكبرى، التي لقيتها أمينتو حيدر، المدفوعة من قبل البوليساريو والجزائر، فيما مصطفى يدخل عامه الرابع من المعاناة والتضحيات والتنديدات دون أن يكون له سند. وشجبت المشرقي بعض المؤسسات المعنية بقضية الصحراء ونبهت إلى تقصيرها في أداء مهمتها تجاه قضية مصطفى سلمى، وشبهت مصطفى سلمى في استماتته بنيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، والمهاتما غاندي في الهند. من جانبها، عبرت بديعة الراضي، عضو الكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عن الحيز المهم الذي يحتله ملف مصطفى سلمى لدى قيادة الحزب، كما لدى كافة مناضلات ومناضلي الاتحاد الاشتراكي، منذ بداية القضية، وأشارت إلى الزيارة التضامنية الأخيرة، التي قام بها إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب إلى مصطفى سلمى في مكان اعتصامه بنواكشوط، والتي حظيت باهتمام بالغ في وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية. ودعت الراضي إلى وضع "استراتيجية محكمة بين كافة الجهات المعنية بملف الصحراء المغربية، من أجل دعم قضية مصطفى سلمى من خلال خطة طريق هادفة يستثمر بها المغرب مشروعية قضية هذا المناضل، الذي فضل تأييد المقترح المغربي من داخل المخيمات في تندوف، وليس من خارجها". أما محمد نشناش، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فجدد دعمه لقضية مصطفى سلمى بكل ما تتضمنه من معطيات حقوقية مشروعة، وقال "إننا منذ البداية نتعامل مع قضية مصطفى من الباب الحقوقي، ووجدنا فيها ما يفرض علينا التحرك بكل ما نملك من وسائل لإظهار حقوقه الإنسانية المهضومة بسبب ما تعرض ويتعرض له"، وأكد نشناش وقوف المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مع مصطفى سلمى لدى الجهات المعنية داخل المغرب وخارجه. بدوره، أفاد محمد الزهاري، رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، أن قضية هذا المناضل الصحراوي تستحق الاعتناء وتفرض تعبئة خاصة، لأنها ليست قضية عادية، مشددا على دور الأجهزة الحقوقية الدولية في التحرك العاجل من أجل إنهاء الوضعية الشاذة التي يعيشها في ظل تجاهل دولي لا مبرر له سوى الخضوع للضغوط الجزائرية. ودعا الزهاري إلى فتح مخيمات تندوف في وجه المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية، وإجراء إحصاء لسكان المخيمات والسماح لهم بالحريات، التي يخولها لهم القانون داخل البلد الذي يستوطنهم في المخيمات. من جانبه، قال العربي الحرشي، نائب برلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، ورئيس المجلس البلدي لمدينة وزان، في تدخله، إن قضية مصطفى سلمى أصبحت قضية المغاربة جميعا، مشيرا إلى أن مصطفى اختار النضال من داخل المخيمات، ومن تحت خيمة الصحراويين الموجودين في تندوف، وبذلك فإن قضيته تمثل بالنسبة لكافة الأحزاب السياسية المغربية على اختلاف مشاربها وكافة الجمعيات والنقابات والهيئات الموجودة فوق أرض المغرب منطلقا للعمل المشترك، والدفاع المستميت عن حقوق الصحراويين الذين يعيشون في المخيمات رغما عنهم، بعدما غرر بهم، وقال الحرشي "إنهم لم يختاروا أن يولدوا هناك، ولم يختاروا العيش فوق أرض الجزائر، لكنهم اختطفوا، كما اختطف مصطفى سلمى وعمره 11 سنة، بمعية عائلته وكذلك مئات وآلاف الصحراويين، الذين اتخذتهم الجزائر ذريعة لمحاربة المغرب، بعد المسيرة الخضراء عام 1975". وعن هذه الحقبة من التاريخ الفاصل في قضية الصحراء، قال نورالدين بلالي، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو، والسفير السابق للجبهة في كل من ليبيا وسوريا، في كلمته، إن تأسيس البوليساريو كان بدافع حسابات جيوسياسية إقليمية ودولية، أملاها الصراع بين الجزائر والمغرب، وبين المعسكرين الشرقي والغربي، وأن المغرب وصحراءه كانا ضحية مخططات كبرى، سرعان ما فطن إليها صحراويون كثيرون، وعادوا إلى المغرب لخوض المعركة التي مازالت