يعرض الفنان التشكيلي والنحات المغربي، ومدير المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدارالبيضاء، عبد الرحمان رحول، أعماله الجديدة برواق باب الرواح بالرباط، من 12 مارس الجاري إلى 08 أبريل المقبل. وتجمع هذه التظاهرة الجمالية أعمالا تتوزع على 35 قماشة من مختلف الأحجام، إلى جانب 20 منحوتة من البرونز والطين المطبوخ، تحت تيمة " تكريم سيدتين شغوفتين بالفن: ليلى فراوي، وبولين دو مازيير" الأولى أسست رواق "نظر" بالدارالبيضاء سنة 1974، والأخرى صاحبة رواق "لاتوليي" بالرباط. وبخصوص هذا التكريم، قال رحول "أعبر عن امتناني لمعرفة وصداقة هاتين السيدتين الكبيرتين في الفن، اللتين منحتا ثقتهما للفنانين التشكيليين المغاربة، وشغفهما الخاص للفن المعاصر المغربي منذ سنوات السبعينيات، والأمر يتعلق بليلى فراوي، وبولين دو مازيير، اللتين اكتشفتا مجموعة من الفنانين المغاربة، الذين يتحدرون من مختلف جهات المملكة"، مضيفا أن رواقيهما "نظر" بالدارالبيضاء و"لاتوليي" بالرباط حفزا جمّاعي لوحات تلك الفترة، القلائل للاهتمام بالفن المعاصر المغربي. ومع مرور السنوات أصبح الفضاءين قبلة للشغوفين بالفن، لافتا إلى أن عبد السلام فراوي، وباتريس دو مازيير، المهندسين المعماريين، كانا من الأوائل، إذ أدمجا الأعمال التشكيلية في سياق مشاريعهما البنائية، من هنا يقول رحول إنه يهدي هذا المعرض للسيدتين السالفتي الذكر بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. وقال رحول إن رواق باب الرواح بالرباط، يمثل بالنسبة إليه محطة أساسية في تقييم أعماله، بصفة خاصة، وتجربته الصباغية بصفة عامة. وأضاف في تصريح ل"المغربية" أن المعرض هو تتويج واحتفاء بسيدتين قدمتا الكثير للفنون المغربية، بحكم تجربتيهما في الميدان من جهة، ومن جهة أخرى إلى مكانتهما، التي ارتبطت في أذهان الفنانين الموهوبين، بالعطاء والرقة والجمال. منجزه الصباغي، حسب الناقد الجمالي، عبد الرحمان بنحمزة، أيقونة شبه تجريدية تستحضر تيمة الهندسة المعمارية التقليدية، التي يجعلها أساسية في رسوماته. في حين تنهض منحوتاته على المنحنيات البسيطة والمعكوسة، تستدعي في آن خيالات آدمية. وعن مقتربه الفني، قال الناقد الجمالي مصطفى شباك، إن رحول يستلهم أفكاره من التكعيبية والهندسية، بأسلوب صباغي متفرد يظهر جمالية المزاوجة بين كل الأشكال الهندسية المعروفة في تقنيات الهندسة. أشكاله وكائناته الفنية تختزل تعبيراته، انطلاقا من هرمونية لونية إلى خطوط المنحنيات، التي تنسجم وفق دراية بأمور علوم الهندسة. في هذا السياق، يؤكد رحول في معرض باب الرواح قوة حضوره على مستوى المشاهد المعمارية، التي يحسن التعامل معها. تجربة صباغية ترتهن الخطوط الهندسية، كاشفة عن أسراره الجمالية التي لا توصف. في كل زاوية من حيه الطفولي، وفي كل بناية سكنية، يبحث رحول عن نموذج جمالي ليستخلص منه إجابة فنية. بيد أن النحت والرسم عند رحول لا فرق، ثمة علاقة مشتركة بين الاثنين غير مقطوعة، وعندما ينجز أعماله السيراميكية، فإنما ينجز، أيضا، رسوماته الزيتية على القماش، متمسكا بوحدة التيمة والموضوع. لكن بصيغة أخرى، وهكذا يتكامل