اشتهرت مدينة مراكش بعدة أسماء من بينها "سبعة رجال"، وارتبطت برجالاتها، الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات يعد جامبو محماد الملقب ب"بيتيت"، المزداد سنة 1954 بمدينة تزنيت، أحد رواد الحلقة بساحة جامع الفنا، التحق سنة 1971 بمجموعة أولاد سيدي أحماد أوموسى، التي كانت تمتع زوار جامع الفنا بعروض استعراضية جميلة، على إيقاعات الدفوف ونغمات الناي التي تعزفها المجموعة، المشكلة من مجموعة من الشباب بأجساد لينة قوية في آن واحد، يقومون بحركات متناسقة سريعة، يتناوب فيها الوقوف على الأيدي والأقدام، ويقفز بعضهم فوق بعض، مشكلين طوابق بشرية. خلال حديثه ل"المغربية"، يسترجع جامبو بعض اللحظات المميزة التي انفردت بها ساحة جامع الفنا، عندما كانت عبارة عن فضاء للثقافة والترفيه والمتعة في وقت واحد، بما تحتويه من مظاهر خاصة لا تتوفر في أي مكان آخر على وجه الكرة الأرضية. يتذكر جامبو الذي لعب دور البطولة في عدد من الأفلام الأمازيغية من قبيل "بوتفناس"، و"حمو أونامر"، و"تالوحت الوالدين"، والأيام الزاهية التي قضاها بساحة جامع الفنا رفقة مجموعة أولاد سيدي أحماد أوموسى أحد كبار صلحاء الأمازيغ شهرة بين الناس في المغرب دفين منطقة تزروالت، عندما كانت منطلق حافلات الركاب، وكان البعض منها ينطلق في وقت متأخر من الليل، ما يجعل المسافرين يقضون وقتهم بين حلقات فنية ينشطها مروضو الأفاعي ورواة الأحاجي والقصص، التي تعود بالزائر إلى ماض كتبه الأولون وتناقلته الأجيال، حركات بهلوانية وفكاهية تمتزج مع بعض الألعاب التي تشعر الزائر بأنه في سيرك أبطاله أناس عاديون لم يتمرنوا في مدارس ومعاهد خاصة على مثل هذه العروض ولكنهم صادقون في ما يفعلون وغايتهم ومطلبهم الوحيد إدخال البهجة والسرور إلى قلوب الزوار، إلى أن يحين موعد سفرهم. يقول "بيتيت" كما يحلو لرواد جامع الفنا المناداة عليه، إن ساحة جامع لفنا قلب مراكش النابض، ومخزونها الثقافي الذي نسجت خيوطه عفوية أبنائها على امتداد تاريخها الطويل، لا أحد يعرف كيف بدأت ومتى ستنتهي وحده القدر ووحدها الصدفة يجعلانك تقف في هذه الحلقة دون سواها، مؤكدا أنها شكلت على مر العصور، بالإضافة إلى الحركة الاقتصادية التي تميزها مسرحا كونيا لتقديم كل أنواع الفرجة. يواصل جامبو حديثه ل"المغربية" عن تاريخ ساحة جامع الفنا قائلا "رغم اختلاف الآراء حول ساحة جامع الفنا بين رافض لها ومولع بها، أو متأسف على ما آلت إليه، تظل متحفا حيا للمتخيل البشري، ووجهة مهمة للسياح والزائرين، شاهدة على ماضيها الحافل، زاخرة بالكنوز البشرية الحية، سواء كانت مسرحا حيا مفتوحا للجميع دون تمييز، أو تراثا شفويا للإنسانية". يستحضر جامبو، خلال استرساله في الحديث عن جامع الفنا، مقهى "ماطيش"، التي اختفت في أواسط التسعينيات، كانت بمثابة مركز عالمي للثقافات، كما يسميها الكاتب الإسباني خوان غويتصلو، ذلك المرصد الذي كان يلتقي فيه الموسيقيون والرواة والحلايقية. يتحسر جامبو على الوضعية التي آلت إليها الساحة، بعد اختفاء رواد الحلقة أمثال الشرقاوي مول الحمام، أحد أغرب الشخصيات التي عرفتها الساحة، لكونه جمع بين حدة الذكاء وقوة الموهبة، أحب "هداوة" المجاذيب، وهام في الساحة مرتديا "دربالة "يحدث الناس عن الحياة والموت، عن الرجال والنساء، بالطبل كان ينشد حكمه وحكاياه، أخلص للساحة، فأحبه الناس، بل إن بعضهم يعتبره معلما في الحياة وما يزال الكثيرون يرددون ما كان يحفظه عن سيدي عبد الرحمان المجذوب. قبل توديعه، عبر جامبو عن استيائه العميق وتدمره من الإهمال الذي أصبح يلاقيه "الحلايقية"، بعدما كانت لهم قيمة، وكانوا نجوم الساحة، الذين يحظون بالاحترام من طرف زوار ساحة جامع الفنا، وتحويل الساحة إلى فضاء تجاري على حساب الحلقة، قائلا "رغم الالتماسات التي رفعت والوقفات الاحتجاجية التي نظمت من طرف شيوخ الحلقة الذين طالبوا من خلالها رد الاعتبار للساحة التي اعتبرت فضاء للتراث الشفهي من قبل اليونسكو، وفسح المجال لهم لكسب قوت يومهم، فإن تلك النضالات التي يخوضونها تقابل بعدم الاكتراث من قبل الجهة التي تمنح رخص استغلال الساحة، ويظهر من خلال تغاضيها عما تتحول إليه الساحة وكأن ثمة أمرا مبيتا للحلقة وللحلايقية".