إذا كانت مجموعة "ناس الغيوان" أخذت ما يكفي من العناية والتتبع، فإن مجموعات أخرى ظهرت في الفترة نفسها، ونجحت بدورها في إحداث ثورة غنائية حقيقية، والتي كان وراء تأسيسها أسماء فنية لم تأخذ حقها من الاهتمام الإعلامي مثل الأخوين محمد وحميد الباهيري، اللذين كانا وراء تأسيس مجموعات غيوانية مثل "طيور الغربة" و"المشاهب" و"لجواد" و"بنات الغيوان". انطلقت مجموعة "لمشاهب"، ذات التوجه الشبابي، من حي بلفيدير المتاخم للحي المحمدي، الذي يعتبر مهدا لموسيقى المجموعات أو"الظاهرة الغيوانية"، التي ظلت تنهل من البؤس والفقر، ومعاناة المحرومين والمهمشين. وبخصوص اسم "لمشاهب" فكان من اقتراح أحد أصدقاء لمراني، المحامي بولمان وهي كلمة مشتقة من "الشهب"، التي ترجم بها الشياطين، الذين يسترقون السمع، في ليلة القدر، كما ورد في القرآن الكريم، كما أنها تعني "المشاعل"، التي كانت تضيء الكهوف، وتخيف الحيوانات المفترسة قديما. وعكس التوجه الذي سلكته مجموعة "ناس الغيوان" خلال ظهورها عمليا سنة 1971 في عز سنوات الاحتقان السياسي بالمغرب لتحكي عن هموم الشعب وعن الفقر والجهل والظلم الطبقي، فضلت "لمشاهب" التوجه نحو الشباب الحالم فأبدعت موسيقى عصرية تنهل من الواقع، لكن بأسلوب جديد وغير مألوف، ما جعلها تلهب حماس الشباب المغربي منذ البداية. انطلقت المجموعة بإيقاع خاص بها، يختلف عن المجموعات الأخرى، ووظفت بشكل جيد آلات موسيقية متعددة، لم تكن معروفة آنذاك مثل "الموندولين"، كما امتازت المجموعة أيضا، بألحانها وكلماتها المعبرة، ومع أنها ظهرت في فترة عصيبة من تاريخ المغرب، كما هو حال "ناس الغيوان"، إلا أنها حاولت التعامل مع الواقع بنوع من التوازن، دون أن تبتعد كثيرا عن هموم الشباب، الذي كان متلهفا لسماع أغانيها. ولأن لكل ظاهرة روادها، فإن "لمشاهب" مع وجود عازف "الموندولين" الأسطوري، الراحل الشريف لمراني، والأخوان الطموحان محمد وحميدة الباهيري والصوت النسوي الحالم سعيدة بيروك وثلاثتهم أعضاء سابقون لمجموعة "طيور الغربة" التي نشأت في مدينة مراكش الخزان الرئيسي لأشهر مبدعي الأغنية الغيوانية. بعد مجموعة من التداريب بروش نوار، ستتمكن المجموعة من تسجيل أول أغانيها في واحدة من كبريات شركات التسجيلات في العالم وكانت معروفة باسم "بيركلي"، وحملت الأغنية عنوان "شوف ليك من غير الكاس دوا للراس" وهي من كلمات المحامي بولمان وألحان المجموعة، لتتوالى بعد ذلك مجموعة من الأغاني كان أشهرها أغنية "الخيالة" المعروفة باسم "الصايك تالف والراكب خايف وسفينتنا تحت الما عوامة". وبعد مدة وجيزة، داع صيت المجموعة وبدأت تشارك في إحياء العديد من الحفلات داخل المغرب وخارجه، حيث قامت في رمضان 1973 بجولتها الأولى في الجزائر.