لا أظن أن كتابا في العالم الإسلامي نشر ووزع وتعمم مثل كتاب دلائل الخيرات للعارف بالله محمد بن سليمان الجزولي الذي جدد الطريقة الشاذلية ودفع بالتصوف المغربي إلى أبعاد أوسع وأرحب.. يقول الأستاذ محمد جنبوبي في كتابه "الأولياء بالمغرب" (مطبعة دار القرويين، 2004، ص: 184): "من يذكر دلائل الخيرات، يذكر الشيخ الجزولي، ومن يذكر الجزولي يتذكر رجال مراكش السبعة وعشرات الأولياء، الموزعة أضرحتهم بشكل مكثف على دروب وأحياء وضواحي هذه المدينة التي ضمت بين أمكنتها، وبين منابت ذاكرتها من تراث بلادنا لبه و"زبدته"، سواء من حيث البناء الحضاري عمرانا وثقافة، أو من حيث بناء الدولة المغربية.. بين أضرحة أولياء مراكش الكثيرين، يوجد ضريح الجزولي بأحد الأزقة الضيقة الغارقة في رائحة التاريخ داخل حومة رياض العروس...". هو سيدي أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن سليمان الجزولي، ولد على الأرجح سنة 807 ه في بلاد جزولة بمنطقة سوس بالمغرب الأقصى، قرأ علوم العربية وأساسيات علوم الدين ببلده قبل أن يرحل إلى حاضرة فاس، ليدرس بالقرويين وملحقاتها من مدارس بني مرين، وكان رحمه الله مستقرا بمدرسة الصفارين.. ولازال البيت الذي كان يسكن فيه من هذه المدرسة معروفا إلى اليوم. من الذين ترجموا للإمام الجزولي نذكر سيدي محمد المهدي الفاسي المتوفى سنة 1109ه في كتابه "ممتع الأسماع بالجزولي والتباع وما لهما من الأتباع"، وجده العارف أبو المحاسن يوسف الفاسي والشيخ أحمد المنجور المتوفى سنة 995ه، والشيخ أبو العباس أحمد بن القاضي المتوفى سنة 872ه في "جذوة الاقتباس" وكان معاصرا للشيخ الجزولي، وأحمد بابا التمبوكتي في "نيل الابتهاج بتطريز الديباج"، وفي "كفاية المحتاج"، والعباس بن إبراهيم في "ممتع الأسماع".. إننا إزاء حكاية رجل، يقول الأستاذ جنبوبي في كتابه المذكور (ص: 184): "تتلاقى فيها مكانته العلمية، واجتهاده، وكفاءته، بقدرته الفائقة على التأثير والتلقين والتعليم، كلها صفات أهلته ليصبح قطبا، يتحلق حوله المريدون، ويتكتل بين يديه الأتباع الذين تكونت منهم مجموعات آمنت به، واعتمدت مقولاته، وانطلقت في حركة جهادية امتدت حتى بعد مماته. أتباع عجت بين أعدادهم منابت حكي مليئة بالمتخيل الطامح إلى التغيير، واستشراف آفاق غد متوافق مع دعوة الشيخ، ومنسجم مع مشروعه النابع من ثقافة دينية أسست للطريقة الجزولية، التي أحدثت مسلكا جديدا في مجال التصوف داخل المغرب وخارجه...". من أهم المحطات الفكرية في حياة الإمام الجزولي لقاؤه بالعالم والصوفي الكبير سيدي أحمد زروق البرنسي الذي كانت له الريادة في فقه مالك في زمانه، ومكان منظرا في علم التصوف. لقد ألقى الشيخ زروق بتلميذه الجزولي في بحار متون المالكية بإشكالاتها ومسائلها، وهو ما استفاد منه بدون شك، لكن وجهته وميوله الأسمى كان في اتجاه البحث في أسرار شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم.. لقد اجتمعت لدى صاحبنا الجزولي كل الاستعدادات الفكرية والنفسية والذوقية ليضطلع بمهمته الكبرى المتمثلة بتجديد الطريقة الشاذلية وازدهار الثقافة الإسلامية بالمغرب.. يقول محمد جنبوبي في كتابه "الأولياء في المغرب": (ص: 185): "لا ندري بالتفصيل كم مكث الجزولي بفاس، ولا متى غادرها