إذا كانت مجموعة "ناس الغيوان" أخذت ما يكفي من العناية والتتبع، فإن مجموعات أخرى ظهرت في الفترة نفسها، ونجحت بدورها في إحداث ثورة غنائية حقيقية، والتي كان وراء تأسيسها أسماء فنية لم تأخذ حقها من الاهتمام الإعلامي مثل الأخوين محمد وحميد الباهيري، اللذين كانا وراء تأسيس مجموعات غيوانية مثل "طيور الغربة" و"المشاهب" و"لجواد" و"بنات الغيوان". صورة نادرة لمجموعة 'طيور الغربة' (خاص) شكلت ظاهرة المجموعات الغيوانية في بداية السبعينيات من القرن الماضي حالة استثنائية، بسبب قدرتها على تهييج المئات من الشباب المتعطش إلى هذا النوع من الغناء، وعلى منوال مجموعتي "ناس الغيوان" و"جيل جيلالة"، بادر عدد من الشباب المفتونين بالأغنية الغيوانية إلى تأسيس مجموعاتهم الخاصة فظهرت عشرات المجموعات من أهمهما مجموعتا "نواس الحمرا" و"طيور الغربة" بمراكش، اللتان كانتا بمثابة رافد للمجموعات الدارالبيضاء، خصوصا "جيل جيلالة" و"لمشاهب". استطاعت هذه المجموعات أن تخط نمطا غنائيا لم يكن سائدا في مغرب ما بعد الاستقلال، وهو نمط جاء متزامنا مع موجة "الهيبيزم"، التي بهرت الشباب المغربي في تلك الفترة، ونجحت في استقطاب آلاف الشباب المغربي، الذي كان في حاجة إلى أنماط غنائية جديدة، تساير التوجه العام الذي عاشه المغرب في تلك الفترة، وكان من سماته الأساسية رفض السائد في كل المجالات، ومع أن نمط الغناء الغيواني الذي انطلق سنة 1971 شكل ثورة حقيقية على الأنماط التقليدية في مجال الموسيقى والغناء، إلا أنه سرعان ما وجد له مكان في الساحة الفنية، بل انطلقت شرارته كالنار في الهشيم، وهو ما عبد الطريق أمام مجموعات أخرى للظهور ولو بأشكال مغايرة، وكلها أشكال غنائية خرجت من رحم المعاناة. في مارس سنة 1972 قرر ستة من أعضاء فرقة غنائية من مدينة مراكش تدعى "طيور الغربة"، التوجه إلى مدينة الدارالبيضاء لتسجيل إحدى أغانيها. كانت المجموعة تضم 10 أعضاء (أربعة شابات وستة شباب) من أبرزهم الأخوان حميدة ومحمد الباهيري، وسعيدة بيروك، الذين سيساهمون في ما بعد في تأسيس مجموعة "لمشاهب" الشهيرة. في رحلتهم إلى الدارالبيضاء على متن سيارة من نوع "فيات 127" عرج الأعضاء الستة من "طيور الغربة" على "ثلاثاء سيدي بنور"، حيث كان يعمل شقيق أحد أفراد المجموعة، وهناك تمكنوا من إحياء إحدى حفلات عيد العرش، الذي كان يوافق الثالث من مارس من كل سنة، مقابل 500 درهم، لإكمال رحلتهم نحو كازابلانكا التي كانت مليئة بالمصاعب. عند وصولهم نزلوا بحي للا مريم ضيوفا عند خالة حميد ومحمد الباهيري "الزوهرة" التي كانت تتميز بطيبوبة وكرم أهل مدينة البهجة مراكش. أثناء إقامتهم في بيت الخالة قصدوا شركة "بوسيفون" لكن مديرها فرض عليهم شروطا صعبة، ما اضطرهم إلى الاتصال بشركات إنتاج أخرى، لكن الأمر لم يكن سهلا، فالمجموعة جديدة ونمط غنائها الغيواني ما زال في بدايته. ومع اقتراب نفاذ المال الذي كان بحوزتنا، قررت المجموعة العودة إلى مراكش، لكن أحد شباب الحي الراحل أحمد عجيب وكان يدعى "بوطابة" لوجود أثر وحم كبير على خذه، اقترح عليهم الذهاب إلى مقهى "لاكوميدي" التي كانت ملاذا للفنانين والموسيقيين آنذاك لقربها من "الراحل" المسرح البلدي للبحث عن مدير للمجموعة وكلمهم عن محمد بختي الذي لم يعد يشرف على مجموعة "ناس الغيوان" والشريف لمراني التواق إلى تأسيس مجموعة غيوانية جديدة.