اشتهرت مدينة مراكش بعدة أسماء من بينها "سبعة رجال"، وارتبطت برجالاتها، الذين بصموا حياتها الدينية والروحية، وألهموا الكثير من الكتاب والأدباء وشعراء الملحون، من خلال حسهم الإنساني والأخلاقي، ما دفعنا إلى الالتفات لظاهرة هؤلاء الرجالات. ولدوا بها وخرجوا من رحمها وسكنوها وسكنتهم الحلقة السابعة ضريح سيدي بن سليمان الجزولي خمس دقائق هي المدة الزمنية الفاصلة بين ضريح أبو العباس السبتي، أشهر رجالات مراكش السبعة، وضريح سيدي بن سليمان الجزولي الموجود بأحد الأزقة الضيقة التاريخية بالمدينة العتيقة داخل حومة رياض لعروس. يشهد ضريح الإمام الجزولي، الذي كان يولي عناية خاصة للذكر ارتباطا بالتنظيم الطائفي في نشر الطريقة الجزولية، توافد مجموعة من الزوار ينتمون إلى مختلف أنحاء المغرب، خصوصا أتباع الطريقة الجزولية، التي تقوم على حب الرسول (ص) والصلاة عليه والمداومة على ذكر الله تعالى، باعتباره من رجالات مراكش السبعة، رغم أن علاقته بمدينة مراكش كانت واهية، إذ لم يزرها إلا مرة واحدة في حياته، عندما التقى بتلميذه عبد العزيز التباع أحد رجالات مراكش. ويعود اختياره ضمن رجالات مراكش السبعة عندما نقل إليها جثمانه بعد وفاته وما أدركته طريقته من شهرة ومكانة في المغرب وخارجه، فحلت محل الطريقة الشاذلية وتفرعت إلى طرق عديدة، فهو رابع رجالات مراكش في ترتيب الزيارة المعمول بها، وبالتالي فإن زيارته، حسب مقدم الضريح، تكون يوم الجمعة، إذ تختتم فيه القراءة الأسبوعية ل"دلائل الخيرات"، الذي كان يحمله الفرسان رفقة القرآن الكريم على شكل قلادة فوق ثيابهم الفاخرة أثناء قيامه ب"التبوريدة". لم يكن "دلائل الخيرات" كتابا عاديا، بل كان كتابا عظيما مفعما بأسرار التربية وعلم الأذواق. ويبدو أن الإمام الجزولي كتبه لكل الناس من جميع الفئات والمشارب. ويمكن القول إن "الدلائل" هو الكتاب الوحيد الذي لا نعرف عدد طبعاته، وأن ملايين المسلمين في المغرب والمشرق عبر العصور والأجيال كانوا حريصين على قراءته، أفرادا وجماعات، في المساجد والمزارات والبيوت. واسم الكتاب كاملا "دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار"، فيه زيادة من تلميذ الشيخ الجزولي سيدي عبد العزيز التباع، وتلميذ هذا الأخير سيدي عبد الله الغزواني مول القصور، الأولى تسمى قراءة تباعية، والثانية تسمى قراءة غزوانية. ويرجع المؤرخون نسبه إلى علي بن أبي طالب، واسمه الكامل هو أبوعبد الله محمد بن عبد الرحمان بن أبي بكر بن سليمان الجزولي، لتحدره من جزولة إحدى قبائل سملالة بمنطقة سوس، التي ولد فيها في السنوات الأخيرة من القرن الثامن الهجري. قصد مدينة فاس لطلب العلم فنزل بمدرسة الصفارين، وكان يعيش حياة عزلة وتأمل بعدما نقش على جدرانها كلمات الموت، الموت.. لتكون بداية التزهد والتنسك والاعتزال، وهي التجربة التي أوصلته إلى تسجيل أول الأبيات في مدح الرسول (ص) والصلاة عليه، ليؤلف كتابه الشهير لدى عامة المسلمين في جميع أنحاء العالم "دلائل الخيرات"، الذي جمع مادته من خزانة جامع القرويين بفاس، وأصبحوا حريصين على قراءته أفرادا وجماعات في المساجد والبيوت ومتفانين في الصلاة على النبي (ص) ومدح سنته ورسالته.