مستمرة. وقال القيادي السابق في البوليساريو إن "كافة مؤسسي الجبهة عادوا إلى الوطن، باستثناء قلة قليلة تربطهم بالنظام الجزائري تعاقدات شخصية"، وأضاف أن الصراع لا بد أن يجد طريقه إلى الحل مع الجزائر وليس مع جبهة البوليساريو، التي تخضع لأوامر السلطة الجزائرية، وبالتالي فهي ليست ممثلا للصحراويين. وفي تدخله، قال محمد علي حامد، رئيس الجماعة الإسلامية بسبتة المحتلة، إن "قضية مصطفى سلمى تفرض علينا مراجعة حساباتنا فهي قضية إنسانية قبل كل شيء، وتلزمنا أن نفكر في الإنسان وفي معاناته وهمومه وحرمانه، وهي أيضا قضية تشكل المدخل الرئيسي لحياة والأوضاع الإنسانية الصعبة لآلاف الصحراويين الذين يعيشون في المخيمات"، وأضاف أن "على المغرب أن يهتم بالإنسان والأرض معا"، داعيا إلى تكتل حقيقي مدروس لمساعدة مصطفى سلمى وباقي الصحراويين الذين تستعملهم الجزائر كوقودها في آلتها الحربية ضد المغرب. وفي موضوع التعاطي الإعلامي مع قضية مصطفى سلمى، أكد نورالدين لشهب، الصحافي بالجريدة الإلكترونية "هيسبريس"، أن زيارة مصطفى سلمى والتحاور المباشر معه يحيل المرء على فهم كثير من المعطيات، منبها إلى أن مصطفى يصر على التحدث بصفته واحدا من جبهة البوليساريو، إلا أنه قرر استعمال حقه في الاختيار والتعبير، وهو ما لا تسمح به البوليساريو. وشدد لشهب على ضرورة استغلال هذا المعطى بفتح الطريق في وجه مئات وآلاف الصحراويين في المخيمات للتعبير عن مواقفهم بحرية شجاعة، وقال إن مصطفى يعلم أن تيارا عريضا في المخيمات ينظر إليه ويؤيده في مسعاه ويتتبع أخباره ويريد الاقتداء به، مستشهدا بنموذج الفنان الناجم علال بلبل المخيمات، الذي انقلب بدوره على جبهة البوليساريو وقرر إطلاق صوت الحرية من داخل المخيمات، التي تعيش أوضاعا ملتهبة في ظل القمع والاضطهاد. وحول هذا الموضوع، أسهب صبري الحو، رئيس المركز المغربي للحريات والحقوق، في كشف الجوانب الحقوقية والقانونية، التي تورط البوليساريو ومعها السلطات الجزائرية، بسبب الخروقات التي ترتكب في المخيمات فوق أراض جزائرية، وأشار صبري إلى أن المؤسسات الدولية بدورها تتحمل مسؤولية ما يجري في تلك المخيمات، موضحا أن قضية مصطفى سلمى وفرت المعطيات الكافية لإدانة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على تخليها عن دورها فوق الأراضي الجزائرية وكذا في موريتانيا. وقال صبري إن "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وغيرها من المنظمات التابعة للأمم المتحدة، لم تشتغل بنزاهة في قضية الصحراء، خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان في المخيمات"، ودعا الجهات المغربية المعنية بقضية الصحراء إلى تقوية موقعها في الساحة الدولية، انطلاقا من دفاعها العادل على القضايا الحقوقية للإنسان الصحراوي في الجزائر وإلزامها باحترام حريات الأفراد في التعبير والاختيار وتقرير المصير، بدل تكميم الأفواه والزج بالمنتفضين في السجون ومنع بعضهم من الدخول والخروج إلى المخيمات. أما فوزي الرحيوي، رئيس الائتلاف الدولي للوحدة الترابية المغربية، فأشار إلى اهتمام تنظيمه بقضية مصطفى سلمى منذ بدايتها، مستدلا بالمحطات التي قادها للتعبير عن تضامنه مع المناضل الصحراوي، داعيا الجهات المغربية المسؤولة إلى الوقوف الحقيقي مع مصطفى سلمى حتى تمكينه من مبتغاه وتحقيق حلمه بالاجتماع مع أهله. في ختام اللقاء التواصلي، ألقى مولاي إسماعيلي ولد سيدي مولود، والد مصطفى سلمى، كلمة شكر فيها الحضور، وجدد دعوته بالوقوف إلى جانب ابنه، وقال "إنها معركة من أجل استعادة الحقيقة، وكشف الزيف ودحض الباطل"، وقال أيضا "لا الأممالمتحدة ولا أي مؤسسة أخرى في العالم تملك الحق في نزع الصفة المغربية عن الصحراويين"، مؤكدا أن "الصحراء مغربية بمغربية أبنائها، والبوليساريو بدعم من الجزائر يتصرف بشكل غير منطقي، ولا يمكن أن يكون جزءا من الحل وهو تحت سيطرة حكام الجزائر".