اشتهرت مدينة مراكش بعدة أسماء من بينها "سبعة رجال"، وارتبطت برجالاتها، الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات. ولدوا بها وخرجوا من رحمها وسكنوها وسكنتهم الحلقة الثامنة ضريح سيدي بن سليمان الجزولي يوجد ضريح سيدي بن سليمان الجزولي بجانب المسجد المعروف لدى عامة المراكشيين بآخر مسجد تؤخر فيه صلاة الجمعة إلى صلاة العصر حتى يتداركها من فاتته الصلاة في المساجد الأخرى بمختلف أحياء مدينة مراكش. حضي ضريح الولي الصالح الجزولي، الذي قضى في خلوته حوالي 14 عاما بعد تأليف كتابه الشهير ولقائه بمحمد بن عبد الله أمغار الذي أخد الطريقة عنه، خلال سنة 2007 بزيارة خاصة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس ترأس من خلالها حفلا دينيا إحياء لليلة المولد النبوي الشريف، تميز بإنشاد أمداح نبوية وتلاوة آيات من القرآن الكريم واختتم بقراءة ختم دلائل الخيرات للإمام الجزولي. ورغم القاسم الذي يجمع بين رجالات مراكش السبعة من خلال زهدهم في الدنيا وجنوحهم للتصوف وسعيهم للخير وحفظهم للقرآن ونشرهم للعلم وتعاليم الدين السمحاء، وانكبابهم على التأليف في الحديث والفقه والسيرة، فإن بن سليمان الجزولي عرف عنه مجموعة من الكرامات من بينها أنه بعد وفاته أثناء الكشف عن جسده بعد سبعة وسبعين سنة، وجدوا جثته لم يتغير منها شيء. وأثناء وضع أحد الحاضرين لأصبعه على وجهه، انحصر الدم تحت الأصبع وبعد أن رفع أصبعه رجع الدم إلى موضعه كما يحدث بالنسبة لرجل حي. وتختلف الروايات حول توقيت زيارته لمدينة مراكش وتعرفه بها على مريده عبد العزيز التباع، وأسرته بحي القصور، فهناك من يجعلها بعد خلوته وعودته من "تيط"، وآخرون يجعلونها بعد رجوعه مباشرة من فاس. وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن فترة الخلوة والتأمل كانت كافية لاكتمال الطريقة وبروزها لدى الجزولي، إذ شرع في نشرها بين مريديه وتلامذته، وكانت آسفي من المدن الأولى التي ظهر فيها نفوذ الجزولي الذي كثر مريدوه وأنصاره، ساعده على ذلك استعداد أهلها لتقبل الطريقة الجزولية. كان بن سليمان الجزولي مشددا على نفسه يمضي الليل والنهار في تلاوة أوراده وهي سلكتان من دلائل الخيرات ومائة ألف من بسم الله الرحمان الرحيم وسلكة يختمها كل ليلة وربع السلكة من القرآن الكريم. توفي مسموما بمسقط رأسه بجزولة التي دفن بها ليجري بعد ذلك نقل رفاته إلى مدينة مراكش وإعادة دفنه بها بحي رياض لعروس واختير ضمن رجالات مراكش السبعة. من أهم المحطات الفكرية في حياة الإمام الجزولي، المعروف ب"مول الدليل" مؤسس الطريقة الجزولية التي تقوم على حب الرسول (ص) والصلاة عليه والمداومة على ذكر الله تعالى، لقاؤه بالعالم والصوفي الكبير أحمد زروق البرنسي، الذي كانت له الريادة في فقه مالك في زمانه، ومكانة منظر في علم التصوف. لقد ألقى الشيخ زروق بتلميذه الجزولي في بحار متون المالكية بإشكالاتها ومسائلها، لكن وجهته وميوله الأسمى كان في اتجاه البحث في أسرار شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إذ اجتمعت لدى الإمام الجزولي كل الاستعدادات الفكرية والنفسية والذوقية ليضطلع بمهمته الكبرى المتمثلة بتجديد الطريقة الشاذلية وازدهار الثقافة الإسلامية بالمغرب.