النحت والرسم عند الفنان، ويحقق بهما توازنا داخليا وخارجيا، ما يعطيه استثناء بين زملائه. تجمع أعمال رحول بين ما هو موروث حضاري، وبين ما هو مولود من الرغبة في التجديد والتطوير، أي بين ما هو علمي يضبط أسس البناء الشكلي في العمل الإبداعي، وبين ما هو عملي في رصد معطيات المنظور من الأشياء بواسطة النظرة الثاقبة لمفهوم الجمال، التي تعكس اهتمام الذات ورغبتها في تحريك المتجمد وتحويل المتخيل إلى تراكيب ملموسة وأنماط تجسيدية قابلة لإحداث تحولات جمالية في شكل وباطن الأنماط. من زاوية النقد الجمالي كتب الأديب الراحل محمد زفزاف، مقالة تعود إلى سنة 1986، تتوفر "المغربية" على نسخة منها، يقول فيها إن عبد الرحمان رحول "يجمع بين الرسم/استغلال ضيق اللوحة تتحكم فيه القدرة على تمثل الحدث وتوظيف الفكرة عبر اللون والظلال وهاجس الحالة الإبداعية، وبين النحت والخزف وتسخير العناصر المهيأة لطبيعة كينونة الأرض والمتوفرة بشكل من أشكال مخاضات التجاذب والتفاعل بين الطبيعة والإنسان، لخلق الامتداد المكون لفضاء التجانس الحسي والجمالي والتعايش البيئي من خلال استحضار المقدرات التقنية على إفراز أوجه التعبير المتناغم، الذي يعكس في واقع الأمر، قدر سيطرته على نسج نماذج وعينات تشكيلية متفردة بكل دلالاتها وإيحاءاتها وإيماءاتها المستمدة أصلا وبالضرورة من قناعته واختياره لأسلوب ولغة الحوار". ويضيف أن الفنان التشكيلي المغربي يعد من القلائل جدا بالمغرب، الذين أثبتوا حضورهم وعمقوا مفهوم العمل التشكيلي، وجذروا جدواه ممارسة وتطبيقا فربطوه بالمعيش اليومي وعنوا بكل أسباب التواصل الجمالي عبره. فرحول، حسب الراحل زفزاف، كسر قيود اللوحة وتجاوز مسافتها المسدودة وطرح بحدة "قضية" الخطاب التشكيلي ووجد لذلك سبيلا واصلا تمثله في العروض المفتوحة بفضاءات لا محدودة خارج إطار اللوحة وجدران القاعة، انطلاقا من تجاربه الشخصية والجماعية بالبيضاء، وأصيلة، والرباط، وفرنسا، والولايات المتحدةالأمريكية وسواها، حيث اكتست تجربته الخزفية والنحت الحجري والرسم التجسيدي- على وجه الخصوص- قيمتها المستحقة في إظهار شخصيته الفنية. وتكشف المقالة النقدية، أيضا، أن رحول سخر إمكانياته التقنية لمحك التجريب المرحلي قبل أن يستقر على أسلوبه المميز لطبيعة عمله الإبداعي، الذي قام على شرط التوفيق بين النهج العلمي والصيغ الجمالية وعلى خلق توازنات بين التعبير عن الشكل والتعبير بواسطة الشكل، بين استنطاق المخبوء وتحرير ما هو بصري من قيد الإحالة على الهامش. وخلص زفزاف إلى الحديث عن تجربة رحول بقوله إنه "فنان عملي يقدم الفعل ويتخذه حديثا واضحا جليا يحمل بصمات الذات وهويتها الفنية، ويطرح همومها وانشغالاتها بلغة عميقة وصريحة لا تكتنفها ضبابية ولا تسودها فوضى الطلاسيم. لغة تشكيلية ترفض الخضوع لما هو قسري إجباري لحظي، لكنها لا ترفض البساطة من حيث هي أساس تعميق الحوار. رحول بعد هذا كله، وانطلاقا من هذا كله، يقول الكاتب زفزاف، طبع الحركة التشكيلية الحديثة بالمغرب وصار معلمة من معالمها ورمزا من رموزها فهو ممن تذكرك بهم أعمالهم، وإن كنت لا تبصر ما خلفها من ضروب المعاناة ومراحل التوليد.