إلى مراكش، كما لا تسعف المصادر في تحديد تواريخ انتقاله إلى ضواحي الجديدة، وإلى آسفي، وغيرها من المناطق التي حل بها، بقدر ما نجد الخبر عن ذلك متفرقا في عمومياته بين مختلف المصادر التي اهتمت بترجمته. تبعا لذلك نجد مثلا الخبر عن تواجده بفاس مقرونا بلقائه بالشيخ أحمد زروق الفاسي، وبالحدث الذي أورده أغلب المترجمين له، والذي مؤداه: "أنه لما كان بالمدرسة المذكورة -والمقصود بها مدرسة الصفارين- وكان له بيت يخلو فيه بنفسه، لا يدخله معه غيره. فبلغ ذلك والده ببلده، فظن أو قيل له لا يسده ويمنع من دخوله إلا لكونه له به مال. فقدم عليه ثم طلب منه أن يدخل ذلك البيت، فأجابه إلى ذلك وأدخله إياه، فرأى حيطانه كلها مكتوب فيها الموت، الموت، الموت، فعلم ما هو فيه ولده... ورجع على نفسه باللوم يقول: أين هذا وأين نحن، ثم تركه وانصرف إلى بلده". وتفصيل هذه القصة في كتاب "بلوغ الآمال" لمحمد بوستة سيدي أمان. كانت تلك بداية الزهد والاعتزال، ومرت شهور على الإمام الجزولي وهو بفاس كان فيها على حال من الوجد والشغف بالصلاة على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وانعزل في بيته الصغير بمدرسة الصفارين مدة شهور، وهي التجربة التي أوصلته في النهاية إلى الإمساك بخيوط "دلائل الخيرات".. لم يكن "دلائل الخيرات" كتابا عاديا، بل كان كتابا عظيما مفعما بأسرار التربية وعلم الأذواق، ويبدو أن الإمام الجزولي كتبه لكل الناس ومن جميع الفئات والمشارب، ويمكن القول أن "الدلائل" هو الكتاب الوحيد الذي لا نعرف عدد طبعاته، وأن ملايين المسلمين في المغرب والمشرق عبر العصور والأجيال كانوا حريصين على قراءته، أفرادا وجماعات، في المساجد والمزارات والبيوت... واسم الكتاب كاملا "دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار" فيه زيادة من تلميذ الشيخ الجزولي سيدي عبد العزيز التباع، وتلميذ هذا الأخير سيدي عبد الله الغزواني مول القصور: الأولى تسم قراءة تبّاعية، والثانية تسمى قراءة غزوانية.. فلنقرأ ما يقوله الإمام الجزولي في "دلائل الخيرات" عن رب العزة: "سبحان الذي تقدست عن الأشياء ذاته، وتنزهت عن مشابهة الأمثال صفاته، واحد لا من قلة، موجود لا من علة، بالبر معروف وبالإحسان موصوف، معروف بلا غاية، وموصوف بلا نهاية، أول بلا ابتداء، وآخر بلا انتهاء، لا ينسب إليه البنون، ولا يفنيه تداول الأوقات، ولا توهنه السنون، كل المخلوقات قهر عظمته وأمره بالكاف والنون، بذكره أنس المخلصون، وبرؤيته تقر العيون، وبتوحيده ابتهج الموحدون، هدى أهل طاعته إلي صراط مستقيم، وأباح أهل محبته جنات النعيم، وعلم عدد أنفاس مخلوقاته بعلمه القديم، ويرى حركات أرجل النمل في جنح الليل البهيم، يسبح له الطائر في وكره، ويمجده الوحش في قفره، محيط بعمل العبد سره وجهره، كفيل المؤمنين بتأييده ونصره، وتطمئن القلوب الوجلة بذكره وكشف ضره، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره أحاط بكل شيء علما، وغفر ذنوب المسلمين كرما وحلما، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير". ومما جاء في دلائل الخيرات للإمام الجزولي في حق الرسول الكريم نقرأ: "اللهم داحي المدحوًّات، وبارئ المسموكات، وجبار القلوب على فطرتها، شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك