ظل المغرب بقيادة ملوكه على الدوام أرضا للقاء والحوار والسلام ومنطلقا للدفاع عن القضايا العادلة في العالم٬ وفي مقدمتها القضية الفلسطينية٬ التي وضعها ضمن ثوابت الأمة المغربية ورفعها إلى مستوى أولوياته الوطنية. لقد برز الاهتمام المغربي بالقضية الفلسطينية جليا للعالم٬ سواء في عهد جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني٬ الذي اضطلع على رأس لجنة القدس بدور المدافع العنيد عن عدالة هذه القضية٬ أو بعد أن تولى وارث سره صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، مواصلا الاضطلاع بتحمل هذه الرسالة النبيلة والسعي بكل جهد إلى أن يتمكن الشعب الفلسطيني من استعادة حقه المقدس في تحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. والواقع أن احتضان المغرب أخيرا لاجتماع للمصالحة الفلسطينية٬ جمع ما يقارب 20 فصيلا فلسطينيا على اختلاف مشاربهم السياسية والإيديولوجية٬ تتقدمهم حركتا فتح وحماس بما لهما من ثقل سياسي ونضالي وازن٬ ما هو إلا محطة جديدة ضمن محطات رسمت على الطريق الراسخ الذي سارت عليه المملكة، منذ أن اغتصبت إسرائيل أرض فلسطين وشردت شعبها في أربعينيات القرن الماضي. وبذلك يواصل المغرب دوره الثابت في تقديم أشكال جديدة من الدعم لهذا الشعب الشجاع، الذي عانى طويلا ويلات الاحتلال الإسرائيلي المقيت لأرضه ومقدراته وأبلى البلاء الحسن في التضحية والعطاء على درب النضال من أجل تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في استرجاع حقوقه كاملة غير منقوصة وغير القابلة للتقادم أو التنازل. وفي هذا السياق يمكن قراءة وفهم دلالة ومغزى عبارات "الشكر والامتنان" التي حرص الرئيس الفلسطيني٬ محمود عباس٬ على أن يعبر عنها لجلالة الملك محمد السادس خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع جلالته أمس٬ لما يبذله جلالته من جهود مستمرة لفائدة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، والتي كانت أحد مظاهرها احتضان المملكة أخيرا وتسهيلها لاجتماع المصالحة، الذي ضم كافة الفصائل الفلسطينية. وإذا كان الفلسطينيون، وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس يرغبون في أن يواصل المغرب بقيادة جلالة الملك الاضطلاع بهذا الدور حتى تتحقق المصالحة الفلسطينية الكاملة٬ وليتفرغوا للعمل صفا واحدا من أجل استرجاع حقوقهم واستكمال إقامة دولتهم المستقلة٬ التي أصبحت على مرمى حجر بعد قبولها عضوا غير دائم في الأمم المتحدة٬ فلأنهم يعلمون علم اليقين أن المملكة٬ وكما عهدوها على الدوام٬ لن تخذلهم ولن تتخلى عنهم أبدا، وأنها ستواصل مؤازرتهم في السراء والضراء والوقوف إلى جانبهم إلى غاية تحقيق الهدف المنشود. ولعل هذا ما يترجم التماس الفصائل٬ من خلال "إعلان الرباط" الصادر عقب لقاء الصخيرات (13-15 يناير)، من جلالة الملك "حشد الدعم العربي والدولي من أجل القيام بكل ما يترتب من التزامات لتعزيز المصالحة ماديا ومعنويا وفنيا وعلى كل المستويات، وتوظيف تجارب المغرب الرائدة، ولاسيما تجربته في مجال تطبيق العدالة الانتقالية، لإنجاح المصالحة المجتمعية الفلسطينية، ودعم الصندوق الوطني لتعويض ضحايا الانقسام". وأكدت الفصائل الفلسطينية في هذه الوثيقة التاريخية٬ التي تلاها على الصحفيين والمشاركين في الاجتماع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح٬ توفيق الطيراوي، أنه " (..) يتوجب الإسراع في دفع عجلة المصالحة بكل ملفاتها"، وشددت على أن "الأمل معقود على المملكة المغربية بأن تساهم بدور فعال في هذا الميدان". كما تقدمت الفصائل الفلسطينية بهذه المناسبة بالشكر لجلالة الملك٬ رئيس لجنة القدس، الذي "تولى هذه المهمة السامية امتدادا لجهود والده المغفور له الملك الحسن الثاني". وبعد محطة المصالحة الفلسطينيةبالرباط٬ ها هو المغرب بقيادة عاهله٬ يستعد لمحطة أخرى تشمل الدعم الدبلوماسي للقضية الفلسطينية٬ وبتعلق الأمر ٬ كما جاء في بلاغ الديوان الملكي٬ باستعداد المغرب لاحتضان اجتماع لجنة القدس برئاسة جلالة الملك٬ وهو ما كان محل "ارتياح" من قبل الرئيس الفلسطيني في هذا الاتصال الهاتفي مع جلالة الملك٬ كما أفاد المصدر ذاته.