لم يكن محمد الصديق معنينو، مواليد 1944 بمدينة طنجة، يتردد في خوض غمار تجارب الحياة والمهنة، فلم يكن هناك شيء أسهل بالنسبة له من أن يعزز الثقة في كفاءاته، ليصقلها بالمثابرة والاجتهاد، ليكون عطاؤه سجلا من المواقف والأحداث معنينو في إحدى مهماته الصحفية كان وقع الإعلان عن انطلاق المسيرة الخضراء، كبيرا على نفوس المغاربة جميعا، حتى اندفعوا إلى تنظيم وقفات وتظاهرات في مختلف المدن، مناصرة لنص الخطاب الملكي الداعي إلى الانخراط في المسيرة، أما الصحافيون المغاربة والإعلاميون الأجانب، فلم يتكهنوا رغم قراءاتهم المتعددة وتحليلاتهم المختلفة للخلاف القائم بين المغرب وإسبانيا حول أقاليم الجنوب آنذاك، أن يعلن جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني، عن تنظيم مسيرة بحشد هائل من المواطنين المغاربة نحو أقاليم الجنوب، يقول معنينو بأسلوب ينم عن انبهار بفكرة "المسيرة" حيئذ، موضحا أن الإعداد القبلي الذي جرى بسرية تامة لهذا الحدث، سمح بأن تكون جميع المكاتب الخاصة بتسجيل المتطوعين جاهزة لاستقبالهم في ظروف منتظمة ومقننة. ويروي معنينو ل"المغربية"، أنه بعد الخطاب الملكي، توافد الصحافيون والإعلاميون الأجانب من كل البلدان لمواكبة حدث المسيرة باهتمام شديد. ويصف معنينو مشاهد خروج المغاربة في تظاهرات ووقفات، بأنها كانت بمثابة حركات شعبية تجدد أواصر الوطنية فيهم، وتبلغ العالم بأنهم مجندون ضد كل من يمس وحدتهم الترابية. وقال معنينو إنه في خضم تلك الحركية التي عاشتها مختلف مدن المغرب، كان من الواجب عليه تتبع الأحداث وإنجاز تقارير وربورتاجات في ذلك، لبثها في التلفزة، لهذا كان منشغلا بالاطلاع على كل مستجد أول بأول. وفي سياق الأحداث اتصل به وزير الإعلام آنذاك أحمد الطيب بنهيمة للانتقال على وجه السرعة إلى مراكش قصد تكليفه بمهمة إعلامية، استدعت منه أن يجمع بين خبرته الصحافية وخبرته بالتوطين الجغرافي، ولأن معنينو كان ملما بالتاريخ والجغرافيا، فقد وفق في أن يبلغ الرأي العام بتحركات المشاركين في المسيرة نحو أقاليم الجنوب عبر الشاحنات. وذكر معنينو ل"المغربية" أنه عند وصوله إلى مراكش، خرج باحثا في المكتبات والمحلات عن قطع "كرطونية" بحجم كبير مع بعض الأدوات (الورق والمقص واللصاق)، لابتكار خريطة كبيرة تمثل جغرافية المغرب بشكل مفصل نوعا ما، حتى يتسنى له تشكيل رموز وإشارات بالورق، تدل على تنقلات الشاحنات في اتجاه أقاليم الجنوب. ولا ينسى معنينو كيف أنه ركز كل جهوده لنسخ نموذج لخريطة المغرب على تلك القطعة "الكرطونية" الكبيرة، ليخطط عليها أسماء المدن والأقاليم والطرقات والسكك الحديدية، ومن ثمة يمكنه تحريك تلك الرموز الورقية على امتداد الخريطة الكبيرة، أمام المشاهدين عبر البث التلفزي، كما لو أنهم يتابعون عن كثب مسارات الشاحنات التي تواصل سيرها نحو أقاليم الجنوب. فخبرة معنينو السابقة في نقل أحداث الشرق الأوسط باعتماد الخريطة على النحو نفسه، وتحريك دبابات ومدفعيات ورقية، جعلته يتقن مواكبته لتنقل الشاحنات، فكما قال معنينو كان يسمى "جنرالا" بحكم الطريقة المتقنة في التعامل مع الخريطة وتصريف المعطيات والمعلومات بتفسير وتسخير رسوماتها ومفاتيحها الورقية. فدور معنينو في نقل واقع المتطوعين وهم يتوجهون إلى أقاليم الجنوب، كان يجيب عن استفسارات الرأي العام وآهالي المشاركين الذين كانوا متعطشين لمعرفة أخبار ذويهم وهم مسافرون، خاصة أن في فترة السبعينيات لم تكن الوسائل التكنولوجية والرقمية متاحة لتختزل الوقت وتسهل المهام الإعلامية، فكان معنينو يتفنن في نقل المعلومات بأسلوب بسيط ومبلغ، حتى يطمئن الجميع إلى أن "المسيرة" تمضي في أجواء مريحة تنأى بالجميع عن أي نوع من المشاكل. في الحلقة المقبلة سيروي معنينو كيف أنه استطاع الانتقال إلى أقاليم الجنوب لتغطية الأجواء هناك بشكل يومي