لم يكن محمد الصديق معنينو، مواليد 1944 بمدينة طنجة، يتردد في خوض غمار تجارب الحياة والمهنة، فلم يكن هناك شيء أسهل بالنسبة له من أن يعزز الثقة في كفاءاته، ليصقلها بالمثابرة والاجتهاد، ليكون عطاؤه سجلا من المواقف والأحداث معنينو خلال مواكبة أطوار 'المسيرة الخضراء' كانت النساء بطرفاية يستفدن من مياه البحر في تنظيف الملابس وغسل الخضر والفواكه، ليزدحم الشاطئ بالمتعطشين لعذوبة البحر، كما يزدحم بمن تستهويهم عملية صيد السمك، في حين كان البعض يثيرهم التجول على رمال الشاطئ، فالعديد من المشاركين الذين يقطنون المدن الداخلية يكتشفون لأول مرة طبيعة الحياة في الأقاليم الساحلية، وآخرون يتعرفون لأول مرة على وقع مياه البحر الجارية على أنفسهم، لينغمسوا في عذوبتها بتفاعل واضح، بعدما أصبح الكثيرون يرتادونه بشكل يومي غير مضيعين فرصة الوجود بطرفاية، هكذا كان يصف معنينو مشهد تجاوب المتطوعين مع طبيعة الإقليم. ولأن المكوث في طرفاية لم يكن محسوما بأجل معين، فإن كل المتطوعين جلبوا معهم فرقا فلكلوية لإحياء حفلات صغيرة تنأى بهم عن الشعور بالملل في أجواء صحراوية، فترتيبات المسيرة كانت تأخذ بعين الاعتبار كل الشروط اللازمة لتفعيل أجواء الحماس في المشاركين على نحو مستمر، حسب ما قاله معنينو، معبرا عن إعجابه بتلك الظروف الاجتماعية والإنسانية التي خلقها المشاركون بتعايش وطيد بينهم. في كل جهة من الخيمات المنتصبة على أرض طرفاية، كان معنينو بحسه المهني يحاول رصد المشاهد التي تصادفه وهو يتنقل بين المشاركين، ليصور بعدسته لقطات معبرة عن حياة أخرى لهؤلاء، بعدما تعودوا على نمط مختلف تماما عما عاشوه بطرفاية. ويروي معنينو أن البعض وجد نفسه مدعوا إلى أن يشارك في إعداد الطعام وترتيب مكان نومه، والبعض الآخر اكتشف أن النوم تحت ظل خيمة في جو صحراوي يقتضي سعة صدر، بعدما تعود في مدينته على مناخ آخر، في حين اقتنع آخرون بأن الفراغ الذي قد يقتحم الحياة يتطلب التخلص منه بالمساهمة في خلق الأحداث والمواقف، لهذا كانوا يترجمون حاجتهم إلى الاستئناس بتكوين مجموعات والرقص على إيقاعات فلكورية تختلف نوعيتها من مدينة لأخرى. وحين كانت الأجواء الاحتفالية تأخذ حصة من وقتهم المسائي، كان البعض يتكفل خلال النهار بدعوة الناس للاستماع إلى شروحات ومعلومات تتعلق بالدين والحياة، ليستطيع المشاركون بهذا النوع من المحاضرات استحضار تجليات الحياة بكل أبعادها وهم في خضم أهداف وطنية بحتة. بعض المشاركين كانوا لا ينفكون عن التعاون مع القائمين عليهم بطرفاية، ليمضون إلى الفضاء حيث تلقي تلك الطائرات الضخمة بأطنان من أكياس الخبز والطازج والخضر حتى يساعدوا باقي المشاركين في نيل حصصهم بشكل منتظم وعادل. كان معنينو يتابع الوقائع الاجتماعية التي خلقها المشاركون بعفوية تامة في طرفاية، ليحاول التنويع في التقاط المشاهد ونقلها للرأي العام حتى يستطيعوا بدورهم سبر المعاني الوطنية والإنسانية التي ألفت بين هؤلاء ومزجت بين عاداتهم وثقافاتهم على أرض طرفاية. ونوه معنينو خلال معرض حديثه مع "المغربية"، بالدور الطلائعي الذي لعبه ربابنة الطائرات الضخمة، الذين جاهدوا في توفير كل المواد الغذائية للمتطوعين إلى حد كانوا لا يجدون فيه متسعا من الوقت لاستعادة الراحة، إيقانا منهم أن أي تأخير في وصول المؤونات إلى المتطوعين قد يشوش على أوضاعهم الطبيعية بالإقليم، لهذا كانوا يبذلون جهودا جبارة لتحقيق الاكتفاء الذاتي لهم، بالشكل الذي أوصوا به، حتى يستطيع المتطوعون مواصلة حياتهم العادية بطرفاية إلى حين إعلامهم بموعد "المسيرة". في الحلقة المقبلة سيتحدث معنينو عن رجوعه لأكادير للاستماع وتغطية خطاب جلالة المغفور له الحسن الثاني