يرى محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، أن الدورة البرلمانية السابقة تميزت بتأخر على مستوى المصادقة على مجموعة مشاريع قوانين، سواء من قبل الحكومة أو البرلمان. بالمقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية أن تحولا نوعيا وقع في الدورة البرلمانية الربيعية، التي ضمت أجندتها 62 مقترح قانون، جاءت به الفرق البرلمانية، مقابل 26 مقترح قانون من الحكومة. لكن هذا التحول يظل مرتبطا، حسب زين الدين، بمدى تفعيل واستجابة الحكومة والبرلمان للمصادقة على مقترحات القوانين، التي تقدمت بها الفرق البرلمانية. وأبرز زين الدين، في حوار مع "المغربية" أن هناك مجموعة من الأمور تجعل البرلمان يشتغل في إطار محدودية كبيرة، سواء على مستوى الإنتاج التشريعي أو الرقابة أو الدبلوماسية البرلمانية. ويلخص هذه الأمور في أن البرلمان المغربي يضم "نخبا متجاوزة تاريخيا وإيديولوجيا، وغير قادرة على ملامسة قضايا المواطنين"، محملا مسؤولية هذا الوضع للأحزاب السياسية، لأنها المسؤولة عن صعود هذا النوع من النخب التي تكون غير قادرة على الاستجابة لطبيعة المرحلة السياسية. ويعتبر زين الدين أن النظام الداخلي لمجلسي النواب والمستشارين أصبح متجاوزا ومحدودا، سواء على مستوى التشريع أو الرقابة، ما يستدعي إعادة النظر فيه. وتحدث عن أداء البرلمان المغربي مقارنة مع برلمانات أجنبية، تتميز بقوة النقاش السياسي العميق، ومواضيع أخرى في هذا الحوار. ما هي قراءتكم لحصيلة الدورة الخريفية للبرلمان من حيث الإنتاج التشريعي؟ يمكن القول إن الدورة الخريفية لا تختلف عن سابقاتها، سواء على مستوى الإنتاج التشريعي أو الرقابة أو على مستوى الوظيفة الدبلوماسية، إذ لم يتجاوز معدل مشاريع القوانين في الدورة السابقة 52 مشروع قانون، بينما كانت هناك فقط 4 مقترحات قوانين. وبالتالي، نلاحظ تفوق مشاريع القوانين، التي ظلت حاضرة بقوة في الدورة السابقة، على حساب مقترحات القوانين. أما من حيث الرقابة، فيُلاحظ أنه لم يكن هناك تطور كبير في هذا الجانب، مقارنة مع ما جاء به دستور 2011 من آليات، سواء الرقابة في إثارة المسؤولية السياسية، أو دون إثارة المسؤولية السياسية، خاصة في مجال الأسئلة الشفهية التي كانت تطبعها الرتابة، ما يستدعي إعادة النظر في كيفية صياغة وطريقة طرح هذه الأسئلة، والتعامل معها بشكل عملي. وهذا يقودنا إلى التأكيد على ضرورة إعادة النظر في النظام الداخلي للغرفتين، حتى يتماشى مع ما جاءت به الوثيقة الدستورية بشكل عام. من هذا المنطلق، نستخلص أنه كان هناك تأخر في الدورة السابقة على مستوى المصادقة على مجموعة مشاريع قوانين، سواء من قبل الحكومة أو البرلمان. بالنسبة للدورة البرلمانية الربيعية، ما الجديد الذي يمكن أن تأتي به؟ بالنسبة للدورة الحالية، نلاحظ من خلال أجندتها أن هناك تحولا نوعيا، إذ تضم 62 مقترح قانون جاءت بها الفرق البرلمانية، مقابل 26 مقترح قانون جاءت به الحكومة. وهذا التحول النوعي مهم جدا بالنسبة لهذه الدورة، لكن الأمر مرتبط بمدى تفعيل واستجابة الحكومة والبرلمان للمصادقة على مقترحات القوانين التي تقدمت بها الفرق البرلمانية، ومن بينها 10 مقترحات قوانين تقدمت بها المعارضة، تتعلق بالأساس بالقوانين التنظيمية. من هذا المنطلق، المعارضة مدعوة لتمارس دورها، والبرلمان ليرفع من الإنتاج التشريعي، والحكومة لتسهيل عمل البرلمانيين من أجل رفع الإنتاج التشريعي. وإذا ذهبنا في هذا الاتجاه، سيكون هناك تحول مهم في العمل التشريعي بشكل عام. وهذا يتطلب إعادة النظر في النظام الداخلي لمجلسي النواب والمستشارين لأنه أصبح متجاوزا، ومحدودا بشكل كبير، سواء على مستوى التشريع أو الرقابة، رغم أنه وقعت عليه في السنوات الأخيرة العديد من التعديلات، إلا أنه ليست هناك رؤية أو أفق أو استراتيجية لتطوير الحكامة البرلمانية بشكل عام. هل يعني هذا أن الدورة الحالية لن تحمل أي جديد؟ إن التحول يكمن في ما تضمه أجندة هذه الدورة، التي جاءت ب62 مقترح قانون من الفرق البرلمانية، مقابل 26 مقترح قانون جاءت به الحكومة. وعلى مستوى مشاريع القوانين، هناك قانون تنظيمي واحد جاءت به الحكومة، لكن السؤال المطروح هو مدى تفعيل واستجابة الحكومة والبرلمان لمقترحات القوانين هذه. مثلا، لما جاء فريق التجمع الوطني للأحرار بمقترحات قوانين تنظيمية تتعلق بالطعن في دستورية القوانين أمام المحكمة الدستورية، لقي معارضة مبدئية من قبل الحكومة، والأمر نفسه بالنسبة لمقترح قانون للفريق الاشتراكي حول الحق في الوصول إلى المعلومة. ولا بد من الإشارة إلى أن هناك قضايا أخرى لها أهمية كبيرة جدا بالنسبة للعمل التشريعي، ويتعلق الأمر بالوظيفة الدبلوماسية للبرلمانيين، إذ لوحظ ضعف كبير على مستوى الأداء الدبلوماسي للبرلمانيين، علما أن المغرب يتوفر على أجندة قوية على مستوى شراكات التبادل مع العديد من الدول، واتفاقية الوضع المتقدم الموقعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. لكن، بالمقابل، نجد نوعا من الجمود والفتور في العلاقات التي تربط المغرب والبرلمان الأوروبي. وكما هو معروف، إذا أردنا أن نقوم بأي تغيير أو تأثير في القرار السياسي الأوروبي، لابد أن يحصل ذلك عن طريق البرلمان الأوروبي. وهنا نجد أن دور البرلمان المغربي مازال محتشما في هذا الجانب. ونسجل مجموعة من المعطيات سواء على مستوى التشريع أو الرقابة أو ظاهرة الغياب، وعلى مستوى الخطاب الذي أصبح خطابا "بوليميكيا" وشعبويا، يفرض على مدونة أخلاقيات البرلمان أن تُسرّع في أقرب وقت ممكن إتباع ضوابط قانونية وأخلاقية، تقضي باحترام حرمة المؤسسة، وإلا ستزداد النظرة الدونية والنمطية تجاه المؤسسة التشريعية من طرف المواطنين، خاصة أننا أصبحنا نفتقد النقاش السياسي العميق داخل البرلمان. ذكرتم مسألة الغياب داخل البرلمان، وكان كريم غلاب صرح بأنه سيُفعّل قانون الاقتطاع من أجور المتغيبين دون مبرر، فهل يمكن تفعيل هذا القانون ومعالجة الظاهرة في الدورة الحالية؟ هذا ما يجب أن يحدث بالفعل، لكن ما الذي يجري على أرض الواقع ؟ لم يقع تفعيل هذا القانون، والمواطن المغربي يريد أن يرى تفعيل ما يقوله الفاعل السياسي على أرض الواقع، وليس أن يكون الخطاب في واد والممارسة البرلمانية في واد آخر. المشكل المطروح حاليا هو المحدودية، إن لم نقل ضعفا كبيرا على مستوى الإنتاج التشريعي، إذ أن المعدل العام لا يتجاوز 50 مشروع قانون، في حين، أن الدول التي تتوفر على برلمان قوي، يصل معدل الإنتاج التشريعي فيها إلى 250 مشروع قانون في كل دورة، كما هو الشأن، مثلا، في البرلمان الألماني والكندي والكونغرس الأمريكي، إذ تتميز هذه الأخيرة بإنتاج تشريعي قوي، دون الحديث عن إشعاع العمل البرلماني. وفي المغرب، لدينا برلمان لكن ليست لدينا آليات ذات فعالية لاستقطاب المواطن تجاه هذه المؤسسة التشريعية. فمثلا، في كندا تتوفر المكتبة البرلمانية على 120 ألف نسخة، وفي المغرب، يتوفر البرلمان على شبه مكتبة، لأنه لا يمكن أن نقول عنها مكتبة. والمكتبة البرلمانية تعتبر آليات استقطاب الباحثين وغيرهم من المواطنين. كما نتساءل إن كانت القناة البرلمانية تقوم بدور القنوات الأخرى، وإن كانت ستتمكن من شد انتباه المواطنين. ولا بد من الإشارة إلى أن طبيعة النخب البرلمانية في هذه الدول تختلف عنها في المغرب، إذ نجد أن النقاش السياسي داخل برلماناتها يكون عميقا، بينما في البرلمان المغربي نخب متجاوزة تاريخيا وإيديولوجيا وغير قادرة على ملامسة قضايا المواطنين، بما فيها القضايا الاجتماعية. كل هذه الأمور تجعل البرلمان يشتغل في إطار محدودية كبيرة، سواء على مستوى الإنتاج التشريعي أو الرقابة أو الدبلوماسية البرلمانية. وهذه المسؤولية تتحملها الأحزاب السياسية بالدرجة الأولى، لأنها هي المسؤولة عن صعود هذا النوع من النخب، التي تكون غير قادرة على الاستجابة لطبيعة المرحلة السياسية. في السياق ذاته، نلاحظ أن البرلمان يتميز بازدواجية في العمل، هل هي ظاهرة صحية بالنسبة للعمل التشريعي؟ لنظام الغرفتين أو ازدواجية العمل البرلماني، إيجابيات وسلبيات. وهذا النظام يكون حاضرا بقوة في الدول الفدرالية وليس الدول البسيطة أو الدول الموحدة مثل حالة المغرب. وهذا النظام تتبناه الدول التي تسير في اتجاه اللامركزية في التدبير، كما هو الشأن بالنسبة لاسبانيا. ونحن في المغرب بحاجة إلى ازدواجية العمل البرلماني التي جاء بها الدستور، الذي صحح وضعية نظام الازدواج البرلماني، وأعطى صلاحيات كثيرة لمجلس النواب وقلصها بالنسبة لمجلس المستشارين. وهذا توجه ديمقراطي ومنطقي جدا، لأن مجلس النواب يخضع للاقتراع العام المباشر، ومجلس المستشارين يخضع للاقتراع العام غير المباشر، وبالتالي، فإن الاحتفاظ بنظام الغرفتين توجه استراتيجي لاعتبارين أساسيين، أولا، لأن مجلس المستشارين يمثل إطارا مؤسساتيا من خلال ما نسميه بالروابط المؤسساتية بين الدولة المركزية والجهات، على اعتبار أن مجلس المستشارين يمثل الجهات، والاعتبار الثاني هو أن تحظى النقابات بتمثيلية عادلة للدفاع عن حقوقها، ومجلس المستشارين هو الذي يحقق ذلك. وبالتالي، فإن المشرع المغربي أحسن صنعا حين حافظ على نظام المجلسين، لكنه في الوقت ذاته قلص بشكل كبير من صلاحيات مجلس المستشارين، وقوى من صلاحيات مجلس النواب وهذا توجه ديمقراطي، عكس ما كان في السابق، إذ كان هناك نوع من التوازن بين الغرفتين، وكان ذلك يعرقل العمل التشريعي، كما أن المسطرة كانت جد معقدة. لكن دستور 2011 صحح الوضع، وإذا ذهبنا في اتجاه التصحيح، فإن ذلك يقتضي تأهيل العمل التشريعي، سواء من حيث تأهيل النواب البرلمانيين تشريعيا أو رقابيا أو دبلوماسيا. بخصوص الرقابة، هل تقوم المعارضة بدورها في مراقبة عمل الحكومة؟ إن دور المعارضة محدود جدا، وكما ذكرت، هناك مجهود يبذل على مستوى الإنتاج التشريعي، إذ جاءت الفرق البرلمانية ب62 مقترح قانون أغلبها قدمتها المعارضة. لكن، على مستوى مراقبة عمل الحكومة، نلاحظ ضعفا كبيرا في هذا الجانب، إذ أصبحت الحكومة تعارض نفسها. ويجب على الحكومة أن تشجع المعارضة، في حال تحولت إلى قوة اقتراحية، على الرفع من الإنتاج التشريعي، بإعمال الفصل 10 من مقتضيات الدستور. وهنا أتحدث على المستوى الكمي، أما على مستوى الكيف ومدى احترامه للمعايير الدولية المتعلقة بالحكامة البرلمانية، فهذا شيء آخر، لأننا لم نصل بعد لهذه المرحلة، ومازلنا في مرحلة أولية، تتعلق بتفعيل مقتضيات الدستور، وتمكين المعارضة من القيام بأدوارها التشريعية والرقابية والدبلوماسية. وعن القوانين التنظيمية للانتخابات، هل تتوقعون ظهور معالم للانتخابات الجماعية المقبلة في الدورة الحالية؟ حسب تصريحات أعضاء الحكومة، خاصة وزير الداخلية، فإن المغرب ليس لديه مشكل. وبالفعل، إذا نظرنا للممارسة السياسية، نجد أن المغرب كانت له تجربة سياسية مهمة جدا من خلال وزارة الداخلية، من حيث إدارة العملية الانتخابية. لكن الانتخابات الجماعية المقبلة، وانتخابات مجلس المستشارين ستتطلب، على الأقل، إنجاز 30 قانونا جديدا يوضع في هذه المرحلة للانسجام مع مقتضيات الدستور. وهذا يحتاج إلى قدر كبير من التوافقات السياسية، ليس فقط بين مكونات الأغلبية، بل أيضا مع المعارضة، لأن هذه القوانين هي التي ستحدد قواعد اللعبة الانتخابية المقبلة. وهناك اختلافات كبيرة، حتى بين مكونات الأغلبية في حد ذاتها، حول هذه القوانين الانتخابية، ما يستدعي حضور منطق التوافق السياسي في القوانين الانتخابية المقبلة بين مكونات الأغلبية، وبين الأغلبية والمعارضة. هل هذا يعني عدم ظهور أي معالم للانتخابات الجماعية المقبلة؟ من الصعب جدا أن يحدث ذلك، لأنه ستصعب المصادقة على هذه القوانين الانتخابية في ظل الظروف الحالية، وفي ظل الوضع الذي تعيشه الحكومة. انطلاقا من هذه الخلافات، هل تعتقدون أن فرق الأغلبية والمعارضة ستتمكن من ممارسة مهامها وفق مقتضيات الدستور في الدورة البرلمانية الحالية؟ يصعب القول إن فرق الأغلبية والمعارضة تقوم بدورها، كما أننا مازلنا نرى أن البرلمان يحاول أن يعطي انطباعا للمواطن بأنه يمارس الوظيفة التمثيلية بما للكلمة من معنى، علما أنه لم يخرج من إطاره القديم، إذ لا يقوم بوظيفته التشريعية والرقابية وحتى الدبلوماسية على الوجه الأكمل. وبالتالي، لا يمكن أن نتوقع بين عشية وضحاها أن نرى عملا تشريعيا يوازي البرلمان الأمريكي أو الكندي، لأن ذلك مرتبط بتحسين المؤهلات الذاتية والموضوعية، وبطبيعة النخب الحزبية، وبآليات اشتغال البرلمان، وتدبير الحكامة البرلمانية، وهي أمور غير متوفرة لدينا في الوقت الحالي. بالرجوع إلى سنوات السبعينات والثمانينات، نجد أن البرلمان المغربي كان يتوفر على نخب برلمانية قوية، وكان النقاش السياسي داخل البرلمان مختلفا عنه اليوم، فإلى جانب "مول الشكارة" كان هناك الأكاديمي ورجل السياسة المحنك، وأسماء خلقت نقاشا سياسيا عميقا. أما النقاش الذي أصبحنا نراه الآن داخل البرلمان، فهو تبسيطي، وفرجوي وشعبوي، وبوليميكي، لا يفيد المواطن في شيء. والأحزاب السياسية هي التي تتحمل مسؤولية الوضع الحاصل داخل البرلمان.