على سيدنا محمد عبدك ورسولك الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ لجيشات الأباطيل كما حُمّل، فاضطلع بأمرك بطاعتك، مستوفزاً في مرضاتك واعياً لوحيك، حافظاً لعهدك، ماضياً على نفاذ أمرك، حتى أورى قبساً لقابس، آلاء الله تصل بأهله أسبابه، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم، وأبهج موضوحات الأعلام ونائرات الأحكام، ومنيرات الإسلام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون وشهيدك يوم الدين وبعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة..". وفي الحزب الخامس ليوم الجمعة يصلي الإمام الجزولي على الرسول الكريم مبرزا ارتباطا كونيا بين النبي محمد ومعطيات الطبيعة المفعمة بالخلق، ومذكرا إيانا بسر من أسرار التصوف المتجلي في "وحدة الوجود" بمعنى أن الكون معادل موضوعي للكلمة الإلهية في كل أبعادها؛ يقول الإمام الجزولي مصليا على النبي الكريم: "اللهم وصل على محمد عدد ما خلقته على جديد أرضك في مستقر الأرضين شرقها وغربها سهلها وجبالها وأوديتها وطريقها وعامرها وغامرها إلى سائر ما خلقته عليها وما فيها من حصاة ومدر وحجر من يوم خلقت الدنيا إلى يوم القيامة في كل يوم ألف مرة، اللهم صل على محمد النبي عدد نبات الأرض من قبلتها شرقها وغربها وسهلها وجبالها وأوديتها وأشجارها وثمارها وأوراقها وزروعها وجميع ما يخرج من نباتها وبركاتها من يوم خلقت الدنيا إلى يوم القيامة في كل يوم ألف مرة، اللهم وصل على محمد عدد ما خلقت من الجن والإنس والشياطين وما أنت خالقه منهم إلى يوم القيامة في كل يوم ألف مرة، اللهم وصل على محمد عدد كل شعرة في أبدانهم وفى وجوههم وعلى رؤوسهم منذ خلقت الدنيا إلى يوم القيامة في كل يوم ألف مرة، اللهم وصل على محمد عدد خفقان الطير وطيران الجن والشياطين من يوم خلقت الدنيا إلى يوم القيامة في كل يوم ألف مرة، اللهم وصل على محمد عدد كل بهيمة خلقتها على جديد أرضك من صغير أو كبير في مشارق الأرض ومغاربها من انسها وجنها ومما لا يعلم علمه إلا أنت من يوم خلقت الدنيا إلى يوم القيامة في كل يوم ألف مرة، اللهم وصل على محمد عدد خطاهم على وجه الأرض من يوم خلقت الدنيا إلى يوم القيامة في كل يوم ألف مرة، اللهم وصل على محمد عدد من يصلى عليه، وصل على محمد عدد من لم يصل عليه، وصل على محمد عدد القطر والمطر والنبات، وصل على محمد عدد كل شيء، اللهم وصل على محمد في الليل إذا يغشى، وصل على محمد في النهار إذا تجلى، وصل على محمد في الآخرة والأولى، وصل على محمد شاباً زكيا، وصل على محمد كهلاً مرضيا، وصل على محمد منذ كان في المهد صبيا، وصل على محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء..". قضى سيدي محمد بن سليمان الجزولي ما شاء الله من زمن في فاس قبل أن يرحل للاتصال بالعارف سيدي أبي عبد الله محمد أمغار الصغير بمدينة تيط قرب الجديدة، إثر ذلك دخل في خلوة طويلة مكث فيها صحبة سيدي أمغار برباط تيط حوالي أربعة عشر عاما، وخلالها ختم الإمام الجزولي مع المريدين عشرات الآلاف من "الدلائل"، واكتشف ذات يوم وهو مستغرق في أذكاره أن المريدين الذين اجتمعوا بين يديه قد زاد عددهم على الإثني عشر ألفا، ولم يطق صبرا، فقد حن قلبه