محمود الإدريسي صاحب الصوت الشجي، الذي أعطى نكهة خاصة للموشحات، والأغنية المغربية العصرية، واستطاع أن يؤسس تجربة فنية مغربية صرفة باختيار كتاب كلمات أغانيه وألحانه، وأن يأسر بصوته القوي الممزوج بنبرة دافئة معجبيه، من المغاربة والعرب، يفتح قلبه ل"المغربية"، ليتحدث عن ساعات سعيدة من حياته. غنى الإدريسي لحن لنفسه ولغيره من أجل الفن، لا من أجل الشهرة أو الكسب المادي، كما يقول، وكانت كل أغانيه وألحانه المفعمة بالأحاسيس بمثابة جزء منه ومن هويته المتأصلة في تراب الشاوية. فهو من الفنانين القلائل الذين يميزون الكلمات والألحان الجيدة عن غيرها، التي لا تحمل جديدا، ولا يغني سوى ما يقتنع به. وفي هذا السياق، يقول الإدريسي "لا يمكنني أن أغني أو ألحن دون إحساس، لأنني أحترم الجمهور المغربي، الذي يصعب إرضاؤه، إنه جمهور ذكي ينتبه للكلمة وللحن وللأداء، لذلك أفضل أن أظهر بأغنية متكاملة فيها تناسق بين الكلمة واللحن، لأنني لست ملكا لنفسي كفنان بل أنا ملك لجمهوري ووطني". ومن هنا يتأكد أن رغبة صاحب "ساعة سعيدة"، في التعامل مع مختلف الأصوات المغربية والمغاربية نابعة من واقع غيرته على الموسيقى والإيقاعات المغربية الأصيلة، التي يرى أنها غنية جدا ولم تستغل بعد في خدمة الأغنية المغربية. ومن بين الأصوات التي لحن لها أغان حققت نجاحا كبيرا لطيفة رأفت التي خصها بأغنية "الحمد لله"، ونعيمة سميح بأغنية "شكون يعمر هذا الدار"، والبشير عبدو الذي لحن له "الدنيا بخير"، كما لحن لمحمد الغاوي "اللي علينا احنا درناه"، وخص الفنانة الجزائية الشهيرة فلة ب "فتحو الأبواب"، وغيرها. حرصه على إبداع ألحان ناجحة وجيدة يفسر غيابه بين الفينة والأخرى عن الساحة الفنية لفترات قصيرة، يصفها بفترات التأمل، فالإنسان بطبيعته، حسب الإدريسي، في حاجة لمراجعة النفس وتقييم منجزاته والتفكير في ما يود الإقدام عليه. لذلك اختار الإدريسي مدينة أزمور الهادئة ملاذا، لأنها المكان الوحيد الذي يوفر لي الجو لانتقاء الكلمة الهادفة واللحن المشبع بالأحاسيس، حتى يحافظ على مكانته الفنية عند جمهوره، الذي استمتع وما زال يستمتع بصوته الفريد من نوعه. ورغم صخب الدارالبيضاء فإنه مازال يقيم بها، بحكم ارتباطه بالعمل النقابي، خصوصا بعد رحيل رفيق مساره الفني أمين عام النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة وكاتب الكلمات المتميز مصطفى بغداد، الذي يؤكد الإدريسي أن النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة فقدت برحيله رجلا وهب حياته لخدمة الفن، وناضل ودافع قيد حياته بالوسائل والإمكانيات المتاحة له في سبيل النهوض بوضعية الفنان المغربي والدفاع عنه في حالات المرض والوقوف إلى جانب أفراد أسرته في حالة الوفاة. لذلك يقول الإدريسي أنه علينا كفنانين الاستمرار في حمل المشعل من أجل ضمان العيش الكريم للفنان المغربي والرقي بالأغنية المغربية.