محمود الإدريسي صاحب الصوت الشجي، الذي أعطى نكهة خاصة للموشحات، والأغنية المغربية العصرية، واستطاع أن يؤسس تجربة فنية مغربية صرفة باختيار كتاب كلمات أغانيه وألحانه، وأن يأسر بصوته القوي الممزوج بنبرة دافئة معجبيه، من المغاربة والعرب، يفتح قلبه ل"المغربية"، ليتحدث عن ساعات سعيدة من حياته. ظل محمود الإدريسي وفيا لجذوره المغربية الأصيلة، وظل مثالا للفنان المغربي الأصيل، الذي يرفض كل الإغراءات المادية للإقامة في القاهرة، حيث عرض عليه الموجي والعديد من صناع الفن الغناء باللهجة المصرية. لم تستهوه عاصمة الفن العربي بالقاهرة، لإيمانه بإمكانية النجاح وتحقيق النجومية من وطنه الأصلي وبلهجته المغربية، دون اللجوء إلى الهجرة. التزامه بالغناء بلهجته المغربية، مكنه من التعامل مع ألمع الشعراء والملحنين المغاربة، فكان أغلبهم يرون فيه الإحساس الصادق القادر على إيصال أعمالهم للمتلقي. في جولاته التي قادته إلى الخليج العربي، حرص الإدريسي على نشر الأغنية المغربية في الكويت والسعودية والإمارات، ورغم أنه لحن بعض القطع الخليجية بطلب من الإذاعات هناك، إلا أنه أصر على تقديم أغان مغربية أصيلة لاقت نجاحا كبيرا هناك، ومازالت بعض القنوات التلفزيونية بالسعودية والكويت تبثها، بل إن موسيقى أغنيته الشهيرة "سألتك لله" اختيرت لتكون "تترا" للتلفزيون السعودي في فترة من الفترات. لم يكن التزامه بالغناء بلهجته المغربية، نابعا من تعصب أو عنصرية، لكنه كان نتيجة أسباب موضوعية من أهمها المساهمة في تأسيس أغنية مغربية بأسلوب مغربي أصيل، مستقل عن الأسلوب الشرقي، الذي ظل مسيطرا على الساحة الفنية المغربية، طيلة عقود من الزمن. ويتمثل ذلك في تعامله مع رواد هذا التوجه من ملحنين وكتاب كلمات أمثال محمد بنعبد السلام، وعبد القادر الراشدي، وأحمد العلوي، وأحمد الطيب لعلج، وعلي الحداني وغيرهم. يقول الإدريسي، إن حرصه على الغناء باللهجة المغربية مصدره جمهوره، الذي يعتبر اسمه مرادفا للأصالة المغربية وللفن المغربي، ومن هذا المنطلق جاءت أغلب أغانيه باللهجة المغربية، لكن هذا لا يعني أنه متعصب، للهجة المغربية، إذ سبق له أن غنى في بداياته الفنية، باللهجة المصرية. ففي عام 1964، وخلال أحد حفلات المعهد بالرباط، أتيحت للإدريسي لأول مرة فرصة الغناء أمام الجمهور، وأدى حينها بعض أغاني محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش رفقة فرقة "الخمس والخمسين"، التي كان يترأسها آنذاك الطاهر الزمراني. كما غنى باللغة العربية الفصحى، موشح "يا ليل طل" للراحل عبد القادر الراشدي.