لمجاورة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا ذهب في ركب الحجاج إلى مكة، وزار قبر النبي الكريم بطيبة.. عاد سيدي محمد الجزولي واتخذ حاضرة أسفي، مدينة الولي أبي محمد صالح الماجري، مقرا لسكناه. لكنه لم يطق المكوث فيها لأسباب سياسية، فلم يجد ملاذا سوى في بلده اجزولة بسوس، وبقي هناك إلى أن توفى بها حوالي 870 ه. قال سيدي المهدي الفاسي في "ممتع الأسماع بالجزولي والتباع وما لهما من الأتباع": "إن محمد بن سليمان الجزولي جمع بين الصديقية العظمى والشهادة؛ لأنه مات في جزولة مسموما، وأنه قبل ذلك كتب على جدران بيته هناك كلمة، "الموت" مئات المرات حتى غطت الكتابة كل الجدران.." من بين أشهر تلاميذ الجزولي نذكر عبد العزيز التباع أحد رجال مراكش السبعة، ومحمد الساحلي دفين خندق الزيتون بفاس، وأحمد بن عمر الحارثي السفياني دفين مراكش، ومحمد الأمين صاحب الضريح المعروف بزرهون، وأبو الحسن بن عمر أجانا دفين تاجملت بوادي اللبن، وسلامة بن أبي سلامة نزيل مدينة سلا، وأبو عثمان الدكالي البرزقي، ومحمد الصغير السهلي، وأبو عبد الله محمد الأمين.. وقد أفاض صاحب "الممتع" في ذكر أصحاب الشيخ الجزولي وأتباعه وأتباع خليفته سيدي عبد العزيز التباع.. يقول الأستاذ جنبوبي في كتابه (ص: 187-188): "إن شهرة الجزولي، وتأثيره القوي في مختلف أوساط المجتمع، وتكاثر أتباعه ومريديه وتلامذته، وانفتاح زواياه على الحركات الجهادية، بل تبنيها لها، وتزعمها لمقاومة الاحتلال الأجنبي، ستلهب المخاوف في أكثر من جهة، وتعجل بتحريك آلة الدسيسة من أجل التخلص منه، وتسريع عملية اغتياله بالسم سنة 870/1464).. يضيف محمد جنبوبي (ص: 186): "حين وصل الجزولي إلى مدينة آسفي، كانت طريقته قد أدركت شهرة ومكانة في المغرب وخارجه، فحلت محل الطريقة الشاذلية، وتفرعت إلى طرق عديدة. الشيء الذي جعل الناس يتوافدون عليه من كل مكان، ويعتنقون طريقته، فتعدد أتباعه ومريدوه، ساعده في ذلك منحه للطرقية في المغرب نفسا جديدا عبر محاولته تخطي ما كان موجودا آنذاك من هياكل سياسية ودينية، إذ حملها مسؤولية ما يعانيه المغاربة من محن، لعجز القادة عن الدفاع عن الثغور، والفقهاء عن تحمل مسؤولياتهم في الدفاع عن الدين وإحياء تعاليمه.. الشيء الذي أدى إلى تضايق سلطات مدينة آسفي منه، وانخراطها في محاولة إخراجه من المدينة وإجلائه عنها بشتى الوسائل، وبذلك بدأت متاعبه مع مناهضي دعوته المزدوجة.. هذه الدعوة التي لاقت تجاوبا كبيرا، وصدى واسعا بين الناس، ساهمت فيه الظروف السياسية التي عاشها المغرب إذاك، وعلى رأسها الاحتلال البرتغالي والاسباني للثغور المغربية.. ومن ثمة يعد الجزولي "أول من فتح طريقته لاحتضان المقاومة المسلحة والشعبية بصورة جماعية وتلقائية في المغرب". وبذلك تجاوز الجزولي الاقتصار على الذِكر والسبحة والعبادة بمعزل عن قضايا مجتمعه في مساره الصوفي، بل تعداه إلى حد الظهور بمظهر الرجل المنظم والمخطط". وكما يرى لوي ماسينيون في Le Maroc dans les premières années du 16ème siècle(Alger, 1906)" "أن الزوايا التي ستتأسس خلال القرن 14 الميلادي وما تلاه، ستتكتل فيما بعد تحت زعامة محمد الجزولي كم أجل مباشرة الجهاد بعد سقوط سبتة..". جاء في كتاب "ممتع الأسماع" المذكور (ص: 25) أن الإمام الجزولي كان يقول: "واعلم أن من كان في قلبه ثلاثة أمور وهو يدعو إلى الله بالتوبة فهو زنديق الافتخار بالعلم، وسوء الخلق، وسوء الظن بالخلق"، وقال أيضا: "الأولياء يحسنون الظن بعباد الله، وعامة العلماء يسيئون الظن بعباد الله".. وقال أيضا: "الشيخ الواصل الذي يأخذ العلم من الله بدون واسطة"، ثم قال: "والمقطوع هو الذي سلك طريق المجاهدة، ولم يصل إلى طريق المشاهدة، فرجع إلى الخلق يدعوهم إلى الله، فدعاؤه على الحقيقة إنما هو للمجاهدة فقط؛ لأنه لم يصل إلى المشاهدة، والواصل هو الذي وصل إلى مقام المشاهدة وغاب في أنوار الكمال ولم يشغله شيء عن الملك الحق، وهو الذي إن رجع إلى الخلق رجع بأنوار وعلوم وأحكام، من تبعه تعلم، وتنور، وفهم ما لم يفهمه غيره من أتباع المقطوعين"، وقال أيضا: "ليس كل داع وجب إتباعه، والداعي على الحقيقة هو الذي يدعو إلى الله على بصيرة..". توفي الإمام الجزولي -في الغالب مسموما- ببلده بالسوس سنة 870ه.. وتجمع المصادر على قيام ثائر يدعى عمرو بن سليمان الشيظمي المغيطي المعروف بالسياف ويقال له المُريدي، فلما مات الشيخ الجزولي قام عمرو المذكور مطالباً بالثأر من الذين سموّه، فتتبعهم قتلاً، وأخذ يدعو الناس إلى إتباعه، فذاع أمره، وقاد الجيوش، وخلق متاعب كبيرة للدولة الوطاسية، واستمرت حركته عشرين سنة، وكان خلال هذه المدة يحمل تابوت الإمام الجزولي في مقدمة الجيوش تبركا به، وتفاصيل هذه الحادثة في كتاب "الاستقصا" للناصري. وقد أورد كثير ممن ترجموا للإمام الجزولي أن الثائر عمرو بن سليمان السياف، لما كان ينتهي من حرب خاضها، يعود إلى بلاده بالشياظمة، فيضع تابوت الشيخ الجزولي في "روضة يسميها الرباط" كما في "ممتع الأسماع" لمحمد المهدي الفاسي، و"الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام" للعباس بن إبراهيم. وما ذكر من تزوج عمر زوجة الشيخ وابنته وإنهما اللتان قتلتاه، فالذي عند الشيخ زروق أن الذي قتله امرأته وربيبته، ولم يذكر أنه تزوج زوجة الشيخ الجزولي ولا ابنته، هذا ما أفادنا به محمد المهدي الفاسي في "ممتع الأسماع بالجزولي والتباع وما لهم من الأتباع" (ط1، 1989، ص: 15). وبعد سبع وسبعين سنة من وفاته فتح قبر الإمام الجزولي، بأمر السلطان أبو العباس أحمد السعدي المعروف بالأعرج تنفيذا لأمر والده أبي عبد الله القائم، وهو أول مؤسس للدولة السعدية... كان الأمر يتعلق بنقل رفات الإمام الجزولي إلى مراكش ودفنه بها.. ويلخص الأستاذ جنبوبي في كتابه "الأولياء بالمغرب" (ص: 189) مسار الإمام الجزولي وهو ميت رحمه الله على الشكل الآتي: "فيما يخص المدفن الأول للشيخ الجزولي بتاصروت، فهناك من يقول، بأنه تم خلال أواخر حياة عمرو السياف، وهناك من يقول بعد مقتله. إلا أن المتفق حوله، هو انتزاع قبائل حاحا لرفات الشيخ، ودفنه بأفوغال وبذلك يذكر له مدفنان: "قبره بتاصروت معروف مثل الذي بأفوغال". أما مدفنه الثالث والأخير، فلم يتم إلا سنة 930 ه، مع وصول أبي العباس الأعرج إلى الحكم ودخوله مدينة مراكش، وقد نقل رفات أبيه أيضا". و فعلا تم ذلك ودفن سيدي الإمام الجزولي برياض العروس، وأصبح فيما بعد من أشهر رجال مراكش السبعة.. رحم الله الإمام الجزولي ونفعنا بعلمه وصلاحه. والله الموفق للخير والمعين عليه.